(الصفحة 258)
حريز، و عن حريز هو حمّاد، فيدل ذلك على ان تعدد النقل انما نشأ من قبل حمّاد، و هذا لا يوجب التعدّد بوجه، و كم لذلك نظير في كتاب الوسائل.
و امّا سنده فقد نوقش فيه، تارة: من جهة عدم توثيق معتبر لعليّ بن السندي، لانه ذكر الكشي. ان نصر بن الصباح قد وثّقه، مع انه بنفسه لم يوثق و لم يتعرض له غيره، لا النجاشي و لا الشيخ في فهرسته و رجاله، و لا في المشيخة.
و اخرى: من جهة جهالة طريق الشيخ الى علي بن السندي، فانه و ان روى عنه كثيرا في التهذيب، لكنه مع ذلك لم يتعرض لذكر الوسائط، مع كون البناء على التعرض له في اخر الكتاب. و عليه، فطريق الشيخ اليه مجهول.
هذا، و لكن جماعة من المحققين من الرجاليين، كالوحيد البهبهاني و الاردبيلي صاحب جامع الرّواة قد وثقوه بدعوى اتحاده مع علي بن اسماعيل الميثمي الثقة، و ان السندي لقب اسماعيل، و قد صرح بالاتحاد سيّدنا العلامة الاستاذالبروجردي في كتابه: «ترتيب اسانيد الكافي» المطبوع اخيرا، و هذه الدعوي و ان كان قد نوقش فيها، الاّ انه يؤيّدها عدم التعرض لعنوان الرجل بهذا النحو في الكتب المذكورة، فانه كيف يمكن ان يصير مغفولا عنه، خصوصا بعد كثرة رواياته، و حذف الوسائط بينه و بين الشيخ، المستلزم للتعرض له في المشيخة؟ ! و لكن الامر عندنا سهل، ـ لما عرفت ـ من: عدم كونها رواية اخرى لزرارة، و اتحادها مع الاولى، و ان كان بينهما اختلاف يسير من جهة اشتمال الاولى على اضافة كلمة «دون» الى الثمانية و الاربعين دون الثانية، و ان كان يجري فيهااحتمال السقط، خصوصا مع ذكر الثمانين بنحو المضاف اليه، لانه كان اللازم ـ مع عدم السقط ـ ذكره بصورة الرّفع.
و من جهة التصريح في الثانية، باضافة تلك الكلمة الى عسفان و ذات عرق، الظاهرة في خروجهما عن الحدّ، و لزوم التمتع عليهما بخلاف الاولى، التي عرفت
(الصفحة 259)
جريان الاحتمالين فيها.
هذ، او امّا قوله (عليه السلام): من جميع نواحي مكة. و مثله في الرواية الاولى، فلا ينبغي الارتياب في عدم كون المراد منه هو التوزيع على النواحي الاربعة، بحيث كان كل ناحية اثنا عشر ميلا، لانه مضافا الى كونه خلاف ظاهر العبارة، لا وجه للتعبير بالمجموع، مع بداهة كون المبتلى به لكل مكلف، سواء كان داخلا في الحدّ او خارجا، عنه، هي ناحية واحدة فقط، فضم النواحي الاخر لا يترتب عليه فائدة اصلا.
و كيف كان، لا ينبغي الاشكال، في: ان رواية زرارة ظاهرة في التحديدبالثمانية و الاربعين، في مقابل القول الاخر، و امّا الاختلاف في عسفان و ذات عرق على احد الاحتمالين، فهو امر اخر لا ارتباط له باصل البحث.
و من هذه الطائفة: صحيحة الفضلاء، و رواية سعيد الاعرج، المتقدمتان في المقام الثاني، الدالتان على انه ليس لاهل مرّ و لا لاهل سرف متعة، بناء على كون مرّ واقعة في المرحلة الاولى المطابقة لاربع و عشرين ميلا، كما ذكره القاموسو اليعقوبي في تاريخه، و يؤيده ما في محكي المعتبر، من: انه معلوم كون هذه المواضع اكثر من اثني عشر ميلا، لكن عن الواقدي: بين مكة و مرّ خمسة اميال، و قد عرفت عن النهاية: انّ سرف بكسر الراء: موضع من مكة على عشرة اميال، و قيل: اقل او اكثر. و على هذين القولين لا دلالة للروايتين على نفي اثني عشر ميلا، اصلا.
و يؤيد هذه الطائفة رواية ابي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: لاهل مكة متعة؟ قال: لا، و لا لاهل بستان و لا لاهل ذات عرق و لا لاهل عسفان و نحوها.(1) و دلالتها على نفي ذلك القول واضحة لمعلومية كون الفصل
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السّادس ح ـ 12.
(الصفحة 260)
بين الاخيرين زائدا على المقدار المذكور و قريبا الى الثمانية و الاربعين، لو لم يكن بالغا اليها، لكن المناقشة في السند من جهة كون الرّاوي عن ابي بصير هو علي بن ابي حمزة.
الطائفة الثانية: ما يدلّ على التحديد بما دون المواقيت: مثل صحيحة حمّاد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون الاوقات الى مكة.(1) و رواية الحلبي، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون المواقيت الى مكة، فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة.(2) و ظاهر هذه الطائفة: و ان كان التحديد بما دون كل ميقات. و عليه، فيختلف الحدّ بالاضافة الى المواقيت، لكن لا يبعد، خصوصا بلحاظ التعبير بالجمع، نظرا الى انه لو كان المراد ما ذكر: لكان الانسب التعبير بما دون الميقات. ان يكون المراد هو مادون المواقيت كلها، فانّها على هذا الحدّ ظاهرا، فان اقرب المواقيت الى مكّة هو يلملم، ميقات اهل اليمن ـ و هو جبل على مرحلتين من مكة ـ و المرحلة الاولى، كما في تاريخ اليعقوبي هو الملكان. و عليه، فلا تعارض الطائفة الاولى بوجه.
الطائفة الثالثة: ما يدل على التحديد بثمانية عشر ميلا: و هي صحيحة حريز، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ و جلّ: «ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام» قال: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها،
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السادس ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السادس ح ـ 4.
(الصفحة 261)
و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مرّ و اشباهه(1). قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: هذا غير صريح في حكم ما زاد عن ثمانية عشر ميلا، فهو موافق لغيره فيها و فيما دونها، فيبقى تصريح حديث زرارة و غيره بالتفصيل سالما عن المعارض. هذا، و لكن وقوع الرواية تفسيرا للاية التي هي في مقام التحديد و التقسيم يابى عن الحمل المذكور.
و قد جمع بينها و بين صحيحة زرارة المتقدمة، صاحب المدارك بالحمل على التخيير، و كون من بعد بثمانية عشر ميلا مخيرا بين التمتع و غيره، و من بعد بثمانية و اربعين متعيّنا عليه التمتع، و لكنه ذكر بعد ذلك: انه كما ترى شاهد له، و اضيف اليه وجود الشاهد على خلافه، و هو عدم كونه مفتى به لاحد من الاصحاب، مضافا الى مخالفته للآية الشريفة الظاهرة في عدم التخيير بين التمتع و غيره.
فالظاهر ان يقال: بان اعراض الاصحاب باجمعهم عن هذه الرواية يسقطها عن الحجية، لو لم يكن لها معارض، فضلا عما إذا كان كما في المقام.
ثم انه استدل للقول الآخر و هو اثنا عشر ميلا، الذي اصرّ عليه صاحب الجواهر (قدس سره) بوجوه.
الاوّل: ما ذكره في اوّل كلامه و في اخره ايضا، من: انه هنا اطلاقات تدل علىوجوب التمتع، و انه وظيفة كل من يجب عليه الحج، و يكون امر الخارج منه دائرا بين الاقل و الاكثر، و اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو من الاثنى عشر ميلا فما دون.
و الجواب عنه: اوّلا: انه لا يوجد في شيء من الكتاب و السّنة ما يدلّ بعمومه او
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب السادس ح ـ 10.
(الصفحة 262)
اطلاقه على ذلك، امّا الكتاب فواضح، و امّا السنة فما ربما يتوهم فيه ذلك انمّا هو صحيحة الحلبي، عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لانّ الله تعالى يقول: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى»، فليس لاحد الاّ ان يتمتع، لان الله انزل ذلك في كتابه و جرت به السّنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).(1) نظرا الى اطلاق قوله: دخلت العمرة.... و عموم قوله: فليس لاحد... مع انه من الواضح، كما مرّ: ان التعليل للدخول المذكور بالآية الشريفة، الظاهرة في التقسيم و التنويع و اختصاص التمتع بخصوص من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام، يقيّد الاطلاق، كما هو شأن التعليل، و كذاالتفريع و التعليل في العموم يوجبان الاختصاص، كما هو واضح. و هذه الصحيحة تفسّر صحيحة اخرى للحلبي رواها الصدوق باسناده عنه، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة(2).
و تدل على ان المراد بالعمرة الداخلة هو خصوص عمرة التمتع، بالاضافة الى حجّه لا مطلقا، و كذا صحيحته الاخرى، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الحج. فقال: تمتّع، ثم قال: انّا إذا وقفنا بين يدي الله تعالى قلنا: يا ربّنا اخذنا بكتابك، و قال الناس: رأينا، رأينا، و يفعل الله بنا و بهم ما اراد.(3) نظرا الى ظهور الجواب في تعين التمتّع، و من الواضح: انه لا خصوصية للرّاوي.
و لكن قوله: انّا... الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور، اوّلا: يدل على ان المراد خصوص من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام. و مثلها في الاستدلال و الجواب رواية ليث المرادي، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: ما نعلم حجّا للّه
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 12.
- 3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثالث ح ـ 3.