( الصفحه 255 )
الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انّه يظنّ لمكان الأذان انّه طلع قال : لا يجزيه حتّى يعلم انّه قد طلع .
وحكي عن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية الاكتفاء بالظنّ مطلقاً ، وعن الحدائق اختياره لرواية إسماعيل بن رياح المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) إذا صلّيت وأنت ترى انّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك . بملاحظة انّ كلمة «ترى» معناها تظنّ فالرواية تدلّ على جواز الاعتماد على الظنّ في دخول الوقت والشروع في الصلاة ولكنّ الظاهر انّ هذه الكلمة معناها هو الاعتقاد الجازم وليست بمعنى المظنّة ولو سلّم فلا إطلاق لها لكون الرواية في مقام بيان حكم آخر وهي صحّة الصلاة مع وقوع جزء منها في الوقت .
ثمّ إنّ هنا اُموراً يقوم مقام العلم أو قيل بقيامه كذلك :
الأوّل : البيّنة وقد تكلّمنا في حجّيتها سابقاً وذكرنا انّ المستفاد من النصّ هي حجّيتها في الموضوعات المترتّبة عليها أحكام في الشريعة ومنها الوقت في المقام ولا ينافيها دلالة الروايات المتقدّمة على اعتبار العلم; لأنّ الظاهر انّ أخذه في الموضوع إنّما هو بنحو الطريقية لا الصفتية وقد تقرّر في محلّه قيام الأمارات المعتبرة الشرعية مقام العلم بهذه الكيفية فالبيّنة صالحة للاتكال عليها في دخول الوقت .
الثاني : أخبار العدل الواحد ، بل الثقة كذلك وعمدة الدليل على حجّيته استمرار السيرة العقلائية على ترتيب الأثر عليه والاعتبار به ، ولكن ذكرنا سابقاً أيضاً أنّ أدلّة حجّية البيّنة رادعة عن هذه السيرة لأنّ مرجع جعل الحجّية للبيّنة إلى مدخلية وصف التعدّد والعدالة في ثبوت الحجّية ولا يكون الوصفان كالحجر في جنب الإنسان ولا يجتمع الحكم بحجّية البيّنة مع الحكم بحجّية خبر الثقة الواحد
( الصفحه 256 )
الفاقد للوصفين ، نعم لو لم يكن خبره من سنخ البيّنة بل كان مغايراً لها سنخاً لم يكن الحكم بالحجّية لها منافياً لثبوتها فيه أصلاً كما لا يخفى .
وبالجملة لا مجال لدعوى حجّية خبر العادل الواحد فضلاً عن الثقة في جميع الموارد التي تكون البيّنة حجّة فيها ، نعم لا مانع من جعل الحجّية له في بعض الموارد تسهيلاً أو لمصلحة اُخرى كما إذا فرض حجّية خبر العدل ، بل الثقة في الأعلام بدخول الوقت مثلاً ولكنّه يحتاج إلى قيام الدليل عليه ، وما يمكن أن يستدلّ به في المقام هي الأخبار الآتية الدالّة على جواز الاعتماد على أذان المؤذّن نظراً إلى أنّ اعتبار الأذان إنّما هو من باب الطريقية وكاشفيته عن الوقت بلحاظ كونه اخباراً فعلياً فاخباره بالقول صريحاً أولى بالاعتبار ويدفعه مضافاً إلى وقوع الكلام في جواز الاعتماد على أذان المؤذِّن وانّه على تقديره هل يكون بنحو الإطلاق أو مقيّداً ببعض القيود كما سيجيء انّ الأذان عبادة مبنية على الاعلان غالباً ويتحقّق الاستظهار فيه كذلك بنحو لا يحصل في الاخبار بالوقت فاعتباره على تقديره لا دلالة له على اعتبار القول والاخبار أصلاً .
وبعبارة اُخرى اعتبار الأذان ظاهر في مدخليته في الحكم به وليس من جهة كونه اخباراً فعلياً .
نعم يمكن أن يقال كما قيل : بأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار عن الصادق (عليه السلام)في جواز صلاة الجمعة بأذان العامّة بأنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت يظهر منه انّ المناط مجرّد اعلام من يوثق به وإن كان بغير اذانه ويدفعه مضافاً إلى أنّ مقتضاه جواز الاعتماد على صلاة من يوثق به أيضاً مع أنّ الظاهر عدم التزامهم به انّ مقتضى التعليل هو كونهم في مسألة الأذان أشدّ شيء مراقبة للوقت وانّ المراقبة المنظورة فيها مراقبة خاصّة فلا يستفاد منه جواز الاعتماد على مجرّد اخبار من
( الصفحه 257 )
يوثق به فضلاً عن صلاته . نعم هنا روايتان يمكن الاستدلال بهما للمقام :
إحداهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ونام حتّى طلعت الشمس فأخبر انّه صلّى بليل . قال : يعيد صلاته . نظراً إلى ظهوره في أنّ الحكم بالإعادة إنّما هو لاعتبار اخبار من أخبره بصلاته بالليل ومقتضى ترك الاستفصال انّه لا فرق بين كونه واحداً أو متعدّداً ، عادلاً أو غيره . ويرد عليه مضافاً إلى ظهور السؤال في مفروغية الاعتبار لأجل حصول العلم منه أو للتعدّد مع العدالة ولا يكون ترك الاستفصال دليلاً على الإطلاق انّ مورد الرواية هو الاخبار بالليل أي الاخبار بعدم دخول الوقت وعدم تحقّق الفجر وحجّيته لا تستلزم حجّية الاخبار بالوقت بعد كون الأوّل موافقاً للاستصحاب والثاني مخالفاً له كما لايخفى .
ثانيتهما : رواية أحمد بن عبدالله القزويني (القروي) عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : ادن منّي فدنوت منه حتى حاذيته ثمّ قال لي : اشرف إلى البيت في الدار فأشرفت فقال لي : ما ترى في البيت؟ قلت : ثوباً مطروحاً فقال : انظر حسناً فتأمّلته ونظرت فتيقّنت فقلت : رجل ساجد إلى أن قال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) انّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحالة التي أخبرك بها; انّه يصلّي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ثمّ يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس وقد وكّل من يترصّد له الزوال فلست أدري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة من غير أن يحدث وضوءاً فاعلم انّه لم ينم في سجوده ولا اغفا ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ثمّ إذا صلّى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس فإذا غابت الشمس وثب من سجدته
( الصفحه 258 )
فيصلّي المغرب من غير أن يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة فإذا صلّى العتمة أفطر على شواء يؤتى به ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد ثمّ يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء ثمّ يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام انّ الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول إلى الحديث . وعدم دلالتها على المطلوب واضح .
الثالث : الأذان ، قال المحقّق في المعتبر : لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلّده لقوله (عليه السلام) : المؤذِّن مؤتمن ، ولأنّ الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به ، وعن الذخيرة الميل إليه ، ولكن المشهور خلافه ، بل نقل الإجماع على عدم جواز التعويل على غير العلم للمتمكّن والجمع بين هذا الإجماع وبين اعتبار البيّنة كما عن جماعة ، بل عن الذخيرة عليه الأكثر يقتضي أن يكون النظر في معقد الإجماع إلى القاعدة الأوّلية المستفادة من حكم العقل والروايات المتقدّمة المقتضية لإحراز الوقت بنحو اليقين ولا ينافي قيام أمارة معتبرة شرعية مقامه ، وعليه فلا دلالة لذلك على عدم حجّية الأذان عندهم إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الأذان مطلقاً أو في الجملة معتبراً لديهم لكان اللاّزم التصريح به لشدّة الابتلاء به وورود روايات كثيرة في مورده فعدم التعرّض يكشف عن عدم الاعتبار وعدم اعتنائهم بتلك الروايات أو حملها على ما لا ينافي القاعدة المذكورة .
وكيف كان فقد ورد أخبار مستفيضة ظاهرة في حجّية أذان المؤذِّن في الجملة :
كصحيحة ذريح المحاربي قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت .
والظاهر انّ المراد من هؤلاء المخالفون والتعليل المذكور في الرواية يحتمل أن يكون نكتة لجعل الحجّية والاعتبار الشرعي بأن يكون المراد انّ النكتة في حجّية
( الصفحه 259 )
الأذان شرعاً هو وثاقتهم وكونهم أشدّ شيء مواظبة للوقت ، ويحتمل أن يكون إرشاداً إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء من الاعتماد على الثقة في قوله وعمله ، وعليه لا تكون الرواية بصدد التعبّد ، بل إرشاد إلى حكم العقلاء وامضاء له في مورد الأذان فلابدّ من الاقتصار على خصوص مورد ثبوت حكم العقلاء .
وخبر عيسى بن عبدالله الهاشمي عن أبيه عن جدّه عن علي (عليه السلام) قال : المؤذِّن مؤتمن والإمام ضامن . وهي أوسع روايات الباب لأنّ الموضوع فيه هو مطلق المؤذِّن والظاهر انّ المراد من قوله مؤتمن هو جعل الايتمان الشرعي له وانّه في محيط الشريعة مؤتمن لا إرشاد إلى أنّه ينبغي بمقتضى الارتكاز العلائي أن يكون مؤتمناً والشاهد لما ذكر جعل العهدة والضمان على الإمام; لأنّه يتحمّل القراءة عن المأموم فهو ضامن لها إذا لم يتحقّق منه القراءة الصحيحة فكما انّ الضمان شرعي يكون الايتمان كذلك .
ورواية محمد بن خالد القسري قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخاف أن تصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس ، فقال : إنّما ذلك على المؤذنين . والظاهر انّ المراد من الصلاة التي أراد الإتيان بها هي صلاة الجمعة وإلاّ لما كان للتقييد بيوم الجمعة وجه ، وعليه فلا يبقى مجال للخوف; لأنّ الصلاة التي لابدّ وأن يؤتى بها جماعة في عدد مخصوص كيف يخاف من وقوعها قبل الزوال خصوصاً مع أهمّيها بمثابة لا يشابهها صلاة فمثل هذا السؤال لا يقع عادة إلاّ ممّن يكون في قلبه مرض الوسواس وعلى ذلك فلا يطمئن بصدور الجواب لبيان الحكم الواقعي الذي يؤخذ به في جميع الموارد ، بل الغرض هو رفع الوسوسة عنه بأنّ ذلك وهو الوقوع قبل الزوال أمر على عهدة المؤذِّن إلاّ أن يقال إنّ التعبير بذلك في مقام الجواب لو لم يكن حكماً واقعياً يلزم الاغراء بالجهل ووقوع السائل في خلاف الحكم الواقعي بلا وجه