(الصفحة 26)
بالاقرار في القاعدة هو الاقرار على نفسه، لا ما يعمّه و الاقرار لنفسه. و قد ذكر في مقام الفرق بين هذه القاعدة و بين قاعدة اقرار العقلاء على انفسهم جائز، التي تدل عليها الروايات: ان النسبة بين الموردين عموم من وجه، لاجتماعهما، فيما إذا اقر الشخص بانه وهب ماله لزيد ـ مثلا ـ و افتراق الثانية، فيما إذا اقر بالقتل غير المجاز او الجرح كذلك لعدم كونه ملكا له و مسلطا عليه، لان المراد بالملكية هي السلطة، كما في ملك الإقرار، و افتراق الاولى، الذي هو المهم في القاعدة، و الغرض من سوقها في موارد كثيرة، مثل ما إذا اقر الصبي بالتصرفات التي يصح منه، كالوصية بالمعروف و الصدقة، و ما إذا اقر الوكيل على الموكل، كما إذا اقرببيع ما له، و كذلك الوليّ بالاضافة الى المولّى عليه.
و يستفاد من ذلك اختلاف القاعدتين في الموارد فقط، من دون ان يكون هناك فرق فيما يرتبط بالاقرار من جهة كونه له او عليه، و ان كان مثالهم لقاعدة «من ملك» بقبول اقرار الزوج المطلق بالرجوع، لانّ له السلطنة على الرجوع، ربمايدل على عموم القاعدة بناء على ان الرجوع لا يكون عليه دائما، بل ربما يكون له، الاّ ان يقال: ان الرجوع مطلقا ضرر عليه، بلحاظ لزوم ترتيب آثار الزوجية و شمولها للزوج، فتأمل.
و كيف كان، فلم يقم دليل على قبول اخبار النائب في مقام الاستنبابة، بل اللازم الوثوق و الاطمينان بالداء، و لا يعتبر العلم، لتعذره نوعا، و الاطمينان يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم، و لا يجوز الاكتفاء باقلّ منه الاّ مع قيام مثل البينة، التي هي حجة شرعية.
و امّا من الجهة الثانية: فبعد احراز الاداء و الاتيان، إذا كانت الصحة مشكوكة تجري اصالة الصحة، كما في سائر الموارد. نعم، يحتمل اختصاص جريانها بما إذا كان العمل متحققا قبلا و شك في صحته و فساده، و امّا قبل العمل فلا تجري و ان
(الصفحة 27)
كان اصل الاتيان به فيما بعد محرزا، و لكن الظاهر انه لا فرق في جريانها بين الصورتين، و ان كان مقتضى الاحتياط ـ كما في المتن ـ اعتبار الوثوق بالصحة في الصورة الثانية، و عدم الاكتفاء باصالة الصحة.
الامر الخامس: معرفته بافعال الحج و مناسكه و احكامه و لو بارشاد معلّم، حال كل عمل، و لا شبهة في الاكتفاء بالمعرفة بسبب الارشاد كذلك في الحج لنفسه، كما هو المتداول في هذه الازمنة، حيث يكون لكلّ قافلة مرشد و مربيّ يتعلّم منه حجاج تلك القافلة حال كل عمل، و من الواضح: ان العلم بجميع الافعال و المناسكو الاحكام قبل الشروع في الحج قلّما يتّفق، كما انه لا ينبغي الاشكال في الاكتفاء بذلك في النائب عن الغير تبرّعا، لعدم الفرق بين النيابة كذلك و بين الحج لنفسه.
و امّا استنابته فربما يقال بعدم صحتها، للجهل بمتعلق الاجارة، لان المفروض انه يؤجر نفسه للحج و هو جاهل به، فتكون الاجارة غرريّة، فلا بدّ ان يكون عارفا و عالما بمقدار يخرجه عن الغرر، كما هو الحال في اجارة سائر الاعمال و الافعال.
و يرد عليه: ان المعرفة المعتبرة في صحة الاجارة هي المعرفة حال العمل لا حال الاجارة، كما ان القدرة المعتبرة فيها ايضا هي القدرة كذلك فاذا فرض الوثوق بذلك، و لو بارشاد معلم و مربى حال كل عمل، كما فيما عرفت من المتداول في هذه الأزمنة، فلا مجال للمناقشة في الصحة من ناحية الغرر، لعدم ثبوت الغرربوجه، فالانصاف صحة الاستنابة كالنيّابة.
الامر السادس: عدم اشتغال ذمة النائب بحج واجب عليه في ذلك العام، كحجة الاسلام او
(الصفحة 28)
حجّ النذر المقيد بذلك العام. و قد فصلّنا القول في ذلك في المسألة الاخيرة، من الفصل الاوّل، و قد اخترنا صحة النيابة و الاستنابة معا، خلافا للماتن ـ قدس سره الشريف ـ حيث اختار البطلان فيهما. و قد عرفت: ان السيد (قدس سره) في العروة، حكم ببطلان الاجارة على تقدير صحة النيابة ايضا.
الامر السّابع: ان لا يكون النّائب معذورا في ترك بعض الاعمال، كما في غير الحج مثل صلوة الاستيجار، حيث لا يجوز استيجار من لا يقدر على القيام ـ مثلا ـ و ياتي بالصلاة جالسا، و الوجه في اعتبار هذا الامر: قصور ادلة النيابة الواردة في مشروعيتها لمثل ذلك، بعد كونها على خلاف القاعدة المقتضية لاتيان المكلف ما عليه من العبادة بالمباشرة، و عدم كفاية عمل الغير في براءة ذمة المكلف و فراغها من التكليف، و لا فرق في اعتبار هذا الامر بين كون المنوب عنه مختارا غير معذور، و بين كونه معذورا، كالنائب، ففي مثال الصلاة لا يجوز استيجار القاعد، و لو كان الفوت من المنوب عنه في زمن لا يقدر على القيام، اصلا، لعين ما ذكرنا من الوجه.
كما انه لا فرق في المقام في عدم جواز استنابة المعذور بين ما كان العمل المعذور فيه قابلا للنيابة و بين ما لم يكن، لعدم شمول ادلة جريان النيابة، لما إذا كان المنوب عنه نائبا عن الغير، بل الظاهر الاختصاص بما إذا كان المنوب عنه في مقام الاتيان بما على نفسه من التكليف. ثم انه لا يختص عدم جواز نيابة المعذور، و عدم جواز الاكتفاء بعمله بين ما إذا كانت النيابة استيجارية و بازاء الاجرة، و بين ما إذا كانت تبرعيّة. فاذا كان على الميت حجّ لا بد ان يقضي من تركته لا يجوز للورثة الاكتفاء بحجّ النائب المتبرع المعذور، لعدم الدليل على فراغ
(الصفحة 29)مسألة 2 ـ يشترط في المنوب عنه الاسلام فلا يصح من الكافر، نعم، لو فرض انتفاعه به بنحو اهداء الثواب، فلا يبعد جواز الاستيجار لذلك، و لو مات مستطيعا، لا يجب على وارثه المسلم الاستيجار عنه، و يشترط كونه ميّتا او حيّا عاجزا في الحجّ الواجب، و لا يشترط فيه البلوغ و العقل، فلو استقرّ على المجنون حال افاقته ثم مات مجنونا، يجب الاستيجار عنه، و لا المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الانوثة، و تصح استنابة الصرورة رجلا كان او أمرأة عن رجل او امرأة1 .
ذمته بعمل المعذور المتبرع، بل مقتضي استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت العدم. و لاجله ذكر في المتن: ان الاكتفاء بتبرع المعذور، مشكل.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الاوّل: في اعتبار الاسلام في المنوب عنه، و فيه مباحث:
المبحث الاوّل: فيما لو مات الكافر مستطيعا، فهل يجب على وارثه المسلم الاستنابة و الاستيجار عنه كما لو مات المسلم كذلك، أولا؟ و الظاهر عدم الوجوب، سواء قلنا بعدم كون الكفار مكلفين بالفروع، و الاحكام العملية، او قلنا بكونهم مكلفين بها، أمّا على التقدير الاوّل: فواضح، لانه بعد عدم كون الميت الكافر مكلّفا بالحج لا مجال لوجوب القضاء عنه بعد الموت، و لو كان الوارث مسلما، و امّا على التقدير الثاني: فلان الادلة الواردة في مسألة القضاء، الدالة على وجوبه في صورة استقرار الحج على الميت، من دون فرق بين صورة الوصية بذلكو صورة عدم الوصية، قاصرة عن الشمول للميت الكافر، لان الاسئلة الواردة في الروايات المتضمنة لهذا الحكم منصرفة الى المسلم الذي كان يتوقع منه الاتيان بالحجّ، لاجل تعهده بالاحكام و الالتزام، بها، فالكافر خارج عن مورد تلك السّؤالات: نعم، يبقى الكلام في التعليل الوارد في بعضها بعد الحكم بوجوب القضاء، بانه بمنزلة الذين الواجب، فانه بعد وضوح لزوم اداء دين الميت من
(الصفحة 30)
تركته، و لو كان كافرا، يمكن ان يقال: بان الحج ايضا كذلك، فيجب القضاءعن الكافر ايضا، و لكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية، لكون التنزيل مرتبطا بنفس طبيعة الحج، مع قطع النظر عن ثبوته على المسلم او الكافر، بل يحتمل كون مورد التنزيل خصوص ما هو محط النظر في الاسئلة، التي عرفت: انها منصرفة عن الميت الكافر. فتدبّر.
و يؤيّده جريان السيّرة على عدم الاستنابة للكافر في زمن النبي و الائمّة ـ عليه و عليهم الصلاة و السلام ـ مع كون جماعة من المسلمين، خصوصا في صدر الاسلام و زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وارثين للكفّار كما لا يخفى، فالظاهر حينئذ عدم وجوب القضاء عن الميت الكافر.
المبحث الثّاني: في النيابة عن المشرك او الملحد، الذي هو اعظم منه: و يدل على عدم جواز النيابة عنه قوله تعالى: «ما كان للنبيّ و الذين امنوا ان يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولي قربي» و قوله تعالى: «و ما كان استغفار ابراهيم لابيه الاّ عن موعدة و عدها اياه فلما تبين له انه عدّوه للّه تبرأ منه» و غير ذلك من الآيات الدالة على عدم جواز الاستغفار للمشرك.
و ربما يستشكل في الاستدلال بذلك بعدم انطباق الدليل على المدعى، فان النيابة التي هي مورد البحث امر، و الاستغفار امر اخر. و لكن الظاهر انه مع عدم جواز الاستغفار الذي معناه مجرد طلب المغفرة الراجعة الى العفو عن الذنب و الصفح عنه، يكون عدم جواز الاستنابة، التي مرجعها الى صدور العمل العبادي من المنوب عنه، الموجب لقربة اليه تعالى بطريق اولى، كما لا يخفي.
المبحث الثالث: في النيابة عن الكافر غير المشرك: و المشهور بين الاصحاب عدم الجواز، بل ادعى الاجماع عليه، و في محكي المدارك نفي الريب فيه.
و استدل له في الجواهر بقوله: «لما عرفت، من: عدم انتفاعه بذلك،
|