(الصفحة 54)
ثم انه قد جمع بين الموثقين بوجوه اخرى:
منها: حمل موثقة عمار، الظاهرة في وجوب الايصاء و عدم الاجزاء عن المنوب عنه، على الاستحباب، و ان كانت الجملة خبرية و دلالتها على الوجوب اظهر من دلالة مثل هيئة افعل. وجه الحمل: صراحة موثقة اسحق في الاجزاء و عدم وجوب الايصاء، فيحمل الظاهر على النّص. ذكره السّيد ـ في العروة ـ و يبعدّه، مضافا الى ما ذكر، من: ان الجملة الخبرية اظهر في الدلالة على الوجوب من هيئة افعل، ان تكرار الجملة المزبورة تارة بصيغة المضارع، و اخرى بصيغة الماضي، يمنع عن الحمل المذكور و لا يلائمه.
و منها: انه لا منافاة بين الموثقين، لان احديهما تدل على الاجزاء عن المنوب عنه، و الاخرى على وجوب الايضاء على النائب، و لا منافاة بين الامرين، فان الاجزاء عن المنوب عنه انّما يكون مرتبطا به و راجعا اليه، و معناه فراغ ذمته عن الحج بعد الاشتغال به، و وجوب الايصاء امر يرتبط بالنائب و يكون وظيفة له، و لا ينافي الاجزاء فهو نظير ما إذا اتى النائب بالحج و لكنّه اتى بشيء يوجب فسادهو لزوم الاتيان به في العام القابل، فمات قبل العام الثاني، فانه يجب على ورثة النائب القضاء عنه في ذلك العام.
و يدفعه: ان وجوب الاتيان بالحج على النائب في العالم القابل انّما هو لأجل افساده له في العام الاوّل، و امّا في المقام فلا مجال لوجوب الايصاء على النائب بعد تحقق الاجزاء بالنسبة الى المنوب عنه، كما هو المفروض، و احتمال كون الوجه في الاجزاء هو انتقال اشتغال ذمّة المنوب عنه الى النائب بمجرد حدوث امارات الموت و شواهده، مما لا سبيل اليه اصلا. فهذا الوجه ايضا غير تامّ.
و منها: ان مورد موثّقة عمّار مطلق يشمل النيابة بالاجرة و النيابة بالتبرع، و مورد موثقة اسحاق خصوص النيابة بالاجرة، فيحمل المطلق على المقيد، و يقال
(الصفحة 55)
بالتفصيل بين صورتي النيابة.
و يدفعه: ان لازم التفصيل المزبور الالتزام بالاجزاء فيما إذا كانت النيابة بالاجرة، و بوجوب الايصاء إذا كانت النيابة بالتبرع، مع انه على فرض التفصيل يكون مقتضي القاعدة عكس ذلك، فانه إذا كانت النيابة بالاجرة موجبة للاجزاء في صورة الموت، مع فرض اخذ الاجرة، ففيما إذا كانت تبرعية يكون الاجزاء و عدم وجوب الايصاء بطريق اولى نعم، لو كان مقتضى التفصيل العكس، لكان للالتزام به وجه، كما لا يخفى.
و الحقّ في المقام، ان يقال: انه لو كان للاجماع المدّعى في صورتي المسألة: احدهما: الاجماع على الاجزاء، فيما إذامات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم. و ثانيهما: الاجماع على عدم الاجزاء، فيما إذا مات قبل الاحرام و قبل دخول الحرم اصالة، و لم يكن مستندا الى الرواية، لا مانع من طرح الرّوايتين، لتعارضهما و عدم امكان الجمع بينهما، لما عرفت، من: عدم تمامية شيء من وجوه الجمع و الرجوع في الفرض الثالث، و هو الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، الى القاعدة التي مقتضاها عدم الاجزاء لعدم تحقق الحج من النائب، خلافا لما عن الشيخ و ابن ادريس و بعض اخر، من القول بالاجزاء في هذه الصورة ايضا.
و امّا إذا لم يكن للاجماع اصالة، كما هو الظاهر، فاللازم الاخذ بكلتا الموثقتين، بالاضافة الى القدر المتيقن من كل منهما، فان القدر المتيقن من دليل الاجزاء هو الموت بعد الاحرام و دخول الحرم، و من دليل عدم الاجزاء هو الموت قبل الاحرام و قبل دخول الحرم، و الرجوع في مورد الشك من كل منهما، و هي الصورة الثالثة المذكورة، الى القاعدة، و هي تقتضي عدم الاجزاء كما عرفت. و مما ذكرنا يظهر الوجه في الحكم الماتن ـ قدس سرّه الشريف ـ بعدم الاجزاء في هذه الصّورة.
(الصفحة 56)مسألة 5 ـ لو مات الاجير بعد الاحرام و دخول الحرم، يستحقّ تمام الاجرة ان كان اجيرا على تفريغ الذّمة، كيف كان، و بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال إذا كان اجيرا على نفس الاعمال المخصوصة، و لم تكن المقدمات داخلة في الاجارة، و لم يستحقّ شيئا حينئذ إذا مات قبل الاحرام، و امّا الاحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه، و الذهاب الى مكّة بعد الاحرام و الى منى و عرفات غير داخل فيه و لا يستحقّ به شيئا، و لو كان المشي و المقدمات داخلا في الاجارة فيستحق بالنسبة اليه مطلقا و لو كان مطلوبا من باب المقدّمة، هذا مع التصريح بكيفيّة الاجارة، و مع الاطلاق كذلك ايضا، كما انه معه يستحقّ تمام الاجرة لو اتى بالمصداق الصحيح العرفي و لو كان فيه نقض ممّا لا يضرّ بالاسم، نعم، لو كان النقض شيئا يجب قضائه، فالظاهر انه عليه لا على المستأجر1 .
ثمّ ان شمول الحكم بالاجزاء لصورة التبرع بالنيابة مع كون اصل الحكم على خلاف القاعدة، محلّ اشكال، سواء كان المستند هو الاجماع او موثقة اسحق، لان القدر المتيقّن من الاجماع و مورد الموثقة هي النيابة بالاجرة، و لا دليل على الشمول لغيرها، و ما ذكرناه من الاولوية انّما هو بالاضافة الى عدم وجوب الايصاء لا بالنسبة الى اصل الاجزاء. فتدبّر.
و كذا شمول الحكم لغير حجة الاسلام لا يخلو عن الاشكال، و ان كان يمكن الاستناد له باطلاق قوله في الموثقة: فيوصي بحجّة. الاّ ان الظاهر انصرافها الى حجة الاسلام، و يويده الاختصاص بها في الحاجّ عن نفسه، كما مرّ بحثه.
1 - هذه المسألة ناظرة الى صورة استحقاق النائب الذي عرض له الموت للاجرة ـ كلاّ او بعضا ـ و عدمه، كما ان المسألة السابقة كانت متعرضة لصور الاجزاء عن المنوب عنه و عدمه، و لا بد في المقام قبل التعرض لبيان احكام الصورمن بيان: انّ متعلق الاجارة في النيابة في الحج يتصور فيه صور:
احداها: ان يكون المتعلق هو تفريغ ذمة المنوب عنه و رفع اشتغالها، و لا مجال للاشكال في صحّة هذا النحو من الاجارة بعد كون المتعلق مقدورا للنائب و لوبالواسطة، كما ادا كان المتعلق هو التطهير و نحوه من الافعال التوليديّة.
(الصفحة 57)
ثانيتها: ان يكون المتعلق خصوص اعمال الحج و مناسكه، بحيث كانت المقدمات خارجة عن الاجارة غير داخلة فيها اصلا، و لم يكن عنوان التفريغ مأخوذا في المتعلق، بل كان عبارة عن مجرد الاعمال و المناسك المخصوصية.
ثالثتها: ان يكون المتعلق الاعمال و المناسك بضميمة المقدمات، بحيث كانت المقدمات داخلة في المتعلق، و دخولها فيه، تارة: بنحو الجزئية، بان تكون المقدمات جزء للمتعلّق، كجزئية الاعمال و المناسك، و لم يكن بينهما فرق من جهة الاجارة، و ان كان بينهما الفرق فيما يرتبط الى المطلوبية الشرعية، حيث ان الاعمال و المناسك مطلوبة نفسية و المقدمات غيريّة، على تقدير وجوب المقدمة، و اخرى: بنحو المقدمية، كاصل المطلوبيّة. و عليه، يكون دخولها في المتعلق انّما هو بالتبع لا في عرض الاعمال و المناسك.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: انه لو كان النائب اجيرا على تفريغ ذمّة المنوب عنهو مات بعد الاحرام و دخول الحرم، يستحّق تمام الاجرة، لتحقق متعلق الاجارة، و هو التفريغ لما عرفت، من: تحقّق الاجزاء، و ثبوته في هذه الصورة بلا شبهة، فيستحق تمام الاجرة كذلك. و لو كان النائب في هذا الفرض اجيرا على نفس الاعمال و المناسك دون عنوان التفريغ، فالظاهر بمقتضى القاعدة، كما في المتن و غيره، استحقاق الاجرة بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال، بمعنى توزيعها على الاعمال، و استحقاقه ما يقابل ما اتى به، و لكن في محكّى المسالك: «مقتضى الاصل ان لا يستحقّ الا بالنسبة، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب و براءة ذمة الاجير، و اتفق الاصحاب على استحقاقه جميع الاجرة، فهذا الحكم ثبت على خلاف الاصل».
و في محكي كشف اللثام: «لا يستعاد من تركته ـ يعني النائب ـ شيء، بلا خلاف عندنا، على ما في الغنية، و في الخلاف اجماع الاصحاب على انه
(الصفحة 58)
منصوص لا يختلفون فيه، و في المعتبرانه المشهور بينهم. فان ثبت عليه اجماع او نص و الاّ اتجهت استعادة ما بازاء الباقي».
أقول: امّا نصوص الاجزاء فلا دلالة لها الاّ على مجرد الاجزاء و حصول الفراغ للمنوب عنه، و هذا لا يستلزم استحقاق تمام الاجرة بعد كون المفروض: ان متعلق الاجارة ليس هو التفريغ، بل الاعمال و المناسك، بل ربما يحتمل عدم استحقاق شيء من الاجرة، لعدم تحقق متعلق الاجارة، الذي هو مجموع الاعمال و المناسك، فلا توزع الاجرة على الابعاض. و امّا الاجماع، فالظاهر عدم ثبوت الاطلاق له يشمل هذه الصورة، و القدر المتيقن منه ما إذا كان المتعلق هوالتفريغ، و ان صرح الحدائق بثبوت الاجماع في هذا الصورة ايضا، لكنه لا شاهد له.
ثمّ انه في هذين الفرضين ـ اي كون المتعلق هو التفريغ او مجرد الاعمالو المناسك و خروج المقدمات عن المتعلق مطلقا، لو فرض موت النائب قبل الاحرام و دخول الحرم لا يستحق من الاجرة شيئا. و الوجه فيه واضح، و امّالو فرض موت النائب بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، فالظاهر عدم استحقاق شيء من الاجرة ايضا، امّا على تقدير كون المتعلق هو التفريغ، فلعدم حصوله بعد عدم الاجزاء في هذا الفرض، كما اخترناه، و امّا على تقدير كون المتعلق هي الاعمال و المناسك، فمقتضي قوله (قدس سره)في المتن: و امّا الاحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه. وقوع شيء من الاجرة في مقابل مجرد الاحرام و ان لم يتحقق الدخول في الحرم بعده، لاطلاق العبارة و عدم اختصاصها بما إذاتحقق الدخول في الحرم ايضا، و لكنّه صرّح السيّد (قدس سره) في العروة بعدم استحقاق شيء، في هذه الصورة، مستدلا له بانه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا، بعد فرض عدم اجزائه، و ذكر في ذيل كلامه في مقام الجواب عما ذكره
|