(الصفحة 445)
و يمكن ان يجاب عن هذا الاشكال: بان التأخير عن مسجد الشجرة، لعلّه كان لاجل ضرورة اقتضت جواز التأخير، كما ان العادة قاضية بوجودها في العمرة الاولى، مع عدم وضوح ما ينتهي اليه حال المسلمين في تلك العمرة.
و امّا من الجهة الرابعة: التي هي العمدة في المقام: فلا شبهة في دلالة الرواية على انه (صلى الله عليه وآله) اعتمر في العمرة الاخيرة و احرم من الجعرانة، مع انه ادني الحلّ، و ميقات اهل الطائف هو قرن المنازل، فعدم احرامه من ميقاتهم و احرامه من ادنى الحلّ دليل على جواز الاحرام من ادنى الحلّ للعمرة المفردة، و عدم لزوم الاحرام من المواقيت المعروفة، مع عدم كونه مسبوقا بحج القران او الافراد و عدم كون الخروج من مكة بقصد الاعتمار، بل كما عرفت: كان الخروج لاجل غزوة حنين. انما الاشكال في انه هل يمكن ان يستفاد منه الجواز من ادنى الحلّ للنائي، الذي كان خروجه عن وطنه بقصد الاعتمار و العمرة المفردة، كالايرانيين الذين يدخلون جدّة اوّلا، فيجوز لهم الاحرام من الحديبية، او ان المستفاد منه الجواز لخصوص من بدى له العمرة في الاثناء، فلا يجوز لمثلهم الاحرام منها، بل لا بد من الاحرام من مسجد الشجرة او الجحفة، كما في عمرة التمتع؟ الظاهر هو الاوّل، فانه لا يفهم العرف منه الاختصاص بوجه.
و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا في ميقات العمرة المفردة: انّ المعتمر بها على اقسام: 1 ـ من كان قاصدا للاتيان بها بعد حج القران او الافراد، و لا شبهة في ان وظيفته الخروج الى ادنى الحلّ، بل في محكي كشف اللثام: لا نعلم في ذلك خلافا. بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه، و يدلّ عليه: ما ورد في قصّة حج عائشة، و انه امرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالخروج الى التنعيم لاحرام العمرة المفردة، و ذكروا: انه يستحب ان يكون من الجعرانة او من الحديبية او من التنعيم، و عن التذكرة:
(الصفحة 446)
ينبغي الاحرام من الجعرانة، فمن فاتته فمن التنعيم، فمن فاته فمن الحديبية، و لكن ذكر في الجواهر: ان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا تخلو من اشكال.
و الظاهر انه في هذه الصورة يجوز له الخروج الى احد المواقيت، بل لعلّه افضل، لطول المسافة و الزّمان. و عليه، فادنى الحل رخصة لا عزيمة.
2 ـ من كان قاصدا للاتيان بها، و كان في مكّة، و لم يكن هناك حجّ القران او الافراد، كما إذا اراد المكيّ الاتيان بالعمرة الرجبيّة ـ مثلا ـ و الظاهر انه مثل الصورة السّابقة في لزوم الخروج الى ادنى الحلّ، و عدم جواز الاحرام لها من مكة او الحرم. نعم، ربما يتوهم دلالة صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة على عدم لزوم الخروج الى ادنى الحل، حيث انه قال ابو عبد الله (عليه السلام) فيها: من اراد ان يخرج من مكّة ليعتمر، احرم من الجعرانة او الحديبية او ما اشبهها (اشبههما)(1). نظرا الى ان المستفاد منها ان المكي ان اراد الخروج من مكة لأن يعتمر يحرم من ادنى الحلّ، فاذا لم يرد الخروج من مكة فلا يلزم الاعتمار من ادنى الحلّ، بل يكفي الاحرام من مكة.
و لكن الظاهر بطلان هذا التوهم، و ان المتفاهم العرفي من الصحيحة انّ المعلق على الارادة انّما هو نفس الاعتمار، و امّا مع ارادته فلا بد من الخروج من مكة و الاحرام من ادنى الحلّ، و لا يستفاد منها امكان تحقق الاعتمار، سواء ارادالخروج من مكة ام لم يرد، فتأمل.
3 ـ النائي الذي يكون في طريقه الى مكّة: احد المواقيت او ما بحكمها، كالمدني الذي اراد العمرة الرجبيّة ـ مثلا ـ، و لا شبهة في ان وظيفته الاحرام من المواقيت
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة 447)
المعروفة، و في عدم جواز التأخير عنها الى ادنى الحلّ. و في الروايات المشتملة على عمر النبي (صلى الله عليه وآله): انه احرم للعمرة المفردة في عمرة القضاء من الجحفة، و دلالتها على لزوم كون احرامها من الميقات ظاهرة، و ان كان هناك اشكال في التأخير عن مسجد الشجرة، ذكرناه مع ما يمكن ان يقال في توجيهه. و كيف كان، فلا ريب في ان الحكم في هذه الصورة هو الاحرام من تلك المواقيت. نعم، هنا كلام في انه إذا ترك الاحرام منها عمدا، هل يجوز له الاحرام من ادنى الحلّ، كما صرّح به السيد (قدس سره) في العروة ام لا؟ و لكنه لا ينافي كون الوظيفة الاوّلية هو الاحرام من احد المواقيت.
4 ـ من كان منزله واقعا بين الميقات و بين مكّة: و الظاهر ان مقتضى اطلاق ما ورد، من: ان ميقات مثله دويرة اهله، عدم الفرق بين الحج و العمرة في ذلك.
و عليه، فيعتمر للعمرة المفردة من منزله، كما في الحجّ.
5 ـ النائي الذي لا يكون في طريقه الى مكّة شيء من المواقيت المعروفة، و هو تارة يكون قاصدا من اوّل الامر للعمرة المفردة من سفره الى مكّة، و اخرى لا يكون كذلك، بل يبدو له ان يعتمر بعد ما لم يكن غرضه من الدخول اليها العمرة المفردة: لا شبهة في ان الحكم بمقتضى ما دلّ على ان النبيّ (صلى الله عليه وآله)احرم حين ما رجع من غزوة حنين، من الجعّرانة، و لم يرجع الى ميقات قرن المنازل، الذي هو ميقات اهل الطائف: عدم لزوم الرجوع الى الميقات، و جواز الاحرام من ادنى الحلّ في الصورة الثانية. و امّا الصّورة الاولى، كالايرانيين الذين يسافرون بواسطة الطائرات و يدخلون جدّة، و لا يكون في طريقهم شيء من المواقيت: فالظاهر ان المستفاد ممّا ورد في احرامه (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة، انه لا خصوصية للصورة المزبورة، بل الحكم عامّ لمن لا يكون في طريقه ميقات، كما اشرنا اليه انفا. و عليه، فيتمّ مافي المتن، من: ان احرام العمرة المفردة ادنى الحلّ. نعم، قد عرفت: ان
(الصفحة 448)
السيد (قدس سره) مع تصريحه بالتعميم، ذكر في المسألة السادسة ما ينافي ذلك، فراجع.
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث العمرة، و به يتمّ الجزء الثاني من كتاب الحج، من شرح تحرير الوسيلة للامام الخميني (قدس سره) . و قد وقع الفراغ منه ليلة الاثنين 22 ذي القعدة الحرام 1412، و انا العبد الضعيف المفتاق الى رحمة الرب الغني، محمد الموحدي اللنكراني، الشهير بالفاضل، ابن العلامة الفقيه الفقيد اية الله الشيخ فاضل اللنكراني، تغمده الله بغفرانه و اسكنه بحبوحات جناته. راجيا من القراء الكرام ان يستغفروا له و لوالدتي العلويّة المرحومة، و يدعوا لي بحسن العاقبة، و كونها محمودة حسنة سليمة، و السلام على جميع اخواننا المؤمنين و عباد الله الصالحين، سيّما الفضلاء و المشتغلين، و رحمة الله و بركاته.
require("baknext.php");
?>