( الصفحه 226 )
وعدم كون ترك النافلة قبل الفريضة بمضرّ مع أنّ تقييد النافلة بكونها قبل الفريضة ظاهر في النافلة الموقتة وهي النوافل الرواتب التي يكون وقتها قبل الفريضة ومحلّ البحث كما عرفت هي النوافل المبتدئة ومثلها من قضاء تلك النوافل فالرواية لا دلالة لها على المنع في المقام بوجه .
ومنها : رواية نجية بالنون والجيم والياء مشدّدة أو بدونه أو بخية بالباء والخاء أو بحية بالباء والخاء أو نجبة بالنون والجيم والباء قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : تدركني الصلاة ويدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر (عليه السلام) : لا ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة .
ولكن التعبير بقضاء النافلة ظاهر في النافلة المشروعة الموقتة والكلام كما عرفت إنّما هو في غيرها ولابدّ من حمل الرواية على ما إذا انقضى الوقت المعيّن للنافلة الذي يجوز أن تكون فيه مزاحمة للفريضة كالذراع والذراعين في نافلتي الظهرين على ما تقدّم وسيأتي الكلام أيضاً في المراد من وقت الفريضة المذكور في مثل الرواية ، وكيف كان فهي لا ترتبط بالمقام أصلاً .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه سأل رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها قال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار قال : فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها فإذا قضاها فليصلِّ ما فاته ممّا قد مضى ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها .
والمراد من قوله (عليه السلام) : يقضيها إذا ذكرها . . . . يحتمل أن يكون وجوب القضاء بنحو الفورية مع التذكّر كما يقول به القائل بالمضايقة ويحتمل أن يكون صحّة القضاء وعدم محدوديته بوقت خاص وانّه يجوز الإتيان به في أيّة ساعة من
( الصفحه 227 )
ساعات الليل والنهار وعليه فلا دلالة له على لزوم الفورية والمضايقة ولكن الظاهر هو الاحتمال الأوّل ، وعليه يتفرّع قوله : فإذا دخل ومراده انّه مع دخول وقت الصلاة الادائية وعدم إتمام ما قد فاته من الصلوات يجب عليه الاستمرار على الإتيان بالقضاء ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت فإنّها أحقّ بوقتها والظاهر انّ المراد من الوقت الذي يتخوّف ذهابه هو وقت الفضيلة لا الاجزاء لظهور قوله : فإذا قضاها فليصلّ . . . وفي وقوع الصلوات الفائتة البعدية في وقت أجزاء الحاضرة وإلاّ لم يكن لذكر هذه الجملة فائدة إلاّ التأكيد وهو خلاف الظاهر فتدبّر .
وامّا قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة . . . فيحتمل فيه أمران :
أحدهما : أن لا يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في الصلوات الفائتة بل متفرّعاً على المضايقة في القضاء ومرجعه إلى انّه حيث كان القضاء مبنياً على الفورية والمضايقة فاللاّزم أن لا يشتغل بغيرها حتى النافلة ولو بركعة إذ ليس حالها حال الفريضة الحاضرة في تقدّمها على الفائتة مع تخوّف ذهاب وقتها ، بل يكون الأمر بالعكس لعدم محذور في تفويت النافلة ولو من دون مزاحم فضلاً عمّا إذا كان لها مزاحم أقوى وهو القضاء الواجب المبني على المضايقة .
ثانيهما : أن يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في باب القضاء وانّه كما يكون محكوماً بوجوب الفورية والمضايقة كذلك يترتّب عليه النهي عن التطوّع ولو بركعة ما دام لم يتحقّق الفراغ عنها ولم يقض الفريضة كلّها ومرجعه إلى أنّ النافلة لأجل كونها كذلك لا تصلح لأن تزاحم القضاء الواجب ولو مع قطع النظر عن لزوم الفورية فيه كما هو الشأن في الحكمين المستقلّين في مورد واحد ، ومن المعلوم انّ صلاحية الرواية للاستدلال بها في المقام إنّما هي على تقدير كون المراد من
( الصفحه 228 )
الجملة الأخيرة هو الاحتمال الثاني ضرورة انّه على تقدير كون المراد منها هو الاحتمال الأوّل لا ترتبط بمسألة التطوّع في وقت الفريضة لأنّ محلّ النزاع فيها ما إذا لم يكن هناك تضيق أصلاً .
هذا والظاهر هو الاحتمال الثاني لأنّ لازم الاحتمال الأوّل أن لا يكون الموضوع المنهي عنه هو خصوص التطوّع والتنفّل ، بل كلّ ما يوجب الإخلال بالإتيان بالفوائت ، بل الموضوع بناء عليه ترك الاشتغال بها مع أنّ الظاهر مدخلية عنوان التطوّع والتنفّل في تعلّق النهي كما لا يخفى ، كما انّ الظاهر كون النهي نهياً ذاتياً يترتّب عليه أحكامه وآثاره ولازم الاحتمال الأوّل كونه نهياً عرضياً لا يترتّب عليه أثر ضرورة انّ التنفّل بناء عليه لا يكون مخالفة للزوم الفورية والنهي عنه معاً بحيث يكون هناك مخالفة تكليفين ، بل لا يكون إلاّ مخالفة تكليف واحد وهو وجوب الفورية مع أنّ ظاهر النهي هو الذاتي الاستقلالي لا العرضي ، وعليه فيتمّ الاستدلال بها للمقام ، نعم ربّما يقال : بأنّ مورده الصلاة الفائتة فكيف يمكن الاستدلال بها للفريضة الادائية ودعوى شمولها لها تحتاج إلى القطع بالملازمة بين الاداء والقضاء ولكنّه مدفوع بأنّه لا خفاء في جواز إلغاء الخصوصية من الفريضة الفائتة; لأنّ المستفاد من هذه الجملة كما عرفت انّ عدم جواز مزاحمة النافلة للفائتة إنّما هو لأنّه لا محذور في تفويتها دونها ومن المعلوم ثبوت هذا الملاك في الادائية لو لم يكن بطريق أولى كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبدالله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة فإنّه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت فريضة فابدأ بالفريضة .
وأورد على سندها بأنّ الحلّي (قدس سره) لم يروها عن كتاب حريز من دون واسطة
( الصفحه 229 )
للفصل الكثير بين العصرين فكيف يمكن له النقل عنه أو عن كتابه من دون واسطة وحيث إنّها غير معلومة فالرواية ساقطة عن الاعتبار .
واُجيب عن الايراد بأنّه حيث إنّ الحلّي ممّن لا يعتمد على الخبر الواحد وإنّما يعمل بالمتواترات أو ما قامت القرينة القطعية على صحّته فنقله عن كتاب حريز دليل على وصوله إليه بطريق قطعي قابل للاعتماد عليه .
وبعبارة اُخرى يدّعى الحلّي القطع بكون الرواية موجودة في كتاب حريز وبهذا تكون الرواية قريبة من الحس فتشملها الأدلّة القائمة على حجّية الخبر الواحد .
وفي هذا الجواب نظر; لأنّ عدم اعتماده على الخبر الواحد لا يكون دليلاً على وصول كتاب حريز إليه بطريق قطعي كيف ونفس الكتاب إنّما يكون الناقل بالإضافة اخلى الروايات المنقولة فيه هو حريز ولا يكون إلاّ واحداً خصوصاً في مثل هذه الرواية حيث ينقلها عن الإمام مع الواسطة كزرارة مع أنّ قطعه لا يكون حجّة بالإضافة إلينا لاحتمال الخطأ والاشتباه في مستند القطع مع أنّ نقل الخبر الواحد لا يكون فيه أي محذور ممّن لا يعتمد عليه كيف ونقل أخبار الضعاف كثير مع عدم اعتماد النقال عليها ، وبالجملة فالرواية من حيث السند مخدوشة .
وامّا من حيث الدلالة فمقتضى إطلاق النافلة فيها الشامل للنوافل المبتدئة وما يشابهها وظهور كون الوقت هو وقت الاجزاء لا الفضيلة ثبوت النهي عن التطوّع فيما هو محلّ البحث في المقام .
ومنها : رواية أبي بكر عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال : إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع . والراوي ممّن ورد فيه التوثيق العام لوقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات ودلالتها كالرواية السابقة .
ومنها : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال لي رجل من أهل
( الصفحه 230 )
المدينة : يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع .
وأورد عليها بأنّها بالدلالة على الجواز أولى من الدلالة على المنع; لأنّ مفادها انّه (عليه السلام) إنّما كان لا يتطوّع بين الأذان والإقامة ، وامّا قبلهما فلا . وبعبارة اُخرى ان ما لم يكن يأت به الإمام (عليه السلام) إنّما هو خصوص التطوّع بينهما لا مطلقاً ولو بعد دخول الوقت وقبلهما .
ويدفعه وضوح انّ الجواب لا يكون مفاده مجرّد عدم التطوّع بين الأذان والإقامة ، بل بيان قاعدة كلّية وهو كون تطوّعهم (عليهم السلام) في غير وقت فريضة ، نعم يمكن المناقشة في كون المراد من الوقت هو وقت الاجزاء ولكن الايراد لا يكون مبنيّاً على هذه المناقشة .
نعم ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّ الاستدلال بهذه الرواية مشكل لأنّها تتضمّن قضية في واقعة شخصية ولا يعلم المراد من الصلاة التي كان بناء الناس على الإتيان بها بين الأذان والإقامة و ـ حينئذ ـ فمن المحتمل أن يكون اعتقادهم على استحباب ركعتين مخصوصتين بين الأذان والإقامة في قبال سائر النوافل غير مشروعتين عندنا وحيث لم يكن للإمام ردّ السائل لكون ذلك المعنى أمراً مركوزاً عند الناس فأجاب بما يوافق مذهبهم تورية; لأنّهم رووا عن أبي هريرة إنّه إذا دخل الوقت فلا صلاة إلاّ المكتوبة ، مضافاً إلى أنّه لو سلم كون الركعتين من النوافل اليومية فيمكن أن يقال بعدم دلالة الرواية على المنع; لأنّ غاية مدلولها انّ بنائهم (عليهم السلام) على الإتيان بالنافلة قبلاً فلا يستفاد منها المنع ولكن ظاهر الذيل ينافي ذلك .