(الصفحة 411)
احرمت و هي طاهر، ثم حاضت قبل ان تقضي متعتها: سعت و لم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها، و قد قضت عمرتها، و ان احرمت و هي حائض، لم تسع و لم تطف حتى تطهر.(1) و في الرضوي: إذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم الى قوله (عليه السلام): و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة، و ان حاضت بعد ما احرمت، سعت بين الصفا و المروة، و فرغت من المناسك كلّها الاّ الطواف بالبيت، فاذا طهرت قضت الطواف بالبيت، و هي متمتعة بالعمرة الى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء.
و قيل في توجيه الفرق بين الصورتين: ان في الصورة الاولى لم تدرك شيئا من افعال العمرة طاهرا، فعليها العدول الى الافراد بخلاف الصورة الثانية، فانها ادركت بعض افعالها طاهرا، فتبني عليها و تقضي الطواف بعد الحج، و عن المجلسي (قدس سره) في وجه الفرق ما محصله: ان في الصورة الاولى لا تقدر على نيّة العمرة، لانها تعلم انّها لا تطهر للطواف و ادراك الحج، بخلاف الصورة الثانية، فانها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية و الدخول فيها».
اقول: امّا دعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، فهي غريبة جدّا، لان كلتا الطائفتين واردتان في الحيض بعد الاحرام، و جعل التفصيل مقتضى الجمع، انما يكون مورده ما إذا كان كلا الدليلين المتقابلين مطلقين، فيجمع بينهما بحمل احدهما على صورة و الاخر على صورة اخرى، و امّا مثل المقام، مما ورد الدليلان المتعارضان في خصوص صورة واحدة، فلا مجال للجمع بينهما بهذا النحو.
و امّا خبر ابي بصير، فمضافا الى ضعف سنده، فهو ايضا لا يكون شاهدا للجمع،
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 5. و فيها بدل: و قد قضت عمرتها: و قد تمت متعتها.
(الصفحة 412)
بل هو من جملة الطائفة الدالة على عدم العدول، و مثله ما عن الفقه الرّضوي.
و أمّا القول الاوّل، في توجيه الفرق، فيرد عليه: ان عدم ادراكها في الصورة الاولى شيئا من افعال العمرة طاهرا، لا يستلزم العدول بعد عدم اشتراط الاحرام بالطهارة و صحة وقوعه من الحائض و شبهها، كما ان ادراكها في الصورة الثانية بعض الافعال طاهرا، لا يستلزم البناء على العمرة، بعد عدم صحة الطواف و صلاته منها، كما لا يخفى.
و أمّا ما عن المجلسي (قدس سره)فيرد عليه: منع عدم القدرة على نيّة العمرة، في الصورة الاولى، لانه يحتمل ان تكون الوظيفة من الاوّل نيّة العمرة و اتمامها بدون الطواف، و قضائه بعد مناسك منى، كما ان وقوع نية العمرة منها، في الصورة الثانية، لا يستلزم امكان اتمامها و صحته مع عدم امكان وقوع الطواف و صلاته منها، فهذا القول مما لا سبيل اليه اصلا.
و امّا القول الخامس: و هي الاستنابة في الطواف و صلاته مطلقا، سواء كان حائضا حال الاحرام او طاهرا، و عرض الحيض بعده: فلم يدل عليه دليل، لكنه يمكن توجيهه بان تعارض الروايات في المقام يوجب تساقطها و خروجها عن الحجيّة رأسا، و حينئذ، فمقتضى كون الوظيفة عمرة التمتع و الطواف قابل للاستنابة، مع عدم امكان صدوره ممّن هو وظيفته، و لذا تستنيب الحائض بعد مناسك منى إذا ضاق الوقت عن الطهر و الاتيان به، لاجل عود الرفقة و عدم امكان البقاء في مكّة لها، هي الاستنابة في عمرة التمتع ايضا.
و يرد عليه: انه لا مجال لدعوى تساقط النصوص و الروايات الواردة في المقام، بل اللازم الاخذ بما يدل على العدول، لما يأتي ان شاء الله تعالى و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: ان الروايات الواردة في المقام على اربعة اقسام:
القسم الاوّل: ما يدل على العدول الى حج الافراد مطلقا، من دون فرق بين
(الصفحة 413)
صورتي الاحرام حال الحيض و الحيض بعد الاحرام، كصحيحة جميل بن دراج المتقدمة.
الثاني: ما ورد في الحيض بعد الاحرام، و يدلّ على العدول الى حجّ الافراد، كموثقة اسحق بن عمار و صحيحة ابن بزيع المتقدمتين.
الثالث: ما ورد في هذه الصورة، و يدل على اتمام العمرة و قضاء طوافها بعد مناسك منى، كرواية عجلان ابي صالح و غيرها.
الرّابع: ما يدل على التفصيل بين الصورتين، و العدول في الحيض حال الاحرام و الاتمام في الحيض بعده، كخبر ابي بصير.
و امّا ما ورد في قصة اسماء بنت عميس، فقد عرفت عدم ارتباطه بالمقام، لان الكلام فيمن وظيفته حج التمتع، و قد كانت مشروعيته في حجة الوداع بعد قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) مكّة المكرمة، فلم يكن في البين عدول عن التمتع الى غيره، كما هو واضح.
ثم ان خبر ابي بصير، مضافا الى ضعف سنده، يكون صدره مطابقا للقسم الاول و ذيله مطابقا للقسم الثالث، و قد عرفت: انه لا يكون شاهدا للجمع بوجه.
و عليه، فالعمدة في المقام ملاحظة القسمين المتوسطين، و لا مجال للجمع الدّلالي بينهما بالتخيير او غيره، بعد كون عنوان الاختلاف و التعارض الواقع في موضوع الاخبار العلاجية يكون كسائر العناوين الواقعة في ألسنة الادلة الشرعية، التي يجب الرجوع فيها الى العرف و استفهام مفادها منه، و من الواضح ثبوت التعارض بين هذين القسمين عند العرف، ضرورة ثبوت الاختلاف بين ما يدل على لزوم العدول و بين ما يدل على لزوم اتمام العمرة، بالنحو الذي ذكرنا.
و حينئذ، ان قلنا بما تقدم، من: انّ تعرض صحيحة ابن بزيع المتأخرة عن رواية عجلان لنفيها، و التصريح بعدم كونها الحكم الواقعي، امّا لعدم الصدور و امّا لكون صدورها لغرض اخر غير بيان الحكم الواقعي، يخرج الروايتين عن
(الصفحة 414)
عنوان المتعارضين الواقع موضوعا للاخبار العلاجية، بل الرواية المتأخرة ـ النافية للرواية المتقدمة ـ هي المعتبرة فقط، شبيه الدليل الحاكم، فاللاّزم الاخذ بما يدلّ على العدول، المعبّر عنه في نفس الرواية بذهاب المتعة.
و ان لم نقل بذلك، بل قلنا بثبوت التعارض، و كون المورد من موارد الاخبار العلاجية، فمقتضى كون اوّل المرجحات، هي الشهرة الفتوائية على ما استظهرناه، من مقبولة ابن حنظلة المعروفة، الاخذ بما يدل على العدول ايضا، لان المشهور شهرة عظيمة، كما عرفت من الجواهر، هو العدول بنحو الاطلاق.
و حينئذ فالحقّ مع المشهور، كما في المتن و العروة.
«تتمة»
قد وقع التعرض في العروة لفرع لم يتعرض له الماتن (قدس سره)، و حيث انه من المسائل التي يكثر الابتلاء بها، ينبغي البحث فيه، فنقول: قال فيها: «إذا حدث الحيض و هي في اثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل اتمام اربعة اشواط بطل طوافها على الاقوى، و حينئذ فان كان الوقت موسّعا اتمّت عمرتها بعد الطهر، و الافتعدل الى حج الافراد و تأتي بعمرة مفردة بعده، و ان كان بعد تمام اربعة اشواط فتقطع الطواف، و بعد الطّهر تأتي بالثلاثة الاخرى، و تسعى و تقصر مع سعة الوقت، و مع ضيقه تأتي بالسعي و تقصر ثم تحرم للحج، و تأتي بافعاله، ثم تقضي بقية طوافها قبل طواف الحج او بعده، ثم تأتي ببقية اعمال الحج، و حجها صحيح تمتعا، و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته» و يظهر من الماتن (قدس سره)الموافقة له، حيث انه لم يخالف العروة في التعليقة عليها.
و التحقيق: ان لهذا الفرع صورا متعددة، لا بد من التعرض لكل واحدة منهامستقلا:
(الصفحة 415)
الاولى: ان يحدث الحيض قبل اتمام اربعة اشواط مع سعة الوقت للاستيناف و اتمام عمرة التمتع، و المشهور فيها البطلان، لكن المحكي عن الصّدوق: الصحة و جواز اتمام الطواف بعد الطهر و الاغتسال، لانه بعد ايراده رواية حريز عن محمد بن مسلم الآتية، الدالة على ذلك، قال: و بهذا الحديث افتى دون غيره، و عللّ بان فيه رخصة و رحمة، و اسناده متصل.
و قد استدل للمشهور بروايات:
منها: ما رواه الصدوق باسناده عن ابن مسكان عن ابراهيم بن اسحاق، عمّن سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت اربعة اشواط، و هي معتمرة ثم طمثت. قال: تمّ طوافها و ليس عليها غيره، و متعتها تامّة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة، لانّها زادت على النصف و قد قضت متعتها، فلتستأنف بعد الحج، و ان هي لم تطف الاّ ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج، فان اقام بها جمالها بعد الحج، فلتخرج الى الجعرانة او الى التنعيم فلتعتمر.(1) و رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابراهيم بن ابي اسحاق عن سعيد الاعرج، قال: سئل ابو عبد الله (عليه السلام) الى قوله: و لتستأنف بعد الحج.(2) و اورد على الطريق الاوّل بالارسال، و على الطريق الثاني بضعف محمد بن سنان، و على الطّريقين بتردد ابراهيم بين الضعيف و المجهول. و لكن الظاهر عدمورود الايراد بالارسال، لان ابراهيم انما ينقله عمّن سأله (عليه السلام) جزما، و من الظاهر وجود الفرق بين ان يروي عمن يقول: سألته (عليه السلام) و بين ان يروي عمّن سأله (عليه السلام)،
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح ـ 1.