(الصفحة 225)
بالاصالة المفروضة قبل نزول اية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الاصلية مجزية عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة، و يكون قوله: و المفردة تلزم الى اخره، اشارة الى ما استقر عليه الحال، و صار هو الحكم الثابت الان بأصل الشرع، ففي الاوّل اشارة الى ابتدائه، و الثاني الى استقراره. » و هذا التوجيه و ان كان يرفع التهافت الاّ انه لا يوجب خروج العبارة عن التشويش، الذي ذكرنا.
و قد ذكر صاحب الجواهر بعد نقل توجيه المسالك: و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: ان الحقّ ما هو المشهور، و خالفهم في ذلك بعض الاعاظم من شراح العروة، و يتضح ما ذكرنا بعد ملاحظة امور:
الاوّل: انه ليس في شيء من الادلة المتقدمة، الواردة في اصل وجوب العمرة، ما يدل على ان الواجب هي العمرة بوصف كونها مفردة، لا في الايات و لا في الرّوايات، بل قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة الى الحج في ذيل اية: «و اتموّا الحج و العمرة للّه» ظاهر في انّ المراد من العمرة المأمور باتمامها و الاتيان بها في الصدر: ليس خصوص العمرة المفردة، لظهوره في كونه قسما ممّا امر به في اوّل الآية و نوعا منه، و التعبير في صحيحة ابن اذينة: بانّهما مفروضان. لا دلالة له على كون المراد هي العمرة المفردة، لان العمرة التي يتمتع بها ايضا مفروضة، و ارتباطها بالحج و عدم استقلالها لا ينافي المفروضية، كما ان حج التمتع ايضا كذلك.
و كيف كان، فلا دلالة لشيء من ادلة الوجوب على ان الواجب هي العمرة المفردة، بل الواجب هو طبيعي العمرة، الصادق على عمرة التمتع ايضا.
الثاني: دلالة بعض الروايات على دخول العمرة في الحج الى يوم القيامة: ففي صحيحية الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لانّ الله تعالى يقول: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من
(الصفحة 226)
الهدي... » فليس لاحد الا ان يتمتّع، لانّ الله انزل ذلك في كتابه و جرت به السنّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).(1) و قد استدلّ بها صاحب المستند، بتقريب: انه خرج منه ما خرج فيبقى الباقي. و الظاهر ان الرواية واردة في خصوص المقام و لا تشمل غيره اصلا، فان قوله (عليه السلام): دخلت العمرة في الحج. و ان كان بنفسه مطلقا شاملا للعمرة المفردة الواجبة او المستحبّة، و مرجعه حينئذ الى عدم مشروعية العمرة بدون الحج اصلا، الاّ ان التعليل بقوله تعالى: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج» يوجب قصر الحكم على العمرة. الواجبة، كما انه بملاحظة ذيل الاية، و هو قوله تعالى: «ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام» يختص بمن كان مكلفا بحج التمتع على تقديرالاستطاعة للحج، فيصير حاصل المعنى: دخول العمرة الواجبة بالاضافة الى الافراد المذكورة في الحج، و عدم استقلالها في نفسها، فلا يجب عليهم غير عمرة التمتع، التي لا بد في تحقق الاستطاعة لها من تحققها للحج ايضا، و لو كانت العمرة المفردة واجبة عليهم في فرض الاستطاعة لها لما كانت العمرة الواجبة داخلة في الحج مطلقا، بل الداخلة خصوص عمرة التمتع.
و الظاهر ان المراد من قوله (عليه السلام) الى يوم القيامة، هي الاشارة الى عدم محدودية الدخول بزمان خاص، كما صنعه الثاني، مصرّحا بذلك، و معناه: ان ما اتى به الكتاب و جرت به السنّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثابت الى يوم القيامة، و لا مساغ لتحديده بزمان خاص.
و بالجملة: لا شبهة في دلالة الرواية، بالتقريب الذي ذكرنا: في عدم وجوب العمرة المفردة على النائي، و كون العمرة الواجبة على داخلة في الحج. و مثلها في
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 2.
(الصفحة 227)
الدلالة ـ لكن لا بهذه المرتبة من الظهور ـ صحيحته الاخرى، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: و قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة المتعة. و قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة.(1) و من العجب بعد ذلك، الاستدلال على الوجوب بصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة، المشتملة على قول السائل: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله ـ عزّ و جل ـ: «و اتموّا الحج و العمرة للّه» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة الى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ و قوله (عليه السلام) في الجواب: كذلك امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه.
مع ان التعبير ب «مكان تلك العمرة المفردة» يحتمل ان يكون لاجل ما افاده الشهيد الثاني (قدس سره) في توجيه عبارة الشرايع المتقدمة، من: ان الواجب باصل الشرع، و في الابتداء كانت هي العمرة المفردة، و اية التمتع قد نزلت بعدها فصارالحكم بحسب الاستمرار هي عمرة التمتع، و هي اخف منها، لعدم اشتمالها على طواف النساء و ركعتيه. كما انه يحتمل ان يكون لاجل شيوع كون المفروض هي العمرة المفردة، لاجل التحريم، الذي وقع من الثاني، و لا محالة صار موجبا لعدم الاتيان بعمرة التمتع، و يؤيد الثاني جواب الامام (عليه السلام) الذي فيه اشارة الى كون التحريم المذكور مخالفا لما امر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه.
مع انه لو فرض كون المرتكز في ذهن السّائل ما اراده المستدلّ، و فرض وجود تقرير الامام (عليه السلام)بالنسبة الى ذلك، مع انه محلّ منع، فهل يصلح ذلك للنهوض في مقابل صحيحة الحلبي المتقدمة، الظاهرة في عدم وجوب العمرة المفردة، غير الداخلة في الحج على النائي، الذي تكون وظيفته حج التمتع مع الاستطاعة.
- 1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 7.
(الصفحة 228)مسألة 3 ـ قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الاجارة و الافساد، و ان كان اطلاق الوجوب عليها في غير الاخير مسامحة، على ما هو التحقيق، و تجب ايضا لدخول مكّة ـ بمعنى حرمته بدونها ـ فانه لا يجوز دخولها الاّ محرما، الاّ في بعض الموارد: منها: من يكون مقتضى شغله الدخول و الخروج كرارا، كالحطّاب و الحشّاش، و امّا استثناء مطلق من يتكرر منه فمشكل. و منها: غير ذلك، كالمريض و المبطون، مما ذكر في محلّه. و ما عدا ذلك مندوب، و يستحب تكرارها كالحج، و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، و الاحوط فيما دون الشهر، الاتيان بها رجاء1 .
الثالث: انه مع كون العمرة المفردة مبتلى بها، و الاستطاعة بالاضافة اليها كثيرة جدّا، خصوصا مع عدم تقيدها بوقت خاص، فلو كانت واجبة على النائي المستطيع لها لكان اللازم بلوغه من الوضوح و الظهور مثل ظهور وجوب الحج، خصوصا مع شمول اية الحج، التي وقع فيها التعبير بالكفر للعمرة ايضا، كما عرفت، فالشك في الوجوب دليل على عدمه، كما هو ظاهر. و قد انقدح من جميع ذلك: ان الاقوى ما عليه المشهور، لكن الاحتياط حسن في كلّ حال.
1 - هذه المسألة ناظرة الى العمرة الواجبة بالعرض و العمرة المستحبة، كما ان المسألتين المتقدمتين ناظرتان الى العمرة الواجبة بالاصل، و البحث فيها من جهات:
الجهة الاولى: في وجوب العمرة بالنذر و شبهه من العناوين المذكورة في صدر المسألة، و الظاهر كما في المتن ان اطلاق الوجوب على العمرة و توصيفها بكونها واجبة بعنوانها، انما يكون في غير صورة الافساد، على نحو المجاز و المسامحة دون الحقيقة، لان الواجب في النذر و اخويه انّما هو عناوين الوفاء بالنذر و العهد و اليمين، لا ما يتحقق به هذه العناوين في الخارج و يتحدّ معه في الوجود، لانّ مقام تعلق التكليف هي مرحلة العناوين و عالم المفاهيم، و الخارج، الذي هو ظرف الاتّحاد، انّما هو ظرف سقوط التكليف، موافقة او مخالفة، و من الواضح: ان
(الصفحة 229)
الحكم لا يكاد يمكن ان يتعدى من العنوان، الذي تعلق به الى عنوان اخر، و لو وقع بينهما الاتحاد في الوجود، فالحكم الجائي من قبل النذر انما تعلق بعنوان الوفاء به و لا يسرى الى العنوان الذي تعلق به النذر، بل هو محكوم بحكم نفسه، فصلاة الليل مستحبة، و ان تعلق بها النذر، و لا يجوز في فرض النذر إذا اراد قصد الوجه، ان يصليها لوجوبها، او بوصف كونها واجبة، بل يأتي بها بوصف الاستحباب، مثل صورة عدم النذر.
و هكذا في الشرط في ضمن العقد اللازم، كالبيع و نحوه، و في الاستيجارللعمرة، فان متعلق الوجوب هو الوفاء بالشرط في الاوّل و بعقد الاجارة في الثاني. هذا كلّه في غير عنوان الافساد.
و امّا فيما إذا افسد المعتمر عمرته، فالذي يترتب على افساده امران: احدهماالكفارة، ثانيهما وجوب العمرة ثانيا. و من الظاهر تعلق الوجوب بنفس عنوان العمرة، غاية الامر، بسبب الافساد لا باصل الشرع. و حينئذ ان قلنا بلزوم الفصل بين العمرتين شهرا او عشرة ايام على الاختلاف، فاللازم رعايته بالاضافة الى العمرة الثانية، على تقدير اعتبار الفصل بينهما مطلقا، و لو كانت العمرة الاولى فاسدة، و ان لم نقل باعتبار الفصل اصلا او باعتباره مطلقا، يجوز له الاتيان بالثانية بلا فصل. هذا مع قطع النظر عن الرواية الواردة فيه، و اما مع ملاحظتها، فسيأتي البحث فيه في محلّه ان شاء الله تعالى.
الجهة الثانية: في وجوبها لدخول مكّة، لانه لا يجوز دخولها بلا احرام، قال في محكي المدارك: اجمع الاصحاب على انه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا احرام عدا ما استثنى...