( الصفحه 258 )
فيصلّي المغرب من غير أن يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة فإذا صلّى العتمة أفطر على شواء يؤتى به ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد ثمّ يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء ثمّ يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام انّ الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول إلى الحديث . وعدم دلالتها على المطلوب واضح .
الثالث : الأذان ، قال المحقّق في المعتبر : لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلّده لقوله (عليه السلام) : المؤذِّن مؤتمن ، ولأنّ الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به ، وعن الذخيرة الميل إليه ، ولكن المشهور خلافه ، بل نقل الإجماع على عدم جواز التعويل على غير العلم للمتمكّن والجمع بين هذا الإجماع وبين اعتبار البيّنة كما عن جماعة ، بل عن الذخيرة عليه الأكثر يقتضي أن يكون النظر في معقد الإجماع إلى القاعدة الأوّلية المستفادة من حكم العقل والروايات المتقدّمة المقتضية لإحراز الوقت بنحو اليقين ولا ينافي قيام أمارة معتبرة شرعية مقامه ، وعليه فلا دلالة لذلك على عدم حجّية الأذان عندهم إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الأذان مطلقاً أو في الجملة معتبراً لديهم لكان اللاّزم التصريح به لشدّة الابتلاء به وورود روايات كثيرة في مورده فعدم التعرّض يكشف عن عدم الاعتبار وعدم اعتنائهم بتلك الروايات أو حملها على ما لا ينافي القاعدة المذكورة .
وكيف كان فقد ورد أخبار مستفيضة ظاهرة في حجّية أذان المؤذِّن في الجملة :
كصحيحة ذريح المحاربي قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت .
والظاهر انّ المراد من هؤلاء المخالفون والتعليل المذكور في الرواية يحتمل أن يكون نكتة لجعل الحجّية والاعتبار الشرعي بأن يكون المراد انّ النكتة في حجّية
( الصفحه 259 )
الأذان شرعاً هو وثاقتهم وكونهم أشدّ شيء مواظبة للوقت ، ويحتمل أن يكون إرشاداً إلى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء من الاعتماد على الثقة في قوله وعمله ، وعليه لا تكون الرواية بصدد التعبّد ، بل إرشاد إلى حكم العقلاء وامضاء له في مورد الأذان فلابدّ من الاقتصار على خصوص مورد ثبوت حكم العقلاء .
وخبر عيسى بن عبدالله الهاشمي عن أبيه عن جدّه عن علي (عليه السلام) قال : المؤذِّن مؤتمن والإمام ضامن . وهي أوسع روايات الباب لأنّ الموضوع فيه هو مطلق المؤذِّن والظاهر انّ المراد من قوله مؤتمن هو جعل الايتمان الشرعي له وانّه في محيط الشريعة مؤتمن لا إرشاد إلى أنّه ينبغي بمقتضى الارتكاز العلائي أن يكون مؤتمناً والشاهد لما ذكر جعل العهدة والضمان على الإمام; لأنّه يتحمّل القراءة عن المأموم فهو ضامن لها إذا لم يتحقّق منه القراءة الصحيحة فكما انّ الضمان شرعي يكون الايتمان كذلك .
ورواية محمد بن خالد القسري قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخاف أن تصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس ، فقال : إنّما ذلك على المؤذنين . والظاهر انّ المراد من الصلاة التي أراد الإتيان بها هي صلاة الجمعة وإلاّ لما كان للتقييد بيوم الجمعة وجه ، وعليه فلا يبقى مجال للخوف; لأنّ الصلاة التي لابدّ وأن يؤتى بها جماعة في عدد مخصوص كيف يخاف من وقوعها قبل الزوال خصوصاً مع أهمّيها بمثابة لا يشابهها صلاة فمثل هذا السؤال لا يقع عادة إلاّ ممّن يكون في قلبه مرض الوسواس وعلى ذلك فلا يطمئن بصدور الجواب لبيان الحكم الواقعي الذي يؤخذ به في جميع الموارد ، بل الغرض هو رفع الوسوسة عنه بأنّ ذلك وهو الوقوع قبل الزوال أمر على عهدة المؤذِّن إلاّ أن يقال إنّ التعبير بذلك في مقام الجواب لو لم يكن حكماً واقعياً يلزم الاغراء بالجهل ووقوع السائل في خلاف الحكم الواقعي بلا وجه
( الصفحه 260 )
فالظاهر كون الجواب مسوقاً لبيان الحكم الواقعي .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت وأذّن المؤذِّن وقعد وأطال الجلوس حتّى شكّ فلم يدر هل طلع الفجر أم لا فظنّ انّ المؤذِّن لا يؤذِّن حتّى يطلع الفجر ، قال : أجزأ أذانهم (أذانه) ، والظاهر بملاحظة طرد الشكّ ثمّ الظنّ بعد الصلاة والجلوس الطويل انّ صلاته عقيب الأذان كانت لأجل حصول العلم له من ناحية الأذان ، وعليه فلا تكون الرواية من روايات المقام .
ومرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث : المؤذِّن له من كلّ من يصلّي بصوته حسنة . ولا إطلاق لها من جهة جواز الاعتماد على أذانه والصلاة بصوته لأنّها في مقام بيان مطلب آخر وهو ثبوت الحسنة للمؤذِّن من كلّ من يصلّي بصلاته كما لا يخفى .
ومرسلته الاُخرى قال : قال الصادق (عليه السلام) في المؤذِّنين انّهم الاُمناء . والمناقشة في السند مدفوعة بما مرّ مراراً من حجّية هذا القسم من مرسلات الصدوق الذي ينقل عن الإمام من دون واسطة ويسند إليه كذلك ، كما انّ الظاهر دلالتها على أنّ كلّ مؤذن مؤتمن شرعاً ويكون أذانه حجّة وأمارة معتبرة شرعية نظير رواية الهاشمي المتقدّمة .
ورواية بلال في حديث قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : المؤذِّنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزّوجلّ شيئاً إلاّ أعطاهم ولا يشفعون في شيء إلاّ شفعوا . والظاهر انّ المراد كونهم اُمناء من قبل الشارع للمؤمنين في صلاتهم وصومهم وحليّة لحومهم وحفظ دمائهم; لأنّ الأذان يكشف عن كون البلد بلد المسلمين والسوق سوقهم فيحلّ اللحم ويكون الدم غير
( الصفحه 261 )
مهدور .
ومرسلة المفيد قال : روى عن الصادقين (عليهما السلام) قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يغفر للمؤذِّن مدّ صوته وبصره ويصدقه كلّ رطب ويابس وله من كلّ من يصلّي بأذانه حسنة . والكلام فيه هو الكلام في مرسلة الصدوق الاُولى المتقدّمة .
ورواية سعيد الأعرج قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وهو مغضب وعنده جماعة من أصحابنا وهو يقول : تصلِّون قبل أن تزول الشمس قال : وهم سكوت ، قال : فقلت : أصلحك الله نصلّي حتّى يؤذِّن مؤذِّن مكّة؟ قال : فلا بأس امّا انّه إذا أذّن فقد زالت الشمس الحديث . ويحتمل أن يكون لمؤذِّن مكّة خصوصية موجبة لاعتبار أذانه فلا يستفاد منها الامارية لمطلق الأذان فتدبّر .
وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّ ابن مكتوم يؤذِّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال . ودعوى اختصاصها بالصوم ممنوعة جدّاً خصوصاً مع تعليل الفرق بأنّ ابن اُمّ مكتوم إنّما يؤذِّن بليل كما لا يخفى .
وفي مقابل هذه الروايات رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) المتقدّمة في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انّه يظنّ لمكان الأذان انّه طلع قال : لا يجزيه حتّى يعلم انّه قد طلع .
والجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة بعد حمل مطلقها على مقيّدها وقصر الحكم على مورد التعليل الوارد في بعضها المقتضى لاختصاص الحكم بالاعتبار بأذان الثقة العارف كما سيجيء يقتضي حمل رواية علي بن جعفر على عدم كون المؤذِّن كذلك لو لم نقل بظهورها في نفسها في ذلك لأنّ موردها صورة سماع الأذان فقط من دون أن يكون خصوصية المؤذِّن من جهة الوثاقة والمعرفة بالوقت معلومة
( الصفحه 262 )
وحصول الظنّ من الأذان كما هو المفروض في الرواية لا ينافي ذلك لظهورها في حصوله من ناحية نفس الأذان لا من جهة وصف المؤذِّن ففي الحقيقة مورد هذه الرواية الاعتماد على نفس الأذان بما هو أذان مفاد تلك الروايات اعتباره مع خصوصية في المؤذِّن فلا منافاة والحكم بعد الاجزاء في هذه الرواية إلى أن يعلم لا دلالة له على عدم اعتبار الأذان مطلقاً; لأنّ المراد من العلم هو الأعمّ منه ومن العلمي ولذا لا دلالة لها على عدم حجّية البيّنة في مسألة الوقت بحيث تكون الرواية مخصّصة لعمومات حجّية البيّنة كما هو ظاهر وقد يجمع بينها وبين الروايات باختصاص هذه بصلاة الصبح ولعلّ وجه الخصوصية عدم موافقة العامّة معنا في وقت الصبح فلا يكون أذانهم أمارة لدخول الوقت .
وكيف كان فالجمع الدلالي بين رواية علي بن جعفر وبين تلك الروايات في كمال الظهور إلاّ انّ الذي يوهن الأساس ما عرفت من عدم تعرّض الأصحاب لاعتبار الأذان بوجه وهو يكشف عن عدم حجّيته عندهم لكونه من المسائل التي تعمّ بها البلوى وقد وردت فيها روايات متكثّرة . وعليه فيقع الكلام في وجه عدم اعتمادهم على هذه الروايات وانّه هل كان ذلك لثبوت المعارض لها وقد عرفت إمكان الجمع بينه وبينها بل وضوحه أو كان لثبوت الخلل فيها للقرائن الموجودة عندهم الدالّة على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي ، بل صدرت تقية أو مثلها ولأجله ذكر الماتن ـ دام ظلّه ـ انّ الأحوط عدم الكفاية ، وعلى ما ذكرنا فالحكم في المسألة مشكل وللتوقّف فيها مجال .
ثمّ إنّك عرفت انّه على تقدير اعتبار الروايات المتقدّمة يكون مقتضى الجمع بينها هو اعتبار الأذان إذا كان المؤذِّن ثقة عارفاً بالوقت; لأنّ بعضها وإن كان ظاهراً في حجّية الأذان مطلقاً كإحدى مرسلتي الصدوق إلاّ انّ التعليل الوارد في صحيحة