(الصفحة 333)
و لو بعد هلال ذي الحجّة، و الاّ فلا يبقى فرق بين المدني و العراقي.
و يمكن ان يقال، بملاحظة سؤال الفضل و استفهامه: انّ المراد من الرواية الجمع بين العمرة المفردة و حج التمتع، المشتمل على العمرة، و انّ الحكم فيه هو الجواز و لو بعد هلال ذي الحجة. غاية الامر، ان المدني لا يستطيع الجمع بين الامرين لبعد المسافة و قلة الوقت، و العراقي يقدر على ذلك خارجا، لقلة مسافة ميقاته الى مكّة.
هذا، و لكنه على هذا التقدير ـ ايضا ـ تدل الصحيحة على عدم الاحتساب، و عدم صيرورة العمرة المفردة متعة، بالاضافة الى قاصد الحج، و الاّ يكون الجمع بين العمرتين موجبا للجمع بين عمرتي التمتع، و هو غير مشروع، لعدم جواز تكرارعمرة التمتع، و تتضج هذه الدلالة على فرض اختيار الانقلاب القهري في الجهة الاولى، التي قدّمناها.
هذا، و لكن دلالة الصحيحة على اصل خروج من يكون قاصدا للحج، من الروايات المتقدمة الواردة: في ان العمرة المفردة في اشهر الحج متعة ليست بذلك الوضوح، خصوصا مع اشتمال تلك الروايات على الاطلاقات القوية، مثل قوله (عليه السلام) في جواب السؤال عن المعتمر في اشهر الحج: هي متعة. فانّها و ان قيّدت بما إذا لم يرد الخروج بعد العمرة المفردة الى بلاده، الاّ ان اطلاقها بالاضافة الى من كان مريدا للحج من الاوّل بحاله، و حينئذ يقع الاشكال في: ان دلالة الصحيحة هل تكون من القوة و الظهور بمكان يصلح لتقييده الاطلاقات من هذه الناحية ايضا ام لا؟ خصوصا مع عدم التعرض لهذا التخصيص في شيء من الكلمات، كما اعترف به بعض الاعلام، حيث قال: لم ار من تعرض للمسألة؟ و ان كان يؤيد التخصيص: انّ ملاحظة روايات الانقلاب تقضي بان منشأه هو الارفاق و التسهيل على من اتى بالعمرة المفردة، و التشويق له الى البقاء
(الصفحة 334)ثانيها: ان يكون مجموع عمرته و حجّه في اشهر الحج فلو اتى بعمرته او بعضها في غيرها لم يجز له ان يتمتع بها. و اشهر الحج شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة بتمامه على الاصح1 .
للاتيان بالحج، و هذا انما يناسب من كان من نيته الخروج الى بلاده بعدالاعتمار.
ثم انه لو وصلت النوبة الى فرض الشك، نظرا الى عدم وضوح دلالة الصحيحة في مقابل الاطلاقات، و عدم امكان توجيهها الاّ باحد المعنيين المذكورين، و كلاهما يقتضي الاختصاص، لكان اللازم بمقتضى كون الانقلاب على خلاف القاعدة هو الحكم بالاختصاص ايضا، كما لا يخفى.
1 - المذكور في هذا الامر حكمان:
الحكم الاوّل: انه يعتبر في حج التمتع وقوع مجموع عمرته و حجّه في اشهر الحج، و لا يجوز الاتيان بعمرته و لو ببعضها في غيرها، و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب» و في الجواهر: «بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه» و مثله في الحدائق و غيرها، و يدل عليه النصوص الكثيرة:
منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته فخرج، كان ذلك له، و ان اقام الى ان يدركه الحج، كانت عمرته متعة، و قال: ليس يكون متعة الاّ في اشهر الحج(1).
و منها: موثقة سماعة بن مهران عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا باس بذلك، و ان هو اقام الى الحج، فهو يتمتّع (متمتع)، لان اشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الخامس عشر ح ـ 1.
(الصفحة 335)
اعتمر فيهن و اقام الى الحج فهى متعة... الحديث.(1)
و منها: صحيحة ابن اذينة، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): من احرم بالحج في غير اشهر الحج فلا حج له، و من احرم دون الميقات فلا احرام له.(2) بناء على ان عمرة التمتع تكون مرتبطة بحجّه و جزء له، فتدل الرواية على عدم جواز وقوعها في غير اشهر الحج، كوقوع الاحرام قبل الميقات.
الحكم الثاني: انه لا اشكال و لا خلاف في: ان الشوال و كذا ذا القعدة بتمامهما من اشهرالحج، و انّما الخلاف في شهر ذي الحجّة، و انه هل يكون بتمامه منها او ببعضها؟ و في المراد من ذلك البعض، و فيه اقوال: 1 ـ القول بانه يكون بتمامه منها: حكى عن الشيخين في الاركان و النهاية، و ابني الجنيد و ادريس و القاضي في شرح الجمل، و اختاره المحقق في الشرايع، و السيد و الماتن (قدس سره).
2 ـ عشرة ايام من ذي الحجة، حكي عن الحسن و التبيان و الجواهر و روض الجنان.
3 ـ تسعة ايام منه: حكي عن الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب.
4 ـ تسع ليال منه: عن الغنية.
5 ـ تسعة ايام و ليلة يوم النحر الى طلوع الفجر: عن المبسوط و الخلاف و الوسيلةو الجامع، و قد نسب ذلك الى ظاهر جمل العلم و العمل و المصباح و مختصره و مجمع البيان و متشابه القران، لانه عبّر فيها بالشهران و عشر من ذي الحجة بالتأنيث
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي عشر ح ـ 4.
(الصفحة 336)
الظاهر في كون التمييز ليالا لا ايّاما، فيخرج اليوم العاشر.
6 ـ القول الخامس، مع جعل الغاية طلوع الشمس: حكي عن ابن ادريس في موضع.
ثمّ انه حكي عن العلامة، في كتاب المختلف ـ الموضوع لذكر المسائل التي اختلفت فيها اراء علمائنا الامامية رضوان الله تعالى عليهم اجمعين ـ، و بيان الاقوال فيها: «التحقيق ان هذا نزاع لفظي، فانهم ان ارادوا باشهر الحج ما يفوت الحج بفواته، فليس كمال ذي احجة من اشهره، لما يأتي من فوات الحج دونه، على ما يأتي تحقيقه، و ان ارادوا بها ما يقع فيه افعال الحج، فهي الثلاثة كلا، لان باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجّة، فقد ظهران ان النزاع لفظي».
و قد استحسنه صاحب المدارك بعد نقله، و علّله بقوله: «اذ لا خلاف في فوات وقت الانشاء بعدم التمكن من ادراك المشعر قبل زوال يوم النحر، كما انه لا خلاف في وقوع بعض افعال الحج، كالطوافين و السعي و الرمي في ذي الحجة بأسره، و قد ظهر من ذلك ان هذا الاختلاف لا يترتب عليه حكم، و ان النزاع في هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ، و هو اشهر الحج، و الظاهر اطلاقها على مجموع الثلاثة حقيقة، لانها اقل الجمع».
و قال في الجواهر: «الظاهر لفظية الاختلاف في ذلك، كما اعترف به غيرواحد، للاتفاق على ان الاحرام بالحج لا يتأتي بعد العاشر من ذي الحجّة و كذا عمرة التمتع، و على اجزاء الهدى و بدل الهدى طول ذي الحجّة، و افعال ايام منىو لياليها... ».
و قال السيّد في العروة: «على ان الظاهر ان النزاع لفظي، فانه لا اشكال في جواز اتيان بعض الاعمال الى أخرذي الحجة، فيمكن ان يكون مرادهم: ان هذه الاوقات هي اخر الاوقات التي يمكن بها ادراك الحج».
(الصفحة 337)ثالثها: ان يكون الحج و العمرة في سنة واحدة فلو اتى بالعمرة في سنة و بالحج في الاخرى لم يصحّ و لم يجز عن حجّ التمتع، سواء اقام في مكّة الى العام القابل ام لا، و سواءاحلّ من احرام عمرته او بقي عليه الى العام القابل1 .
و يدلّ على لفظيّة النزاع: انه لم يعلم مستند سائر الاقوال غير القول الاوّل، الّذي يدل عليه ظاهر الكتاب، و جملة من الروايات. لكن لفظية النزاع انما تكون محدودة بالاضافة الى تمام ذي الحجة و بعضه، و امّا بالاضافة الى البعض نفسه فمنشأه الاختلاف فيما يأتي من الاجزاء بالاضافة الى الوقوفين، بعد ثبوت الاختياري و الاضطراري لكل منهما و بعض الجهات الاخر.
ثمّ انه يدلّ على القول الاوّل، مضافا الى ظاهر قوله تعالى: «الحج اشهر معلومات... » (1)لان اقل الجمع الثلاثة، و ظاهرها الثلاثة الكاملة، روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: انّ الله تعالى يقول: «الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج» و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة(2).
و منها: رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: الحج اشهر معلومات، شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، ليس لاحد ان يحرم بالحج في سواهن.(3)
و منها: موثقة سماعة المتقدمة في الامر الاوّل.
و منها: غير ذلك من الروايات الدّالة عليه.
1 - و المراد بهذا الامر: ان يكونا في اشهر الحج من سنة واحدة. و عليه، فكما
- 1 ـ سورة البقرة آية 192.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي عشر ح ـ 1. و لا يخفى اتحادها مع الروايتين الاخيرتين له، و ان جعلها في الوسائل ثلاثا.
- 3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي عشر ح ـ 5 و لا يخفى أيضا اتحادها مع رواية اخرى له، و ان جعلهما فيها اثنتين.