(الصفحة 431)
به غير واحد من الاصحاب، بل هو المشهور».
و قد استدلّوا بما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن اسحاق بن عمّار عن ابي بصير، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع اراد ان يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فاذا كان يوم النّحر امرّ الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق.(1) و هي ضعيفة بمحمد بن سنان، و استناد المشهور الى الرواية الضعيفة، و ان كان جابرا لضعفها، الاّ انه فيما إذا كان مفاد الرواية موافقا للشهرة، و المقام ليس كذلك، فان الظاهر ان موردها صورة النسيان، و ثبوت الكفارة فيها مخالف للمشهور، بل ذكر في الجواهر، انه حكى الاجماع ممّن عدا الماتن: على عدم وجوب ذلك عليه.
و الظاهر ان مراده اطلاق عبارة الماتن لا التصريح بالتعميم، كما لا يخفى. و عليه، فالرواية لا جابر لضعفها بعد عدم ثبوت الشهرة على وفقها، بل ثبوتها على خلافها.
و بصحيحة جميل بن درّاج انه سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكّة. قال: ان كان جاهلا، فليس عليه شيء، و ان تعمّد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما، فليس عليه شيء، و ان تعمّد بعد الثلاثين يوما، التي يوفّر فيها الشعر للحج، فان عليه دما يهريقه.(2) و الرواية و ان كانت معتبرة من حيث السّند، الاّ ان الظاهر ان مورد السؤال هو المتمتع، الذي فرغ من عمرته و احلّ منها، بما يوجب الخروج من الاحرام، و هو التقصير بعد سائر الاعمال، فالمراد هو الحلق بين العمرة و الحج، و يؤيّده التقييد بقوله: بمكّة. مع ان الجواب المشتمل على التفصيل في صورة العمد ظاهر في ان الحكم بثبوت الدم انّما هو
- 1 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الرابع ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الرابع ح ـ 5.
(الصفحة 432)
بلحاظ ترك توفير الشعر في المدة المذكورة، الذي يكون مستحبا عند الاصحابو واجبا عند الشيخين، بل ذكر في الجواهر: ان المحكي عن المفيد (قدس سره) التصريح بوجوب الدّم فيه. و كيف كان، فالرواية لا ترتبط بالمقام، فلا وجه للحكم بوجوب الدم فيما هو محلّ الكلام، و ان كان هو مقتضى الاحتياط، حتى في صورة السهو، التي هي مشمولة للاطلاق.
ثانيتهما: في حكم ترك التقصير في عمرة التمتع: فاعلم: انه قد يتحقق الترك سهوا، و يهلّ بالحج مع عدمه، و قد يتحقق عمدا و عن التفات:
امّا الصورة الاولى: فالكلام، تارة: في صحة المتعة و بطلانها، و اخرى في ثبوت الكفارة و عدمه، امّا من الجهة الاولى: فقد نفى وجدان الخلاف في الصحة، في الجواهر، و يدل عليه روايات متعددة:
منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت ابا ابراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة الى الحجّ، فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و احلّ، و نسى ان يقصّر، حتى خرج الى عرفات. قال: لا بأس به يبني على العمرةو طوافها، و طواف الحج على اثره.(1)
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل اهلّ بالعمرة و نسى ان يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر الله، و لا شيء عليه، و قد تمّت عمرته.(2)
و منها: صحيحة اسحاق بن عمار، قال: قلت لابي ابراهيم (عليه السلام): الرجل يتمتّع فينسى ان يقصّر حتى يهلّ بالحج فقال: عليه دم يهريقه.(3) و الاقتصار على الحكم
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 6.
(الصفحة 433)
بثبوت الكفارة في هذه الرواية يدل على صحة المتعة و تماميتها، فلا اشكال من هذه الجهة.
و امّا من الجهة الثانية: فموضع خلاف، فالمحكي عن سلار و ابن ادريسو القواعد: عدم ثبوت الكفارة بوجه، لكن عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة: الثبوت، و العمل على طبق الرواية الاخيرة، و لكن قال في الوسائل بعد نقلها: حمله جماعة من الاصحاب على الاستحباب، لما سبق ـ يعني صحيحة معاوية بن عمّار ـ و لما يأتي، من: ان الناسي في غير الصيد ليس عليه كفارة.
أقول: ان كان المراد من قوله (عليه السلام): لا شيء عليه، هو نفي العقاب، بقرينة المسبوقية بلزوم لاستغفار. فالصحيحة الدالة على الكفارة لا معارض لها اصلا، و ان كان المراد هو الاعم من العقاب الاخروي و الدنيوي، الذي هو الكفارة، فغايته الدلالة بنحو العموم، و الصحيحة الدالة على الكفارة مخصصة لها، و لا تعارض بين العام و الخاص بوجه، و لا وجه للحمل على الاستحباب بعد كون التعبير بكلمة «على» التي لا تلائم الاستحباب اصلا، فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بثبوت الكفارة.
و امّا الصورة الثانية: فالمنسوب في محكي الدروس الى المشهور: بطلان متعتهو صيرورة حجته مبتولة، نظرا الى دلالة بعض الروايات عليه، و ان كان ذلك على خلاف القاعدة، كما تأتي الاشارة اليه، و هي صحيحة ابي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبىّ بالحج قبل ان يقصّر، فليس له ان يقصّر، و ليس عليه متعة.(1) و ظاهرها ان موردها صورة العمد.
و رواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم اهلّ بالحج
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 5.
(الصفحة 434)
قبل ان يقصّر. قال: بطلت متعته، هي حجّة مبتولة.(1) لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان.
لكن المحكي عن ابن ادريس: بطلان الحج، لانه لم يتحلّل من عمرته، و الاجماع قائم على عدم جواز ادخال الحج على العمرة قبل اتمام مناسكها، التي من جملتها التقصير، فهو حج منهى عنه، و يكون فاسدا، خصوصا مع انه نوى التمتع به دون الافراد.
و لازم كلامه: انه إذا كان في سعة الوقت يجب عليه التقصير، ليخرج من احرام العمرة ثم يهلّ للحج ثانيا، و إذا كان في الضيق، بحيث لا يدرك الوقوف مع الاحرام للحج بعد التقصير، تكون عمرته باطلة، لعدم امكان وقوعها بعنوان عمرة التمتع، بعد لزوم كون عمرته و حجّه واقعين في عام واحد، فترك التقصير عمدا يوجب البطلان في هذه الصورة.
لكن كلامه مبني على القاعدة، و لا يبقى لها مجال بعد دلالة الرواية الصحيحة على خلافها، خصوصا مع فتوى المشهور على طبقها، و لا اعتراض على ابن ادريس على مبناه، و هو عدم حجية خبر الواحد و لو كان صحيحا، انما الاعتراض على من وافقه في المقام مع مخالفته له في المبنى، كالعلامة و الشهيد على ما حكى عنهما.
ثم انّ الظاهر ان صيرورة حجته مبتولة ـ اي مفردة ـ انّما ترجع الى صحة حجّهو عدم بطلانه، و امّا كفايته عن التمتع إذا كان واجبا عليه، فلا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة العدم، كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع، و وجوبه في العمرة المفردة: و قد
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 4.
(الصفحة 435)
مرّ البحث في الاوّل في ذيل صورة حج التمتع بنحو الاجمال، و اللازم هنا البحث في الثاني، فنقول: المشهور بين الاصحاب هو الوجوب، و حكي عن ظاهر العماني الخلاف. و يدل على الوجوب روايات متعددة:
منها: صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب ابو القاسم مخلّد بن موسى الرّازي الى الرّجل يسأله عن العمرة المبتولة: هل على صاحبها طواف النّساء، و العمرة التي يتمتع بها الى الحج؟ فكتب: امّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّا التي يتمتع بها الى الحج، فليس على صاحبها طواف النساء.(1)
و منها: ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن عمر او غيره، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف اخر.(2) و ظاهر ان المراد بالطواف الاخر هو طواف النساء، كما ان الظاهر من اطلاق «المعتمر» هو من يريد العمرة المفردة، مع ان قوله: يحلق. ايضا قرينة عليه لتعين التقصير في عمرة التمتع، لكن الاشكال في سند الرّواية.
و منها: رواية ابراهيم بن ابي البلاد الصحيحة، التي نقلها في الوسائل عن الشيخ (قدس سره) بنحو الاختصار، و لكن الموجود في التهذيب، كما حكاه في حاشية الوسائل ـ المطبوعة طباعة حديثة ـ هكذا: قال: قلت لابراهيم بن عبد الحميد ـ و قدهيّأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها الى ابي الحسن موسى (عليه السلام)ادخل لي في هذه المسألة و لا تسمني له، سله عن العمرة المفردة، على صاحبها طواف النساء؟ فقال: فجاءه الجواب في المسائل كلها، غيرها، فقلت له: اعدها في مسائل اخر، فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي، فقلت لابراهيم بن عبد الحميد:
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 2.