( الصفحه 22 )
ثمّ إنّه أفاد المحقّق المزبور انّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين وفي نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار عليه ، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر لما في غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهو وركعتين قبل العصر فإنّ ظاهرها بشهادة السياق ان كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف قال : وبهذا ظهر انّه يجوز الإتيان بست ركعات أيضاً من نافلة العصر لقوله (عليه السلام) في موثقة سليمان بن خالد : صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر . . . فإنّ ظاهرها كون الست ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلّة ، وفي خبر عيسى بن عبدالله القمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلِّ ستّ ركعات . . . واستظهر بعد ذلك من رواية حسين بن علوان المتقدّمة المروية في قرب الاسناد جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضاً على أربع ركعات .
ويرد عليه انّ الروايات الدالّة على جواز التفريق في نافلة العصر وكذا المغرب لا دلالة لها على الاستقلال ولا منافاة بينها وبين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع فإنّ جواز التفريق الراجع إلى الإتيان بالمجموع في وقتين أمر والاستقلال الراجع إلى اتصاف كلّ صلاة بأنّها نافلة مستقلّة أمر آخر ، وعليه فلا معارض لظهور الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع في الارتباط وعدم الاستقلال من جهة الدليل على جواز التفريق .
وامّا الروايات الدالّة على أنّ نافلة العصر أقلّ من الثمان والمغرب أقلّ من الأربع
( الصفحه 23 )
فإن جمعنا بينها وبين الروايات الدالّة على الأكثر بالحمل على اختلاف مراتب الفضل والاستحباب فاللاّزم هو الالتزام بجواز الاقتصار على مفادها وانّه لا يجوز الاكتفاء بما دونه وعليه فيجوز التعميم بالإضافة إلى نافلة الزوال أيضاً وإن كانت الرواية الدالّة عليه ضعيفة السند لقاعدة التسامح في أدلّة السنن ومجرّد موافقتها لفتوى أبي حنيفة لا يوجب الحمل على التقية بعد ثبوت الجمع الدلالي على ما هو المفروض ووجود التسامح في مثله .
وإن جعلنا رواية البزنطي المتقدّمة رافعة للاختلاف ومعينة لما هو الحقّ بناء على أن يكون المراد من الاختلاف الذي وقع فيها السؤال عنه هو الاختلاف في الفتوى والنظر فلا يجوز الاقتصار لمن يريد الإتيان بالنوافل على الأقلّ لأنّ مرجعها إلى رفع اليد عن جميع الروايات الدالّة على الخلاف ، وامّا بناء على أن يكون المراد من الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقام العمل ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى استفسار حال الإمام (عليه السلام) وانّه في مقام العمل يأتي بأية مرتبة من المراتب فلا دلالة لرواية البزنطي على عدم اختلاف المراتب بل يقرّر ثبوته ولكن هذا الاحتمال بعيد وإن كانت الألفاظ الواقعة في السؤال تؤيّده لوضوح انّه بناء على اختلاف المراتب تكون المرتبة العالية هي المشتملة على الأكثر فلا يبقى مجال للسؤال حينئذ وإن كان يمكن أن يقال بأن السائل على هذا التقدير لا يكون عالماً بالمرتبة العالية من حيث العدد ، وبالجملة فهذا الاحتمال بعيد والظاهر هو الاحتمال الأوّل وثمرته عدم جواز التبعيض وثبوت الارتباط .
ثمّ إنّ مقتضى كلامه جواز الإتيان بنافلة الظهر ستّ ركعات أيضاً لخبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أنّ الرضا (عليه السلام) صلّى ستّاً من نافلة الظهر ثم أذّن ثمّ صلّى ركعتين . فإنّ الفصل بالأذان دليل على جواز الاقتصار على الست بناء على مبناه
( الصفحه 24 )
فتدبّر ، هذا كلّه في غير صلاة الليل .
وامّا صلاة الليل فمقتضى بعض الروايات انّها ثلاث عشرة ركعة بإدراج نافلة الفجر فيها أيضاً كرواية الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل .
ورواية اُخرى للحارث بن المغيرة في حديث قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر في السفر والحضر .
ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الليل ثمان والوتر ثلاث ونافلة الفجر ركعتان كرواية حنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان صلاة الليل وثلاثاً الوتر وركعتي الفجر . . . ورواية ابن أبي نصر البزنطي المشتملة على قول الرضا (عليه السلام)وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثاً وركعتي الفجر . ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات من آخر الليل . . . ثمّ الوتر ثلاث ركعات . . . ثم الركعتان اللّتان قبل الفجر ، وكذا الروايات المتعدّدة الواردة في الوتر الدالّة على أنّها ثلاث ركعات تفصل بينهن .
ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الوتر مركّبة من صلاتين إحداهما معنونة بعنوان الشفع والاُخرى بعنوان الوتر كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون ، المشتملة على أنّ الشفع والوتر ثلاث ركعات ، ورواية رجاء بن أبي الضحّاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع . . . فإذا سلّم قام وصلّى ركعة الوتر .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين المشتملة على
( الصفحه 25 )
قوله (عليه السلام) : والشفع ركعتان والوتر ركعة .
فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على نافلة الفجر لأنّها نافلة مستقلّة متعلّقة لأمر كذلك كما انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على الثمان صلاة الليل لأنّها معنونة بعنوان واحد متعلّق لأمر كذلك وكذا العكس فإنّه جيوز الاقتصار على صلاتي الشفع والوتر وترك صلاة الليل ، وامّا الاقتصار على خصوص الوتر الذي هي ركعة واحدة فإن كان في ضيق الوقت فلا إشكال فيه وإن لم يكن فيه فيمكن استفادة الجواز من رواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل .
وامّا التبعيض في الثمان صلاة الليل فالظاهر عدم جوازه لأنّ ظاهر الأدلّة كون المجموع عملاً واحداً وعبادة واحدة متعلّقة لأمر واحد فلا يجوز التبعيض فيه وإن كان يستفاد من الجواهر انّه لا مانع منه فيه كسائر النوافل المركّبة من صلوات متعدّدة هذا تمام الكلام في المسألة الاُولى .
المسألة الثانية : في نافلة العشاء المسمّاة بالوتيرة لكونها بدلاً عن الوتر كما عرفت ، والكلام فيه من جهات :
الجهة الاُولى : في أنّه هل يتعيّن الجلوس فيها أم يجوز القيام أيضاً؟ فنقول : امّا بالنظر إلى فتاوى الأصحاب فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي في بحثه الشريف ـ على ما قرّرته ـ انّ الظاهر تسالم الفقهاء إلى زمن الشهيد الأوّل على ثبوت الجلوس في نافلة العشاء ولم يفت أحد منهم بجواز القيام فيها وإنّ أوّل من أفتى به هو الشهيد في الدروس واللمعة وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان وقد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم .
( الصفحه 26 )
وامّا بالنظر إلى الروايات الواردة في الباب فكثير منها ظاهر في تعيّن الجلوس وإنّ الركعتين تعدّان بركعة كخبري فضيل بن يسار المتقدّمين . ورواية البزنطي المتقدّمة أيضاً ، ورواية الفضل بن شاذان كذلك ، ورواية الأعمش أيضاً كذلك ، ورواية أبي عبدالله القزويني قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) : لأيّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال : لأنّ الله فرض سبع عشر ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثليها فصارت إحدى وخمسين ركعة فتعدّان هاتان الركعتان من جلوس بركعة ، ورواية هشام المشرقي عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا : إنّ يونس يقول : من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس .
واثنتان منها ظاهرتان في التخيير : إحداهما رواية الحارث بن المغيرة النضري المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما وهو قاعد وأنا اُصلّيهما وأنا قائم . . . وليس المراد هو اختلافه مع أبيه (عليهما السلام) في الفتوى كما هو واضح ، بل المراد هو الاختلاف في العمل لأجل التخيير بين القيام والقعود وسرّه أنّ أباه (عليه السلام) كان بديناً ذات لحم يشقّ عليه الإتيان بالنوافل قائماً كما تدلّ عليه رواية حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أتصلّي النوافل وأنت قاعد؟ فقال : ما أصلّيها إلاّ وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وما بلغت هذا السنّ . ومن ذلك ظهر انّ الرواية ظاهرة في أفضلية القيام وان اختيار القعود إنّما هو لأجل المشقّة والكلفة .
ثانيتهما : رواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين .