( الصفحه 144 )
يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال : فقال : إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه . وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم . . .
أقول : امّا الروايات الواردة في الصائم فغاية مفادها انّ النهار إنّما يكون ابتدائه من أوّل طلوع الشمس دون طلوع الفجر والمدعى هو كون الطلوع ـ أي طلوع الشمس ـ آخر الليل وإن ما بين الطلوعين يكون من الليل ، ومن الواضح عدم نهوض هذه الروايات لإثبات المدّعى لأنّه يحتمل أن يكون ما بين الطلوعين خارجاً من الليل والنهار معاً وضعف الدليل الدالّ عليه على ما أفاده لا ينفي أصل الاحتمال ، بل غاية الأمر عدم إمكان إثباته بدليل وإلاّ فأصل الاحتمال باق بحاله . وبالجملة روايات الصوم لا تصلح لإثبات ما رامه كما هو ظاهر .
وامّا الصحيحة فقوله (عليه السلام) فيها : وهي وسط النهار وإن كان له ظهور في أنّ وقت صلاة الظهر وهو الزوال يكون وسط النهار بناء على تسليم ظهوره في كون المراد بالضمير هو وقت صلاة الظهر لا نفسها ضرورة انّ نفس الصلاة لا تكون وسط النهار ومن المحتمل إبقاء الضمير على حاله وانّ المراد من وسط النهار هو وسط صلاتين بالنهار كما تدلّ عليه الجمله الواقعة بعده ، وعليه فمفاد الجملتين واحد إلاّ انّه لا ينبغي الإشكال في تقدّم ظهور الجملة الواقعة بعده على ظهور هذه الجملة لما عرفت من كون النصّ أو الأظهر قرينة على التصرّف في الظاهر دون العكس ، وعليه فالمراد بوقوع صلاة الظهر وسط النهار هو وقوعها في الوسط التقريبي كما لايخفى .
الرابع : ما جعله مؤيّداً لمرامه من الروايتين :
( الصفحه 145 )
إحداهما : رواية عمر بن حنظلة انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال : لليل زوال كزوال الشمس ، قال : فبأي شيء نعرفه؟ قال : بالنجوم إذا انحدرت . نظراً إلى أنّه لابدّ من أن يراد بالنجوم النجوم التي تطلع في أوّل الليل وعند الغروب لأنّها إذا أخذت بالانحدار بعد صعودها وارتفاعها دلّ ذلك على انتصاف الليل لا محالة ، وامّا النجوم الطالعة قبل الغروب فلا يكون انحدارها قرينة على الانتصاف لانحدارها قبله ، كما انّ النجوم الطالعة بعد الغروب تنحدر بعد الانتصاف . ولابدّ من أن يراد بها أيضاً هي التي تدور في مدارات الشمس حيث إنّ لها مدارات مختلفة وإذا كان النجم موافقاً مع الشمس في مداراتها يكون انحداره كانحدارها علامة للانتصاف والزوال بخلاف صورة الاختلاف والوجه في كون الرواية مؤيّدة لا دليلاً هو ضعف السند بعمر بن حنظلة لعدم توثيقه في الرجال .
ثانيتهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : دلوك الشمس زوالها وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار . وهي أيضاً ضعيفة بأحمد بن عبدالله القروي وجهالة ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب فلا تكون الرواية إلاّ صالحة للتأييد .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ المحكي عن الشهيد انّه وثق عمر بن حنظلة في شرح الدراية وروى في الكافي والتهذيب حديثان دالاّن على صدقه وإن كان فيهما مناقشة ـ انّ الجواب عن السؤال الأوّل في الرواية الاُولى مضطرب لأنّ مرجع السؤال إلى مفروغية ثبوت الزوال لليل وإنّ محط نظر السائل هو طريق معرفته وانّه بأي شيء يمكن تشخيصه ، وعليه فالجواب بثبوت الزوال لليل كثبوته للشمس ممّا لا يكاد ينطبق عليه . وامّا حمل النجوم في الجواب الثاني على ما كانت
( الصفحه 146 )
فيه الخصوصيتان المذكورتان فمضافاً إلى أنّه لا شاهد لهذا التقييد انّ تشخيص النجوم الكذائية في غاية الإشكال فكيف يتيسّر تشخيص النجوم الطالعة عند الغروب الدائرة في مدارات الشمس ، وعليه فلابدّ امّا من حمل الرواية على بيان الوقت التقريبي خصوصاً مع كون منظور السائل هو تشخيص وقت صلاة الليل الداخل بالانتصاف كما لايخفى ، وامّا من إرجاعها إلى أهله وردّه إليهم لعدم وضوح مراده خصوصاً مع اضطراب الجواب عن السؤال الأوّل كما عرفت .
وامّا رواية أبي بصير فغاية مفادها انّ غسق الليل إنّما هو نصفه كما انّ زوال الشمس نصف النهار ، وامّا كون المناط في نصف الليل هو النصف من غروب الشمس إلى طلوعها فلا دلالة لها عليه أصلاً كما لا يخفى .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّه لا شاهد لهذا القول الذي يرجع إلى كون نصف الليل هي الساعة الثانية عشرة بعد زوال الشمس ، بل مقتضى الدليل هو ما ذهب إليه المشهور ، وذكر صاحب الجواهر : «انّه لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة انّ المنساق من إطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة ومواقف الحج والقسم بين الزوجات وأيّام الاعتكاف وجميع الأبواب انّ المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغرو ومنه إلى طلوعه بالثالث كما قد نصّ عليه غير واحد من الفقهاء والمفسّرين واللغويين فيما حكى عن بعضهم» ثمّ شرع في نقل أقوال جمع من المفسِّرين في الموارد المختلفة ثمّ استدلّ هو بآيات كثيرة مثل قوله تعالى : }سلام هي حتّى مطلع الفجر{ وقوله تعالى : }والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر{ وقوله تعالى : }قل أرأيتم ان آتيكم عذابه بياتاً أو نهاراً{ وقوله تعالى : }أيّاماً معدودات أو عدّة من أيّام اُخر{ وقوله تعالى : }أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم{ وقوله تعالى : }فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا
( الصفحه 147 )
رجعتم{ وقوله تعالى : }قم الليل إلاّ قليلا{ وقوله : }فالق الإصباح وجعل الليل سكناً{ وقوله تعالى : }وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم{ وغير ذلك من الآيات التي استدلّ بها وبين وجه دلالتها ثمّ ذكر انّ المجلسي في البحار قد جمع شطراً من النصوص الدالّة أو المشعرة بذلك وربّما يقرب إلى المائة من كتب متفرّقة كالكافي والتهذيب والفقيه وفقه الرضا و . . . .
ولا يخفى انّ بلوغ الرواية في الكثرة إلى مثل هذا الحدّ يغنينا عن ملاحظة السند وانّه معتبر أم لا وذلك لثبوت التواتر الإجمالي فيها ومرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها ولو واحداً وهو يكفي في مقام الاستدلال مع انّ استناد المشهور إليها وموافقتها للآيات الظاهرة في ذلك ممّا يجبر الضعف على تقديره فالمناقشة فيها من حيث السند لا مجال لها أصلاً .
كما انّ احتمال كون الاستعمال في الروايات البالغة ذلك الحدّ استعمالاً مجازياً مبنياً على المسامحة ورعاية العلاقة ممّا لا يعتنى به عند العقلاء ، وكيف يمكن حمل الاستعمال في مأة رواية على المجاز خصوصاً مع كون الاستعمال في معناه الحقيقي ـ على هذا الفرض ـ في غاية الندرة ، فالإنصاف انّ الاستدلال بالكتاب والسنّة خال عن المناقشة ولا بأس بإيراد بعض الروايات فنقول :
منها : ما رواه الصدوق باسناده عن يحيى بن أكثم القاضي انّه سأل أبا الحسن الأوّل عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنّما يجهر في صلاة الليل فقال : لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر قال : مع طلوع الفجر انّ الله تعالى يقول : }انّ قرآن الفجر
( الصفحه 148 )
كان مشهوداً{ يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرّتين تثبته ملائكة الليل وملائكة النهار .
ومثلها رواية زريق عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو قبل أن يستعرض وكان يقول : }وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهوداً{ ، انّ ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر فأنا أحبّ أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي وكان يصلّي المغرب عند سقوط القرص قبل أن تظهر النجوم .
وأورد على الأخيرتين بعض الأعلام بما حاصله : انّه من البعيد جدّاً بل يمتنع عادة الإتيان بصلاة الغداة حين طلوع الفجر ومقارناً له أي في الآن الأوّل منه لاختصاص العلم بأنّ الآن هو الآن الأوّل من الطلوع بالمعصومين (عليهم السلام) على انّ الصلاة تتوقّف على مقدّمات ولاسيما فيما إذا كانت جماعة ولا أقلّ من أن يؤذن ويقام لها وهي تستلزم تأخّر صلاة الفجر عن الآن الأوّل فكيف تشهدها ملائكة الليل ـ حينئذ ـ فلا مناص معه امّا من أن تتقدّم ملائكة النهار وامّا من أن تتأخّر ملائكة الليل حتّى تشهدها الطائتفان ولا ترجيح للثاني .
أقول : بطلان هذا الإيراد واضح فإنّه كيف يمكن مقايسة تأخّر الملائكة أي ملائكة الليل بدقائق لا تتجاوز عن مثل عشرة بتقد ملائكة النهار ساعة ونصف ساعة الذي هو زمان بين الطلوعين نوعاً كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه قد استدلّ بروايتين على كون ما بين الطلوعين لا من الليل والنهار :
إحداهما : رواية أبي هاشم الخادم قال : قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) : لِمَ جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال : لأنّ