( الصفحه 149 )
ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل الله لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة .
ثانيتهما : رواية عمر بن أبان الثقفي قال : سأل النصراني الشامي الباقر (عليه السلام) عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر (عليه السلام) : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : إذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : من ساعات الجنّة وفيها يفيق مرضانا ، فقال النصراني : أصبت .
أقول : مع انّ الروايتين لا تنافيان ما نحن بصدده من كون منتهى الليل طلوع الفجر ، بل تدلاّن عليه يرد عليهما مضافاً إلى ضعف السند انّ الرواية الاُولى مضطربة ومجملة لدلالتها على كون مجموع الفريضة والسنّة خمسين لا يزاد فيها ولا ينقص منها أمراً مسلماً لا ارتياب فيه مع انّها في مقام الحساب يبلغ عدد المجموع بلحاظ الركعة المجعولة للغسق زائداً على المذكور بواحدة وكون الواحدة بدلاً عن صلاة الوتر كما عرفت سابقاً لا يجتمع مع دلالتها على أنّها مجعولة للغسق الذي هي ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق مع أنّ جعل المجموع خمسة وعشرين ساعة غير معهود مع أنّ جعل ما بين الطلوعين ساعة من خمسة وعشرين لا يظهر وجهه لكونه ساعة ونصفاً من أربع وعشرين ساعة على ما هو المتداول فالرواية غير صالحة للاستدلال بها .
وامّا الرواية الثانية فيخطر بالبال انّ جواب الإمام (عليه السلام) فيها كان مطابقاً لما هو معتقد النصراني ولا يكون من موارد التقرير الذي يكون حجّة كما لا يخفى وكون ما بين الطلوعين من ساعات الجنّة بحيث يفيق فيه المرضى لا ينافي كونه من ساعات
( الصفحه 150 )
النهار واقعاً فتدبّر .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الظاهر كون ما بين الطلوعين من ساعات النهار وانّ الليل ينتهي بطلوع الفجر وانّ منتصفه قبل ساعة الثانية عشرة بعد الزوال بنصف ساعة وربع تقريباً .
الأمر الثاني : في وقت فريضة العشاء والكلام فيه يقع من جهتين أيضاً :
الجهة الاُولى : في ابتداء وقتها فنقول : لا خلاف بين الفقهاء من العامّة في أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق ، وإنّما اختلفوا في ماهية الشفق فذهب بعضهم كالشافعي ومالك إلى أنّه الحمرة فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء ، وبعضهم إلى أنّه هو البياض كأبي حنيفة .
وامّا علمائنا الإمامية فالمسألة محلّ خلاف بينهم فاختار جمع كثير منهم السيّد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس دخول وقتها بغيبوبة الشمس وغروبها وقد صار هذا القول من زمان العلاّمة (قدس سره) إلى هذه الأزمنة أمراً مسلّماً مقطوعاً به وذهب الشيخ في أكثر كتبه والمفيد وسلاّر والصدوق في النهاية إلى أنّ أوّل وقتها غيبوبة الشفق بمعنى الحمرة ، بل وصف هذا القول الشيخ في الخلاف بأنّه الأظهر من مذهب أصحابنا ومن رواياتهم وبالجملة فالمسألة مختلف فيها بينهم .
ومنشأ اتفاق العامة هو استمرار عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التفريق والإتيان بالعشاء بعد زوال الشفق مع أنّ التفريق والإتيان بالثانية في وقت واحد معيّن إنّما هو لمراعاة الفضيلة وكذا مراعاة المأمومين ليجتمعوا في وقت واحد ويدركوا فضيلة الجماعة وقد روى ابن عبّاس انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا علّة ولا وجه لطرح هذه الرواية من روايات ابن عبّاس بعد كونها واجدة لشرائط الحجّية .
( الصفحه 151 )
وامّا اختلاف علمائنا فمنشأه اختلاف الروايات الواردة في الباب وما يدلّ منها على جواز الإتيان بها قبل سقوط الشفق فكثيرة :
كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ ، قال : إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ انّ هذه قبل هذه ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ انّ هذه قبل هذه .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة .
ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل .
ورواية داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية اُخرى لعبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاّ انّ هذه قبل هذه .
ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء
( الصفحه 152 )
الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر وانّ وقت المغرب إلى ربع الليل فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق . . .
ورواية اُخرى لزرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة وإنّما فعل ذلك ليتسع الوقت على اُمّته .
ورواية ثالثة لزرارة قال : سألت أبا جعفر وأبا عبدالله (عليهما السلام) عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقالا : لا بأس به .
ورواية عبيد الله وعمران ابني علي الحلبيين قالا : كنّا نختصم في الطريق في الصلاة ، صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منّا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال : لا بأس بذلك ، قلنا : وأي شيء الشفق؟ فقال : الحمرة .
ورواية إسحاق البطيحي قال : رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثم ارتحل .
ورواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة ؟ قال : لا بأس . وغير ذلك من الروايات الدالّة على هذا المعنى .
وبإزائها روايات ظاهرة في توقّف دخول وقت العشاء الآخرة على سقوط الشفق وهي ثلاث . وربما يظهر للمتتبّع أكثر منها .
الاُولى : رواية عمران بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال : إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة ، فقال عبيدالله : أصلحك الله انّه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ الشفق إنّما هو
( الصفحه 153 )
الحمرة .
الثانية : رواية بكر بن محمد ـ المروية في قرب الاسناد ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن وقت صلاة المغرب فقال : إذا غاب القرص ، ثمّ سألته عن وقت العشاء الآخرة فقال : إذا غاب الشفق ، قال : وآية الشفق الحمرة ثم قال بيده هكذا أقول .
الثالثة : رواية اُخرى صحيحة لبكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله سائل عن وقت المغرب فقال : إنّ الله يقول في كتابه لإبراهيم }فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي{ وهذا أوّل الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل .
والجمع بين الطائفتين يحصل بأحد وجوه ثلاثة :
أحدها : حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة والطائفة الاُولى على بيان وقت الاجزاء بناء على أنّ اختلاف الوقتين الثابتين لكلّ صلاة إنّما هو بالفضيلة والاجزاء .
ثانيها : حمل هذه الطائفة على بيان الوقت للمختار والطائفة الاُولى على بيانه للمضطرّ بناء على أنّ اختلاف الوقتين المذكورين إنّما هو بذلك أي بالاختيارية والاضطرارية .
ثالثها : ما قوّاه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) من حمل هذه الطائفة على التقية لاتفاق العامّة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق كما عرفت واستبعد الوجهين الأوّلين نظراً إلى الروايات الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين سواء كان المراد بهما الاختياري والاضطراري أو الفضيلة والاجزاء لأنّ مقتضاها انّ هذا شأن جميع الصلوات بلا فرق بينهما مع أنّ لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة ، وأيّد الأخير بما رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أنّه قال : لولا انّ أشق على اُمّتي