(الصفحة 304)
المتفاهم منهما عرفا، مدخلية نفس المجاورة المذكورة في تبدل الفرض و انتقال الحكم، و لو كان تحقق الاستطاعة بعد السنتين دخيلا، لكان مدخلية المجاورة المذكورة انّما هو بنحو الجزئية و بعض المؤثر، و هو خلاف ظاهر الروايتين جدّا.
فالانصاف: ثبوت الاطلاق لهما، كما اعترف به صاحب الحدائق على ما تقدّمت الاشارة اليه في صدر المسألة و قد مرّ: انه لا مجال للتمسك بالاستصحاب ايضا.
نعم، لو وصلت النوبة الى الترديد و الاجمال في الروايتين، لكان اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما لو حصلت الاستطاعة بعد السنتين، لعدم الفرق في لزوم الاقتصار على المتيقن بين كون لسان الدليل بنحو التخصيص او بنحو الحكومة، كما لا يخفى. و على ما ذكرنا، فلا فرق بين الصورتين في هذا الامر. هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في المكيّ إذا صار مقيما في سائر الامصار بالمقدار المذكور في المقام الاوّل، و هي تمامية سنتين و الدخول في الثالثة: و الظاهر انه لم ينهض دليل على التبدل و الانقلاب فيه بوجه، و لا دلالة لادلة الانقلاب في ذلك المقام، على انّ المجاورة بالمقدار المذكور موجبة له مطلقا، سواء كانت لغير المكي في مكة او العكس، كماإذا جاور المكي المدينة ـ مثلا ـ، بل لولا ظهور كلمات الاصحاب و صراحة كلام صاحب الجواهر في: انّ المراد بمكة في الروايتين ما هو داخل الحدّ مطلقا، لكان يحتمل ان يكون الحكم من خصائص نفس تلك البلدة المقدسة، و لا يشمل غيرها، المشترك معها في الفرض.
و كيف كان، لم يقم دليل على ان المجاورة في المدينة ـ مثلا ـ موجبة للانقلاب و تبدل الفرض. نعم، قد تقدم البحث في المكّي الذي خرج الى بعض الامصار
(الصفحة 305)مسألة 4 ـ المقيم في مكة لو وجب عليه التمتع كما إذا كانت استطاعته في بلده، او استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه، يجب عليه الخروج الى الميقات لاحرام عمرة التمتع، و الاحوط ان يخرج الى مهلّ ارضه فيحرم منه، بل لا يخلو من قوة. و ان لم يتمكن فيكفي الرجوع الى ادني الحلّ، و الاحوط الرجوع الى ما يتمكن من خارج الحرم، ممّا هو دون الميقات، و ان لم يتمكّن من الخروج الى ادنى الحلّ احرم من موضعه، و الاحوط الخروج الى ما يتمكّن1 .
و اراد ان يحج حجة الاسلام في المراجعة الى بلده و وطنه، و ان المشهور المنصور هو جواز التمتع له، خلافا لابن ابي عقيل، حيث ذهب الى تعين حكم المكّي، و اختاره السيد و الماتن ـ قدس سرهما ـ، و لكن التبدل المبحوث عنه هنا هو التبدل بنحو التعين، كالتبدل في المقام الاوّل، و لا دليل عليه بوجه.
ثم انه استثنى في المتن: ما لو توطن المكي في سائر الامصار، و حصلت الاستطاعة بعده، و انه يتعين عليه التمتع، و لو في السنة الاولى.
و يرد عليه: مضافا الى ان استثناء التوطن من المجاورة، مع كونها في مقابله، يوجب ان يكون منقطعا، انه على فرض التوطن و قصد الاقامة الدائمية، لا دليل على اعتبار كون الاستطاعة حاصلة بعده في الانتقال و التبدل، لانه لم يقم دليل على انّ الملاك في تعين النوع هو زمان الاستطاعة، بل الظاهر ان الاستطاعة شرط لأصل تحقق الوجوب و ثبوت التكليف، و امّا تعين النوع فهو تابع لزمان العمل و ارادة الامتثال، فاذا كان في حال الامتثال متوطنا في مدينة ـ مثلا ـ يكون اللازم عليه حج التمتع، و ان كانت استطاعته حاصلة، في مكة، فتدبر.
1 - في اصل المسألة اقوال ثلاثة:
القول الاوّل: انه ميقات اهله، المعبرّ عنه تبعا للرواية بمهلّ ارضه بضم الميم: اسم مكان من الاهلال، بمعنى الشروع. حكي هذا القول عن الشيخ و ابي الصلاح و يحيى بن
(الصفحة 306)
سعيد، و المحقق في النافع، و الفاضل في جملة من كتبه، و نسبه في الحدائق الى المشهور.
القول الثاني: انه احد المواقيت المخصوصة مخيّرا بينها، و هو ظاهر اطلاق الشرايع و النهايةو المقنع و المبسوط و الارشاد و القواعد، و صريح الشهيدين في الدروس و المسالك و الرّوضة.
القول الثالث: انه ادنى الحلّ حكي عن الحلبي او الحلّى كما هو ظاهر، لان كنيته هوابو الصلاح، و هو من القائلين بالقول الاوّل، كما مرّ) و استحسنه صاحب الكفاية، و استظهره الاردبيلي، و احتمله قويا تلميذه صاحب المدارك.
و الحكم في المسألة، تارة: مع قطع النظر عن الروايات الخاصة المختلفة الواردة فيها، و اخرى: مع ملاحظتها، فنقول:.
امّا من الجهة الاولى: فلا بدّ من ملاحظة الروايات العامّة الدالة على توقيت النبي (صلى الله عليه وآله) مواقيت للافاق، و ان لكل قطر ميقاتا مخصوصا، و انه لا يجوز لاحد ان يحرم الاّ من ميقاته الذي عين له، بضميمة الروايات الدالة على التوسعة بهذه الكيفية، و هي: انه يجوز الاحرام من كل ميقات لمن يمرّ به، و ان كان من غير اهله، ففي بعضها: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقت المواقيت لاهلها و من اتى عليها من غير اهلها.
و قد وقع الكلام في: ان الروايات الاخيرة هل تختص بمن يأتي على الميقات من الخارج، او تشمل المقام الذي يريد الحج من مكة؟ و الظاهر هو الانصراف
(الصفحة 307)
عن المقام، و الاختصاص بمن يريد الحج من الخارج و يأتي على الميقات، و لا مجال لدعوى استظهار العموم، كما ادّعى.
و امّا من الجهة الثانية: فالرواية الوحيدة التي تدل على القول الاوّل: ما رواه الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمد عن الحسن بن على عن ابان بن عثمان عن سماعة، عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المجاور، أله ان يتمتّع بالعمرة الى الحج؟ قال: نعم، يخرج الى مهلّ ارضه فيلبيّ ان شاء.(1) و لا بدّ اما من تقييد المجاور في السؤال، بقرينة الحكم في الجواب بجواز التمتع له بالمجاور، الذي لم يمض عليه سنتان، بقرينة الصحيحتين المتقدمتين الواردتين في المسألة السابقة. و امّا من حمل السؤال على الحج المندوب، و على كلا النقديرين يصح الاستدلال بها لهذا القول. لكنه قد نوقش فيها سندا و دلالة، امّا من جهة السند: فلأجل معلّى بن محمد، الذي ذكر النجاشي في ترجمته: انه مضطرب الحدث و المذهب و اجيب عنه ـ مضافا الى عدم دلالة عبارة النجاشي على ضعفه، لان مرجع اضطراب الحديث الى انه يروي الغرائب، و الاضطراب في المذهب لا يقدح في وثاقة الرجل ـ بانه من رجال كامل الزيارات لابن قولويه شيخ المفيد (قدس سره)، الذي التزم في ديباحته: بانه لا يروي الاّ عن الثقات. و عليه، فهو موثق بتوثيقه، غاية الامر، بالتوثيق العام.
و امّا من جهة الدلالة: فلان التعليق على المشيّة لا يكاد يجتمع مع الوجوب، فانه لا معنى لقوله: اقيمو الصلاة ان شئتم، فهو ـ اي التعليق ـ يدل على عدم الوجوب.
و لكنه اجاب عن هذه المناقشة في المستمسك، بقوله: «و قوله (عليه السلام): ان شاء.
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 1.
(الصفحة 308)
ظاهر في انه راجع الى التمتع لا الى الخروج، لانّ الظاهر ان عدله: و ان لم يشألم يخرج، و ذلك انما يصحّ فيما يجوز فعله و تركه، و هو التمتع، لا فيما لا بد من فعله او فعل غيره، كما في احد افراد الواجب، و هو الخروج، و لعله ظاهر باقل تأمل».
و هذا الجواب يمكن الايراد عليه: بان تعليق الحكم بالوجوب التخييري على المشيّة بان يقال: ان شئت فاختبر هذا العدل و هذا الطرف، مما لا مانع منه، خصوصا مع اشتماله على مشقة زائدة على العدل الاخر.
و التحقيق في الجواب: ان ملاحظة كثير من الروايات الاخرى، المستدل بهاعلى القول الثاني، تهدينا الى ذلك، و ان المراد تعليق التمتع على المشية:
منها: موثقة سماعة بن مهران، عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: من حجّ معتمرا في شوال، و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو اقام الى الحج فهو يتمتّع، لان اشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعثمر فيهنّ و اقام الى الحج فهو متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان او قبله و اقام الى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور، افرد العمرة، فان هو احبّ ان يتمتع في اشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق او يجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) الى الحج، فان هو احبّ ان يفرد الحج فليخرج الى الجعرانة فيلبىّ منها.(1) فان ذيلها يدل على انه مختار في التمتع و غيره، و انه ان اختار التمتع فميقاته كذا، و ان اختار الافراد فميقاته كذا.
و مثلها: رواية اسحاق بن عبد الله، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام)عن المعتمر (المقيم) بمكّة، يجرّد الحج او يتمتع مرة اخرى؟ فقال: يتمتع احبّ اليّ،
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 2.