( الصفحه 20 )
هي فريضة الظهر متعلّقة لأمر واحد ، غاية الأمر اختلاف الأمرين في الوجوب والاستحباب واختلاف العبادتين في كونها صلاة واحدة أو متعدّدة ، وامّا من جهة عدم تعدّد الأمر والعنوان الواحد المأمور به فلا اختلاف بينهما .
ويظهر من الجواهر خلاف ذلك ونسبه إلى العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) واستدلّ عليه بالأصل وتحقّق الفصل وهو يقتضي التعدّد وعدم وجوب إكمالها بالشروع فيها وكونها مشروعة لتكميل الفرائض فيكون لكلّ بعض منها قسط منه .
ويرد على التمسّك بالأصل ـ مضافاً إلى أنّه لا مجال له مع وجود الدليل الاجتهادي مطلقاً ـ موافقاً كان أم مخالفاً ـ وقد عرفت ظهور الروايات في كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد ـ انّ محلّ البحث في المقام هو ارتباط الأجزاء والصلوات المتعدّدة بعضها مع بعض والأصل الذي يتصوّر هو استصحاب عدم الارتباط بلحاظ انّه قبل تشريع النافلة لم يكن ارتباط بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فيستصحب العدم وينتج عدم الارتباط بعد تشريعها أيضاً وقد قرّرنا في محلّه انّه لا أصل لمثل هذه الاُصول التي كانت الحالة السابقة المتيقّنة منتفية بانتفاء الموضوع والحالة المشكوكة هي المنتفية بانتفاء المحمول ، بل الأصل الذي يمكن التمسّك به في المقام هي أصالة عدم استحباب الأقلّ من المجموع بعد وضوح كون المجموع مستحبّاً قطعاً بجميع أجزائه وأبعاضه ومنه يعلم الفرق بين المقام وبين مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين المعروفة فإنّه في تلك المسألة يكون تعلّق الأمر بالأكثر كتعلّقه بالأقلّ مشكوكاً فهذا الدليل غير تامّ .
وامّا تحقّق الفصل وجواز الإتيان بالمنافي بين كلّ ركعتين فهو يقتضي التعدّد بما انّها صلاة ولا بحث فيها ولكنّه لا يقتضي التعدّد بما انّها نافلة الظهر ـ مثلاً ـ وذلك كصلاة جعفر (عليه السلام) فإنّها مع تحقّق الفصل بين كلّ ركعتين لا تكون إلاّ عملاً واحداً
( الصفحه 21 )
مستحبّاً .
وامّا عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها فهو لا دلالة له على اتّصاف البعض المأتي بكونه منطبقاً عليه عنوان المأمور به لأنّه لا منافاة بين اعتبار الارتباط بين الأبعاض والحكم بعدم وجوب الإكمال وجواز رفع اليد عنه في الأثناء كما انّ النافلة المطلقة يجوز قطعها ـ بناء على الجواز ـ ولا يوجب اتصاف المأتي به بكونه صلاة مترتّباً عليها آثار الصلاة ومزاياها كما لا يخفى .
وامّا كونها مشروعة لتكميل الفرائض فهو أيضاً لا يقتضي جواز التقسيط بحيث كان كلّ قسط دخيلاً في التكميل مستقلاًّ وإلاّ لجاز الاقتصار على بعض صلاة واحدة كالركعة وما دونها أيضاً .
وامّا ما أفاده المحقّق الهمداني (قدس سره) في مطاوي كلماته من أنّ مغروسية كون الأبعاض في حدّ ذاتها بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلّة في النفس وكون كلّ منها في حدّ ذاتها مشتملة على مصلحة مقتضية للطلب وكون الاعداد الواقعة في حيّز الطلب غالباً عناوين إجمالية انتزاعية عن موضوعاتها توجب صرف الذهن إلى إرادة التكليف غير الارتباطي كما لو أمر المولى عبده بأن يعطي زيداً عشرين درهماً .
فيرد عليه انّ الأبعاض وإن كانت بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلّة إلاّ انّ العنوان المأمور به أخصّ من ذلك العنوان وقد عرفت ظهور الروايات في وحدة متعلّق الأمر فإنّ نافلة الظهر نافلة واحدة متعلّقة للأمر الاستحبابي لا نوافل متعدّدة ووقوع الاعداد في حيّز الطلب لا دلالة فيه على التكليف غير الارتباطي فإنّ الأقلّ والأكثر تارة يكون استقلالياً واُخرى يكون ارتباطياً ولا دلالة فيه على الأوّل .
( الصفحه 22 )
ثمّ إنّه أفاد المحقّق المزبور انّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين وفي نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار عليه ، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر لما في غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهو وركعتين قبل العصر فإنّ ظاهرها بشهادة السياق ان كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف قال : وبهذا ظهر انّه يجوز الإتيان بست ركعات أيضاً من نافلة العصر لقوله (عليه السلام) في موثقة سليمان بن خالد : صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر . . . فإنّ ظاهرها كون الست ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلّة ، وفي خبر عيسى بن عبدالله القمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلِّ ستّ ركعات . . . واستظهر بعد ذلك من رواية حسين بن علوان المتقدّمة المروية في قرب الاسناد جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضاً على أربع ركعات .
ويرد عليه انّ الروايات الدالّة على جواز التفريق في نافلة العصر وكذا المغرب لا دلالة لها على الاستقلال ولا منافاة بينها وبين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع فإنّ جواز التفريق الراجع إلى الإتيان بالمجموع في وقتين أمر والاستقلال الراجع إلى اتصاف كلّ صلاة بأنّها نافلة مستقلّة أمر آخر ، وعليه فلا معارض لظهور الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع في الارتباط وعدم الاستقلال من جهة الدليل على جواز التفريق .
وامّا الروايات الدالّة على أنّ نافلة العصر أقلّ من الثمان والمغرب أقلّ من الأربع
( الصفحه 23 )
فإن جمعنا بينها وبين الروايات الدالّة على الأكثر بالحمل على اختلاف مراتب الفضل والاستحباب فاللاّزم هو الالتزام بجواز الاقتصار على مفادها وانّه لا يجوز الاكتفاء بما دونه وعليه فيجوز التعميم بالإضافة إلى نافلة الزوال أيضاً وإن كانت الرواية الدالّة عليه ضعيفة السند لقاعدة التسامح في أدلّة السنن ومجرّد موافقتها لفتوى أبي حنيفة لا يوجب الحمل على التقية بعد ثبوت الجمع الدلالي على ما هو المفروض ووجود التسامح في مثله .
وإن جعلنا رواية البزنطي المتقدّمة رافعة للاختلاف ومعينة لما هو الحقّ بناء على أن يكون المراد من الاختلاف الذي وقع فيها السؤال عنه هو الاختلاف في الفتوى والنظر فلا يجوز الاقتصار لمن يريد الإتيان بالنوافل على الأقلّ لأنّ مرجعها إلى رفع اليد عن جميع الروايات الدالّة على الخلاف ، وامّا بناء على أن يكون المراد من الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقام العمل ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى استفسار حال الإمام (عليه السلام) وانّه في مقام العمل يأتي بأية مرتبة من المراتب فلا دلالة لرواية البزنطي على عدم اختلاف المراتب بل يقرّر ثبوته ولكن هذا الاحتمال بعيد وإن كانت الألفاظ الواقعة في السؤال تؤيّده لوضوح انّه بناء على اختلاف المراتب تكون المرتبة العالية هي المشتملة على الأكثر فلا يبقى مجال للسؤال حينئذ وإن كان يمكن أن يقال بأن السائل على هذا التقدير لا يكون عالماً بالمرتبة العالية من حيث العدد ، وبالجملة فهذا الاحتمال بعيد والظاهر هو الاحتمال الأوّل وثمرته عدم جواز التبعيض وثبوت الارتباط .
ثمّ إنّ مقتضى كلامه جواز الإتيان بنافلة الظهر ستّ ركعات أيضاً لخبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أنّ الرضا (عليه السلام) صلّى ستّاً من نافلة الظهر ثم أذّن ثمّ صلّى ركعتين . فإنّ الفصل بالأذان دليل على جواز الاقتصار على الست بناء على مبناه
( الصفحه 24 )
فتدبّر ، هذا كلّه في غير صلاة الليل .
وامّا صلاة الليل فمقتضى بعض الروايات انّها ثلاث عشرة ركعة بإدراج نافلة الفجر فيها أيضاً كرواية الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل .
ورواية اُخرى للحارث بن المغيرة في حديث قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر في السفر والحضر .
ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الليل ثمان والوتر ثلاث ونافلة الفجر ركعتان كرواية حنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان صلاة الليل وثلاثاً الوتر وركعتي الفجر . . . ورواية ابن أبي نصر البزنطي المشتملة على قول الرضا (عليه السلام)وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثاً وركعتي الفجر . ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات من آخر الليل . . . ثمّ الوتر ثلاث ركعات . . . ثم الركعتان اللّتان قبل الفجر ، وكذا الروايات المتعدّدة الواردة في الوتر الدالّة على أنّها ثلاث ركعات تفصل بينهن .
ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الوتر مركّبة من صلاتين إحداهما معنونة بعنوان الشفع والاُخرى بعنوان الوتر كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون ، المشتملة على أنّ الشفع والوتر ثلاث ركعات ، ورواية رجاء بن أبي الضحّاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع . . . فإذا سلّم قام وصلّى ركعة الوتر .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين المشتملة على