( الصفحه 260 )
فالظاهر كون الجواب مسوقاً لبيان الحكم الواقعي .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت وأذّن المؤذِّن وقعد وأطال الجلوس حتّى شكّ فلم يدر هل طلع الفجر أم لا فظنّ انّ المؤذِّن لا يؤذِّن حتّى يطلع الفجر ، قال : أجزأ أذانهم (أذانه) ، والظاهر بملاحظة طرد الشكّ ثمّ الظنّ بعد الصلاة والجلوس الطويل انّ صلاته عقيب الأذان كانت لأجل حصول العلم له من ناحية الأذان ، وعليه فلا تكون الرواية من روايات المقام .
ومرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث : المؤذِّن له من كلّ من يصلّي بصوته حسنة . ولا إطلاق لها من جهة جواز الاعتماد على أذانه والصلاة بصوته لأنّها في مقام بيان مطلب آخر وهو ثبوت الحسنة للمؤذِّن من كلّ من يصلّي بصلاته كما لا يخفى .
ومرسلته الاُخرى قال : قال الصادق (عليه السلام) في المؤذِّنين انّهم الاُمناء . والمناقشة في السند مدفوعة بما مرّ مراراً من حجّية هذا القسم من مرسلات الصدوق الذي ينقل عن الإمام من دون واسطة ويسند إليه كذلك ، كما انّ الظاهر دلالتها على أنّ كلّ مؤذن مؤتمن شرعاً ويكون أذانه حجّة وأمارة معتبرة شرعية نظير رواية الهاشمي المتقدّمة .
ورواية بلال في حديث قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : المؤذِّنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزّوجلّ شيئاً إلاّ أعطاهم ولا يشفعون في شيء إلاّ شفعوا . والظاهر انّ المراد كونهم اُمناء من قبل الشارع للمؤمنين في صلاتهم وصومهم وحليّة لحومهم وحفظ دمائهم; لأنّ الأذان يكشف عن كون البلد بلد المسلمين والسوق سوقهم فيحلّ اللحم ويكون الدم غير
( الصفحه 261 )
مهدور .
ومرسلة المفيد قال : روى عن الصادقين (عليهما السلام) قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يغفر للمؤذِّن مدّ صوته وبصره ويصدقه كلّ رطب ويابس وله من كلّ من يصلّي بأذانه حسنة . والكلام فيه هو الكلام في مرسلة الصدوق الاُولى المتقدّمة .
ورواية سعيد الأعرج قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وهو مغضب وعنده جماعة من أصحابنا وهو يقول : تصلِّون قبل أن تزول الشمس قال : وهم سكوت ، قال : فقلت : أصلحك الله نصلّي حتّى يؤذِّن مؤذِّن مكّة؟ قال : فلا بأس امّا انّه إذا أذّن فقد زالت الشمس الحديث . ويحتمل أن يكون لمؤذِّن مكّة خصوصية موجبة لاعتبار أذانه فلا يستفاد منها الامارية لمطلق الأذان فتدبّر .
وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّ ابن مكتوم يؤذِّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال . ودعوى اختصاصها بالصوم ممنوعة جدّاً خصوصاً مع تعليل الفرق بأنّ ابن اُمّ مكتوم إنّما يؤذِّن بليل كما لا يخفى .
وفي مقابل هذه الروايات رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) المتقدّمة في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انّه يظنّ لمكان الأذان انّه طلع قال : لا يجزيه حتّى يعلم انّه قد طلع .
والجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة بعد حمل مطلقها على مقيّدها وقصر الحكم على مورد التعليل الوارد في بعضها المقتضى لاختصاص الحكم بالاعتبار بأذان الثقة العارف كما سيجيء يقتضي حمل رواية علي بن جعفر على عدم كون المؤذِّن كذلك لو لم نقل بظهورها في نفسها في ذلك لأنّ موردها صورة سماع الأذان فقط من دون أن يكون خصوصية المؤذِّن من جهة الوثاقة والمعرفة بالوقت معلومة
( الصفحه 262 )
وحصول الظنّ من الأذان كما هو المفروض في الرواية لا ينافي ذلك لظهورها في حصوله من ناحية نفس الأذان لا من جهة وصف المؤذِّن ففي الحقيقة مورد هذه الرواية الاعتماد على نفس الأذان بما هو أذان مفاد تلك الروايات اعتباره مع خصوصية في المؤذِّن فلا منافاة والحكم بعد الاجزاء في هذه الرواية إلى أن يعلم لا دلالة له على عدم اعتبار الأذان مطلقاً; لأنّ المراد من العلم هو الأعمّ منه ومن العلمي ولذا لا دلالة لها على عدم حجّية البيّنة في مسألة الوقت بحيث تكون الرواية مخصّصة لعمومات حجّية البيّنة كما هو ظاهر وقد يجمع بينها وبين الروايات باختصاص هذه بصلاة الصبح ولعلّ وجه الخصوصية عدم موافقة العامّة معنا في وقت الصبح فلا يكون أذانهم أمارة لدخول الوقت .
وكيف كان فالجمع الدلالي بين رواية علي بن جعفر وبين تلك الروايات في كمال الظهور إلاّ انّ الذي يوهن الأساس ما عرفت من عدم تعرّض الأصحاب لاعتبار الأذان بوجه وهو يكشف عن عدم حجّيته عندهم لكونه من المسائل التي تعمّ بها البلوى وقد وردت فيها روايات متكثّرة . وعليه فيقع الكلام في وجه عدم اعتمادهم على هذه الروايات وانّه هل كان ذلك لثبوت المعارض لها وقد عرفت إمكان الجمع بينه وبينها بل وضوحه أو كان لثبوت الخلل فيها للقرائن الموجودة عندهم الدالّة على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي ، بل صدرت تقية أو مثلها ولأجله ذكر الماتن ـ دام ظلّه ـ انّ الأحوط عدم الكفاية ، وعلى ما ذكرنا فالحكم في المسألة مشكل وللتوقّف فيها مجال .
ثمّ إنّك عرفت انّه على تقدير اعتبار الروايات المتقدّمة يكون مقتضى الجمع بينها هو اعتبار الأذان إذا كان المؤذِّن ثقة عارفاً بالوقت; لأنّ بعضها وإن كان ظاهراً في حجّية الأذان مطلقاً كإحدى مرسلتي الصدوق إلاّ انّ التعليل الوارد في صحيحة
( الصفحه 263 )
ذريح المحاربي بقوله (عليه السلام) : إنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت يقتضي قصر الحكم على ما إذا كان المؤذِّن ثقة وكان عارفاً بالوقت لأنّ شدّة المواظبة على الوقت تقتضي ذلك ، كما انّه حيث يكون موردها ومورد بعض الروايات الاُخر بل كثيرها أذان المخالفين فاللاّزم عدم اعتبار العدالة التي لا تكاد تجتمع مع عدم الايمان كما هو ظاهر .
وهل يعتبر إفادة أذانه للظنّ الفعلي بحيث يكون الحكم بالاعتبار دائراً مداره الظاهر العدم لعدم الدليل على اعتباره ، نعم لو قلنا بأنّ صحيحة ذريح إنّما تكون في مقام الإرشاد إلى ما هو مستمرّ عند العقلاء وقلنا باختصاص مورد السيرة بما إذا حصل الظنّ الفعلي بل الاطمئنان لكان اللاّزم الحكم باعتباره ولكن كلّ واحد من الأمرين خلاف الظاهر فتدبّر .
وممّا ذكرنا من عدم دوران الحكم بالاعتبار مدار الظنّ يستفاد بطلان استشهاد صاحب الحدائق بهذه الأخبار لكفاية الظنّ بدخول الوقت نظراً إلى أنّ غاية ما يفيد أذان المؤذِّن هو الظنّ وإن تفاوتت مراتبه شدّة وضعفاً باعتبار المؤذِّنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمها .
وجه البطلان انّ الحكم بكون الملاك في اعتبار أذان المؤذِّن الذي هو مفاد تلك الأخبار هو إفادته للظنّ ممّا لا يساعده دليل بل هو من مقولة قياس مستنبط العلّة الذي لا اعتبار به عندنا بوجه فإنّ جعل الأذان حجّة لا دلالة له على جعل الظنّ كذلك ، وقد عرفت انّه لا دلالة على حجّية الخبر القولي الصريح أيضاً لأنّه لم يعلم انّ الأذان إنّما جعل حجّة لأجل كونه خبراً بل الظاهر خلافه .
ثمّ الظاهر انّ حجّية البيّنة وكذا أذان الثقة وأخباره على تقدير اعتبارهما إنّما هو فيما إذا كان المخبر به حسيّاً لا يتطرّق فيه احتمال الخطإ احتمالاً عقلائياً كالاخبار في
( الصفحه 264 )
المقام ببلوغ الفيء موضع كذا أو زيادة الظلّ بعد نقصانه أو ذهاب الحمرة المشرقية وتجاوزها عن قمّة الرأس أو حدسيّاً كذلك كقيام البيّنة على العدالة أو الاجتهاد أو ما يشابههما من الملكات المستكشفة من آثارها ، وامّا في غير هذه الصورة كما إذا اعتمد في زماننا على هذا على مثل الساعة فالظاهر عدم شمول أدلّة الحجّية لها كما لا يخفى .
المقام الثاني : في ذي العذر العامّ ، وقد أفتى في المتن بجواز التعويل على الظنّ فيه وهو المشهور ، بل عن التنقيح وغيره دعوى الإجماع عليه خلافاً لابن الجنيد فقال ـ على ما حكي عنه ـ ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلاّ عند تيقّنه الوقت ومال إليه صاحب المدارك .
ومستند المشهور روايات يستفاد منها ذلك عمدتها :
رواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ انّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأمطر ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه .
ونوقش فيها بضعف السند من جهة الراوي عن أبي الصباح وهو محمّد بن الفضيل بن الكثير الضعيف ولكن يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ استناد المشهور إليها سيما في الحكم الذي يكون مخالفاً للقاعدة لما عرفت من أنّ مقتضاها عدم جواز الاعتماد على غير العلم يكفي في انجبار الضعف ـ انّ مضمون هذه الرواية قد ورد في روايات معتبرة معمول بها عند الأصحاب كما يظهر بمراجعة الوسائل .
وامّا من حيث الدلالة فالظاهر انّ المراد من الظنّ هو معناه العرفي المقابل للشكّ والوهم واليقين واستعماله أحياناً بمعنى اليقين في الكتاب والسنّة كما في قوله تعالى :