( الصفحه 245 )
المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة الصدق فيه أيضاً نظراً إلى إنّه يتوقّف على ثبوت المقتضى وإن لم يكلّف بالعمل لمانع وانّ طريق إحراز ثبوت المقتضى للعمل الخطابات اللفظية بمعنى انّ كلّ قيد أخذ في الخطاب اللفظي قيداً للحكم يحكم بأنّ له دخلاً في اقتضاء الفعل وكلّ قيد لم يؤخذ في الدليل يحكم بمقتضى اصالة الإطلاق إن تمّت شرائطها بعدم دخله فيه وإن كان ممّا يعتبر في الحكم عقلاً كالقدرة مثلاً فإذا لم يمكن لها الاداء بنحو لعدم الوقت لها أو لعدم القدرة على ما هو شرط مطلقاً لا يتوجّه إليه التكليف الادائي ولكن يجب القضاء .
فإنّه يرد عليه انّ الوقت قيد للحكم وله دخل في اقتضاء الفعل وليس المراد منه حدوثه ولو لحظة ، بل دخوله بمقدار يمكن فيه الإتيان بالواجب ولو بكيفية اضطرارية فإذا لم يسع لهذا المقدار أيضاً لا يكون المقتضى ثابتاً فلا يتحقّق عنوان الفوت .
هذا بالنسبة إلى ما علّق فيه الوجوب على الفوت ، وامّا مثل صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها فلا دلالة لها أيضاً على وجوب القضاء فيما إذا كان تركها في الوقت لأجل عدم المشروعية فضلاً عمّا إذا كانت محرمة فالمتحصّل انّ كلّ مورد لو اطلع المكلّف على حصول العذر بعد دخول الوقت كان الواجب عليه إتيان الصلاة ولو بنحو الاضطرار يجب عليه القضاء مع الترك لعدم الاطّلاع كما لا يخفى ولا يتحقّق ذلك في الفرع الأخير .
وامّا ما دلّ على أنّ الحائض لا تقضي الصلاة من الأخبار الكثيرة فلا إشكال في دلالته على عدم القضاء فيما إذا كان الحيض مستوعباً لجميع الوقت الوسيع من أوّله إلى آخره كما انّه لا ينبغي الإشكال في عدم إفادته نفي القضاء فيما لو حاضت قبل تمام
( الصفحه 246 )
الوقت بمقدار يسع الصلاة ولم تصل قبله فإنّ الترك ـ حينئذ ـ وإن كان مستنداً إلى الحيض في الجملة لا يكفي في عدم وجوب القضاء; لأنّ ظاهر تلك الأخبار هو ما لو كان الاستناد إلى الحيض فقط والمراد انّه لو كان الفوت ناشئاً عن الحيض ولم يكن مستنداً إلى شيء آخر فلا يجب القضاء .
ومن هنا يظهر إفادتها لعدم وجوب القضاء في الفرع الثالث من الفروع المتقدّمة لأنّ الحيض وإن عرض بعد الزوال إلاّ انّه حيث لا يكون الوقت صالحاً للصلاة الاضطرارية أيضاً فيصدق انّ الترك إنّما يستند إلى الحيض لعدم مدخلية شيء آخر في حصوله فلا يجب عليها القضاء .
وامّا الفرع الثاني فالظاهر انّ الفوت فيه لا يكون مستنداً إلى الحيض ، بل إلى جهلها بطروّه في حال حصوله ضرورة انّه لو كانت عالمة به لم يتحقّق منها الترك بل كانت تأتي بما هو وظيفتها في هذا الحال وهي الصلاة الاضطرارية فترك الطبيعة وفوتها مستند إلى عدم علمها لا إلى الحيض .
ولكن ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالة الدماء الثلاثة انّ الظاهر من تلك الأخبار هو ما كان ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض أي الصلاة التي كانت تأتي به معه بحسب حالها المتعارف المشتملة على جملة من المستحبّات مستنداً إلى الحيض فإذا كانت تقدر على الصلاة مع أقلّ الواجب فلا يجب عليها القضاء وأولى منه ما إذا كانت تقدر على الصلاة الاضطرارية فلا يجب القضاء بمقتضى تلك الأخبار في شيء من الصور المذكورة وذكرانّ الارتكاز العرفي والتفاهم العقلائي من الروايات ما أفاده قال فهل ترى من نفسك انّ المرأة إذا سمعت فقيهاً يقول : إذا تركت صلاتك لأجل عروض الحيض ليس عليك قضاء فاشتغلت في أوّل الوقت بالطهور والصلاة فعرض لها الطمث في
( الصفحه 247 )
الركعة الثالثة تشكّ في كونها مشمولة للفتوى باحتمال لزوم تقدير نفسها مقام المضطرّ الفاقد للماء المضيق عليه الوقت أم لا ينقدح في ذهنها إلاّ صلاتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن عروض الحيض .
وما أبعد ما بينه وبين ما أفاده شيخه المحقّق الحائري (قدس سره) من دعوى وضوح خلافه وإنّ الفوت ينسب إلى الصلاة وهي تختلف باختلاف الأحوال فتارة شرطها الطهارة المائية واُخرى الترابية وكذا تارة يشترط فيها الستر واُخرى يسقط عنها وبعدما فرض انّ المجعول في حقّها بواسطة الحيض الصلاة مع التيمّم أو مع عدم الستر أو اللباس النجس ففوت الصلاة منها ليس مستنداً إلى الحيض .
وممّا ذكرنا ظهر حال الفرع الأوّل وانّ الظاهر استناد الفوت لا إلى الحيض ، بل إلى جهلها بطروّه في حال حصوله فلا دلالة لتلك الأخبار على عدم وجوب القضاء فيه .
وامّا الروايات الخاصّة الواردة في المسألة :
فمنها : موثّقة يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخّرت الصلاة حتّى حاضت قال : تقضي إذا طهرت . وظهورها في سعة الوقت للصلاة الاختيارية وتأخيرها حتّى طمثت لا خفاء فيه ، وعليه فلا يستفاد من الرواية حكم غيره من الصور نفياً أو إثباتاً ودعوى انّه يستفاد منها اختصاص وجوب القضاء بما إذا اتسع الوقت بمقدار الصلاة الاختيارية لظهور قوله فأخّرت . . . في مضي الوقت بمقدار الصلاة كذلك والإمام (عليه السلام)قد قرّر السائل في هذا التقييد ولولاه لزم التنبيه على أنّه لا فرق في لزوم القضاء بين التأخير بهذا المقدار أو بمقدار الصلاة الاضطرارية ممنوعة جدّاً; لأنّ القيد الواقع في كلام السائل لا يؤثّر إلاّ في اختصاص صورة المسألة بصورة خاصّة
( الصفحه 248 )
والجواب لا دلالة له على مدخلية القيد في الحكم بوجه ولا يلزم التنبيه على عدم مدخلية القيد فإنّ الغرض استفادة حكم المورد الذي ابتلى به أو أراد معرفة حكمه فالإنصاف انّه لا دلالة للرواية على عدم وجوب القضاء في غير موردها .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألته عن المرأة تطمث بعدما تزول الشمس ولم تصلِّ الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : نعم .
وأورد على سندها بأنّ فيه شاذان بن الخليل مع أنّه ضعيف أو لم يثبت وثاقته ولكن الظاهر اندفاع الايراد بأنّ الكشي ـ على ما حكي عنه ـ ذكر في حقّه انّه من العدول الثقات فالرواية معتبرة .
وامّا دلالتها فإن كان قوله : ولم تصلِّ الظهر عطفاً على قوله : تزول الشمس بحيث كان الطمث بعد الزوال وعدم الإتيان بصلاة الظهر فظاهرها ـ حينئذ ـ انّها كانت تقدر على الإتيان بها كسائر الأيّام واجدة للشرائط الاختيارية ، غاية الأمر انّه تركها بتخيّل سعة الوقت فلا إطلاق للرواية بناء عليه . وإن كان ذلك القول عطفاً على قوله : تطمث بحيث كان الطمث وترك الصلاة متقارنين واشتراكهما إنّما هو في حدوثهما بعد الزوال فالرواية ـ حينئذ ـ مطلقة ومقتضى إطلاقها ثبوت القضاء في جميع الفروع المتقدّمة ولكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر كما لا يخفى .
ومنها : موثقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمّ إنّها طمثت وهي جالسة فقال : تقوم عن مكانها (مسجدها) ولا تقضي الركعتين .
ولامراد بعدم قضائها الركعتين هو عدم وجوب الإتيان ببقية الصلاة لعروض الحيض المانع عنها ، وعليه فالمراد بالقضاء هو القضاء بالمعنى اللغوي ولا تكون الرواية ـ حينئذ ـ متعرّضة للقضاء الاصطلاحي حتى يقال إنّ المراد بصلاة الركعتين
( الصفحه 249 )
اللّتين أتت بهما هو إتيانهما على حسب ما تأتي بهما في سائر الأيّام من الاستجماع لجميع الشرائط وهو بحسب الغالب ملازم لمضي مقدار الصلاة الاضطرارية فتستفاد من الرواية عدم وجوب القضاء فيه أيضاً .
ويحتمل أن يكون المراد بالقضاء هو القضاء بالمعنى الاصطلاحي وعليه فالمراد بالركعتين هما الركعتان اللّتان صلّتهما ومفهومه ـ حينئذ ـ وجوب قضاء البقية فوقع التفكيك في صلاة واحدة من جهة القضاء وعدمه وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً في نفسه إلاّ انّه يعينه رواية أبي الورد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم قال : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهّرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب . ولابدّ من ردّ علمها ـ حينئذ ـ إلى أهله أو توجيهها بما لا ينافي النصّ والفتوى .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء في الفرع الأوّل سواء كان الوقت متسعاً للإتيان بالصلاة المتعارفة المشتملة على بعض المندوبات المقرونة ببعض التسامحات والتوانيات أو كان متسعاً لخصوص أقلّ الواجب مع عدم التواني كما انّه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القضاء في الفرع الأخير لاستناد الترك إلى الحيض فقط ، وامّا الفرع الوسط فالحكم فيه محلّ إشكال لدلالة أدلّة القضاء العامّة على الوجوب وعدم وجود ما يدلّ على العدم كما عرفت وإن كان المشهور بل المدعى عليه الإجماع العدم .
المقام الثاني : في ارتفاع العذر في آخر الوقت وقد ذكر في المتن انّه إن وسع الطهارة والصلاتين وجبتا وظاهره انّ المراد بالطهارة هي الطهارة المائية ، وعليه فوجوب الصلاتين إنّما هو مع سعة الوقت لها فلو ضاق الوقت إلاّ عن الصلاتين مع