( الصفحه 27 )
وقد يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير ولكن الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ هاتين الروايتين كانتا بمرئى ومسمع من قدماء الأصحاب ومع ذلك تسالموا على تعين الجلوس إلى زمن الشهيد الأوّل كما عرفت وذلك يكشف عن وجود خلل فيهما كصدورهما تقيّة; لأنّ نافلة العشاء بنحو الجلوس ممّا لم يقل به أحد من العامّة فانّهم بين من ينكر مشروعيتها رأساً وبين من يقول بأنّها ثمان ركعات أربع قبل الفريضة وأربع بعدها كأبي حنيفة ، وبين من يقول : بأنّها ركعتان من قيام ـ لا يجوز رفع اليد بسببهما عن الروايات الكثيرة الظاهرة ، بل الصريحة في تعيّن الجلوس بلحاظ التقييد بالجلوس مع أنّ الأصل في الصلاة مطلقاً هو القيام وكونه أفضل من الجلوس ، مع انّ تشريعها كما ظهر من بعض الروايات المتقدّمة إنّما هو لكونها بدلاً عن الوتر الذي هي ركعة واحدة ولا معنى لكون الركعتين من قيام بدلاً من ركعة كذلك فتدبّر ، أو لأجل كونها تعدّ بركعة فيتحقّق عنوان ضعف الفريضة ومثليها ولا يتحقّق ذلك إلاّ مع تعيّن الجلوس فيها .
وبالجملة فالروايات الدالّة على أنّ مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة لا يلائم مع جواز القيام في نافلة العشاء كسائر النوافل التي يكون المكلّف مخيّراً فيها .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام في شرحه على العروة في مقام الجمع انّ الذي يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام انّ بعد العشاء الآخرة يستحبّ أربع ركعات وصلاتان نافلتان والتي يكون القيام فيها أفضل من الجلوس ركعتان غير ركعتي الوتيرة وهما اللّان يقرأ فيهما مئة آية وهما غير الوتيرة المقيّدة بكونها عن جلوس والدليل على ذلك :
( الصفحه 28 )
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تصلِّ أقلّ من أربع وأربعين ركعة قال : ورأيته يصلّي بعد العتمة أربع ركعات .
وموثّقة سليمان بن خالد ـ المتقدّمة ـ فإنّها مصرّحة بأنّ الركعتين اللّتين يكون القيام فيهما أفضل غير النوافل اليومية أعني خمسين أو واحدة وخمسين ركعة وإنّ هاتين الركعتين لا تعدّان منها .
وصحيحة الجمّال قال : كان أبو عبدالله (عليه السلام) يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمأة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون فإن استيقظ من الليل صلّى صلاة الليل والوتر وإن لم يستيقظ حتّى يطلع الفجر صلّى ركعتين فصارت سبعاً (شفعاً) واحتسب بالركعتين الليلتين (اللتين) صلاّهما بعد العشاء وتراً .
أقول : امّا صحيحة عبدالله بن سنان فلا دلالة فيها على عنوان الأربع التي يصلّيها بعد العتمة ولا على استمرار الإتيان بها فلعلّه كانت الأربع صلاة جعفر (عليه السلام)ونحوها .
وامّا موثقة سليمان بن خالد فلا محيص عن حمل الركعتين فيها على نافلة العشاء لعدم التعرّض لها فيها وعدم عدّهما من الخمسين لا ينافيها لأنّها ـ كما في بعض الروايات الاُخر ـ إنّما شرّعت لتكميل العدد وجعل النافلة ضعف الفريضة فلا وجه لحملها على غير نافلة العشاء .
وامّا صحيحة الحجّال فهي وإن كانت دلالتها واضحة إلاّ انّه يشكل الأخذ بها لأنّها ـ مضافاً إلى دلالتها على وقوع ترك صلاة الليل من الإمام (عليه السلام) أحياناً ولعلّه لا يكون ملائماً لشأنه ـ تدلّ على ما لم يدلّ عليه شيء من الروايات مع كثرتها واستفاضتها لعدم دلالته على ثبوت ركعتين بعد العشاء قبل نافلتها ، مع أنّها لا
( الصفحه 29 )
تكون معنونة بعنوان أصلاً مع أنّه لا وجه لعدم الاحتساب بالإضافة إليها خصوصاً بعد ثبوت الكيفية بالمخصوصة لها واشتمالها على مئة آية من القرآن واحتساب نافلة العشاء مع وقوعها في حال الجلوس فالإنصاف انّه لا مجال لهذا الجمع .
الجهة الثانية : في سقوط نافلة العشاء في السفر وعدمه وقد وقع فيه الإشكال والخلاف بعد انّه لا إشكال ولا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر وعدم سقوط نافلة الصبح والمغرب كعدم سقوط صلاة الليل ، والمشهور بين الإمامية هو الأوّل ، بل ادّعى الإجماع عليه في محكي السرائر والغنية وقال الشيخ وجماعة بعدم السقوط ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في الباب :
امّا ما يدلّ على السقوط فروايات كثيرة :
منها : رواية حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث .
ومنها : رواية أبي يحيى الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال : يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة . وموردها وإن كان خصوص صلاة النافلة بالنهار إلاّ انّ الملازمة التي يدلّ عليها الجواب وهي الملازمة بين جواز النافلة وتمامية الفريضة تقتضي سقوط نافلة العشاء أيضاً كما هو ظاهر .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر ولا
( الصفحه 30 )
حضر ، وليس عليك قضاء صلاة النهار وصلِّ صلاة الليل واقضه .
وامّا ما يدلّ أو استدلّ به على عدم السقوط فروايات أيضاً :
منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر ، قال : لا تصلّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً . فإنّ تخصيص النهي في الجواب بخصوص النوافل النهارية مع كون السؤال عن مطلق الصلاة تطوّعاً في السفر لا يلائم مع سقوط نافلة العشاء خصوصاً مع انحصار القصر في الليل بها كما لايخفى .
ومنها : رواية رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا (عليه السلام) انّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين إلاّ المغرب فإنّه كان يصلّيها ثلاثاً ولا يدع نافلتها ، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر وكان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً .
ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : وإنّما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها (ركعتيها); لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع . والرواية من حيث الدلالة تامّة; لأنّها تدلّ على مفروغية عدم ترك النافلة كمفروغية قصر الفريضة في العتمة إلاّ انّ الإشكال إنّما هو في سندها; لأنّ في طريق الصدوق إلى فضل بن شاذان علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري المعروف بالقتيبي ، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار النيشابوري وهما لم تثبت وثاقتهما فإنّ غاية ما ذكر في وثاقة الأوّل ما ذكره في الحدائق في مقام الجواب عن صاحب المدارك القائل بعدم إمكان الاعتماد على روايته لعدم توثيقه من أنّه لا حاجة إلى التوثيق الصريح بعد كونه من المشايخ
( الصفحه 31 )
ومورداً لاعتماد مثل الكشي; لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين على النقل وأخذ الروايات عنهم والتلمذ عندهم يزيد على قول النجاشي وأضرابه : فلان ثقة . وقد نقل في الحدائق عن العلاّمة في المختلف انّه عندما ذكر حديث الافطار على محرم وانّ الواجب فيه كفّارة واحدة أو ثلاث لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث إلاّ من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال : إنّه كان ثقة والحديث صحيح . وهذا يدلّ على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة ، وقد حكي عن العلاّمة أيضاً انّه صحّح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن .
ولكن شيء من ذلك لا يثبت وثاقته فإنّ اعتماد الكشي لا دليل على وثاقته فقد اعتمد على نصر الغالي أيضاً ، لكن قد يقال : بأنّه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشي في (إبراهيم بن عبدة) : حكى بعض الثقات بنيسابور انّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) ، بأن يكون هو مراده من بعض الثقات . ويدفعه مضافاً إلى أنّه ليس في نسخة الكشي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور انّه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات .
وامّا كونه من المشايخ وأخذ المتقدّمين الروايات عنه فهو لا دلالة له أيضاً على التوثيق فقد حكى انّ من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق بحيث لم ير أنصب منه وأبلغ من نصبه لأنّه كان يقول : اللهمّ صلِّ على محمّد فرداً ويمتنع من الصلاة على آله .
وامّا تصحيح العلاّمة فقد نوقش فيه من وجهين : الأوّل انّه يظهر من التتبّع في كلماته انّه (قدس سره) يصحّح رواية كلّ شيعي لم يرد فيه قدح ولا يعتمد على رواية غير الشيعي وإن كان موثقاً فتصحيحه أعمّ من التوثيق ، بل غايته تصديق تشيّعه وانّه لم يرد فيه قدح .