( الصفحه 25 )
قوله (عليه السلام) : والشفع ركعتان والوتر ركعة .
فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على نافلة الفجر لأنّها نافلة مستقلّة متعلّقة لأمر كذلك كما انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على الثمان صلاة الليل لأنّها معنونة بعنوان واحد متعلّق لأمر كذلك وكذا العكس فإنّه جيوز الاقتصار على صلاتي الشفع والوتر وترك صلاة الليل ، وامّا الاقتصار على خصوص الوتر الذي هي ركعة واحدة فإن كان في ضيق الوقت فلا إشكال فيه وإن لم يكن فيه فيمكن استفادة الجواز من رواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل .
وامّا التبعيض في الثمان صلاة الليل فالظاهر عدم جوازه لأنّ ظاهر الأدلّة كون المجموع عملاً واحداً وعبادة واحدة متعلّقة لأمر واحد فلا يجوز التبعيض فيه وإن كان يستفاد من الجواهر انّه لا مانع منه فيه كسائر النوافل المركّبة من صلوات متعدّدة هذا تمام الكلام في المسألة الاُولى .
المسألة الثانية : في نافلة العشاء المسمّاة بالوتيرة لكونها بدلاً عن الوتر كما عرفت ، والكلام فيه من جهات :
الجهة الاُولى : في أنّه هل يتعيّن الجلوس فيها أم يجوز القيام أيضاً؟ فنقول : امّا بالنظر إلى فتاوى الأصحاب فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي في بحثه الشريف ـ على ما قرّرته ـ انّ الظاهر تسالم الفقهاء إلى زمن الشهيد الأوّل على ثبوت الجلوس في نافلة العشاء ولم يفت أحد منهم بجواز القيام فيها وإنّ أوّل من أفتى به هو الشهيد في الدروس واللمعة وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان وقد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم .
( الصفحه 26 )
وامّا بالنظر إلى الروايات الواردة في الباب فكثير منها ظاهر في تعيّن الجلوس وإنّ الركعتين تعدّان بركعة كخبري فضيل بن يسار المتقدّمين . ورواية البزنطي المتقدّمة أيضاً ، ورواية الفضل بن شاذان كذلك ، ورواية الأعمش أيضاً كذلك ، ورواية أبي عبدالله القزويني قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) : لأيّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال : لأنّ الله فرض سبع عشر ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثليها فصارت إحدى وخمسين ركعة فتعدّان هاتان الركعتان من جلوس بركعة ، ورواية هشام المشرقي عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا : إنّ يونس يقول : من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس .
واثنتان منها ظاهرتان في التخيير : إحداهما رواية الحارث بن المغيرة النضري المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما وهو قاعد وأنا اُصلّيهما وأنا قائم . . . وليس المراد هو اختلافه مع أبيه (عليهما السلام) في الفتوى كما هو واضح ، بل المراد هو الاختلاف في العمل لأجل التخيير بين القيام والقعود وسرّه أنّ أباه (عليه السلام) كان بديناً ذات لحم يشقّ عليه الإتيان بالنوافل قائماً كما تدلّ عليه رواية حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أتصلّي النوافل وأنت قاعد؟ فقال : ما أصلّيها إلاّ وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وما بلغت هذا السنّ . ومن ذلك ظهر انّ الرواية ظاهرة في أفضلية القيام وان اختيار القعود إنّما هو لأجل المشقّة والكلفة .
ثانيتهما : رواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين .
( الصفحه 27 )
وقد يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير ولكن الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ هاتين الروايتين كانتا بمرئى ومسمع من قدماء الأصحاب ومع ذلك تسالموا على تعين الجلوس إلى زمن الشهيد الأوّل كما عرفت وذلك يكشف عن وجود خلل فيهما كصدورهما تقيّة; لأنّ نافلة العشاء بنحو الجلوس ممّا لم يقل به أحد من العامّة فانّهم بين من ينكر مشروعيتها رأساً وبين من يقول بأنّها ثمان ركعات أربع قبل الفريضة وأربع بعدها كأبي حنيفة ، وبين من يقول : بأنّها ركعتان من قيام ـ لا يجوز رفع اليد بسببهما عن الروايات الكثيرة الظاهرة ، بل الصريحة في تعيّن الجلوس بلحاظ التقييد بالجلوس مع أنّ الأصل في الصلاة مطلقاً هو القيام وكونه أفضل من الجلوس ، مع انّ تشريعها كما ظهر من بعض الروايات المتقدّمة إنّما هو لكونها بدلاً عن الوتر الذي هي ركعة واحدة ولا معنى لكون الركعتين من قيام بدلاً من ركعة كذلك فتدبّر ، أو لأجل كونها تعدّ بركعة فيتحقّق عنوان ضعف الفريضة ومثليها ولا يتحقّق ذلك إلاّ مع تعيّن الجلوس فيها .
وبالجملة فالروايات الدالّة على أنّ مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة لا يلائم مع جواز القيام في نافلة العشاء كسائر النوافل التي يكون المكلّف مخيّراً فيها .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام في شرحه على العروة في مقام الجمع انّ الذي يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام انّ بعد العشاء الآخرة يستحبّ أربع ركعات وصلاتان نافلتان والتي يكون القيام فيها أفضل من الجلوس ركعتان غير ركعتي الوتيرة وهما اللّان يقرأ فيهما مئة آية وهما غير الوتيرة المقيّدة بكونها عن جلوس والدليل على ذلك :
( الصفحه 28 )
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تصلِّ أقلّ من أربع وأربعين ركعة قال : ورأيته يصلّي بعد العتمة أربع ركعات .
وموثّقة سليمان بن خالد ـ المتقدّمة ـ فإنّها مصرّحة بأنّ الركعتين اللّتين يكون القيام فيهما أفضل غير النوافل اليومية أعني خمسين أو واحدة وخمسين ركعة وإنّ هاتين الركعتين لا تعدّان منها .
وصحيحة الجمّال قال : كان أبو عبدالله (عليه السلام) يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمأة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون فإن استيقظ من الليل صلّى صلاة الليل والوتر وإن لم يستيقظ حتّى يطلع الفجر صلّى ركعتين فصارت سبعاً (شفعاً) واحتسب بالركعتين الليلتين (اللتين) صلاّهما بعد العشاء وتراً .
أقول : امّا صحيحة عبدالله بن سنان فلا دلالة فيها على عنوان الأربع التي يصلّيها بعد العتمة ولا على استمرار الإتيان بها فلعلّه كانت الأربع صلاة جعفر (عليه السلام)ونحوها .
وامّا موثقة سليمان بن خالد فلا محيص عن حمل الركعتين فيها على نافلة العشاء لعدم التعرّض لها فيها وعدم عدّهما من الخمسين لا ينافيها لأنّها ـ كما في بعض الروايات الاُخر ـ إنّما شرّعت لتكميل العدد وجعل النافلة ضعف الفريضة فلا وجه لحملها على غير نافلة العشاء .
وامّا صحيحة الحجّال فهي وإن كانت دلالتها واضحة إلاّ انّه يشكل الأخذ بها لأنّها ـ مضافاً إلى دلالتها على وقوع ترك صلاة الليل من الإمام (عليه السلام) أحياناً ولعلّه لا يكون ملائماً لشأنه ـ تدلّ على ما لم يدلّ عليه شيء من الروايات مع كثرتها واستفاضتها لعدم دلالته على ثبوت ركعتين بعد العشاء قبل نافلتها ، مع أنّها لا
( الصفحه 29 )
تكون معنونة بعنوان أصلاً مع أنّه لا وجه لعدم الاحتساب بالإضافة إليها خصوصاً بعد ثبوت الكيفية بالمخصوصة لها واشتمالها على مئة آية من القرآن واحتساب نافلة العشاء مع وقوعها في حال الجلوس فالإنصاف انّه لا مجال لهذا الجمع .
الجهة الثانية : في سقوط نافلة العشاء في السفر وعدمه وقد وقع فيه الإشكال والخلاف بعد انّه لا إشكال ولا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر وعدم سقوط نافلة الصبح والمغرب كعدم سقوط صلاة الليل ، والمشهور بين الإمامية هو الأوّل ، بل ادّعى الإجماع عليه في محكي السرائر والغنية وقال الشيخ وجماعة بعدم السقوط ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في الباب :
امّا ما يدلّ على السقوط فروايات كثيرة :
منها : رواية حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث .
ومنها : رواية أبي يحيى الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال : يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة . وموردها وإن كان خصوص صلاة النافلة بالنهار إلاّ انّ الملازمة التي يدلّ عليها الجواب وهي الملازمة بين جواز النافلة وتمامية الفريضة تقتضي سقوط نافلة العشاء أيضاً كما هو ظاهر .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر ولا