( الصفحه 263 )
ذريح المحاربي بقوله (عليه السلام) : إنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت يقتضي قصر الحكم على ما إذا كان المؤذِّن ثقة وكان عارفاً بالوقت لأنّ شدّة المواظبة على الوقت تقتضي ذلك ، كما انّه حيث يكون موردها ومورد بعض الروايات الاُخر بل كثيرها أذان المخالفين فاللاّزم عدم اعتبار العدالة التي لا تكاد تجتمع مع عدم الايمان كما هو ظاهر .
وهل يعتبر إفادة أذانه للظنّ الفعلي بحيث يكون الحكم بالاعتبار دائراً مداره الظاهر العدم لعدم الدليل على اعتباره ، نعم لو قلنا بأنّ صحيحة ذريح إنّما تكون في مقام الإرشاد إلى ما هو مستمرّ عند العقلاء وقلنا باختصاص مورد السيرة بما إذا حصل الظنّ الفعلي بل الاطمئنان لكان اللاّزم الحكم باعتباره ولكن كلّ واحد من الأمرين خلاف الظاهر فتدبّر .
وممّا ذكرنا من عدم دوران الحكم بالاعتبار مدار الظنّ يستفاد بطلان استشهاد صاحب الحدائق بهذه الأخبار لكفاية الظنّ بدخول الوقت نظراً إلى أنّ غاية ما يفيد أذان المؤذِّن هو الظنّ وإن تفاوتت مراتبه شدّة وضعفاً باعتبار المؤذِّنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمها .
وجه البطلان انّ الحكم بكون الملاك في اعتبار أذان المؤذِّن الذي هو مفاد تلك الأخبار هو إفادته للظنّ ممّا لا يساعده دليل بل هو من مقولة قياس مستنبط العلّة الذي لا اعتبار به عندنا بوجه فإنّ جعل الأذان حجّة لا دلالة له على جعل الظنّ كذلك ، وقد عرفت انّه لا دلالة على حجّية الخبر القولي الصريح أيضاً لأنّه لم يعلم انّ الأذان إنّما جعل حجّة لأجل كونه خبراً بل الظاهر خلافه .
ثمّ الظاهر انّ حجّية البيّنة وكذا أذان الثقة وأخباره على تقدير اعتبارهما إنّما هو فيما إذا كان المخبر به حسيّاً لا يتطرّق فيه احتمال الخطإ احتمالاً عقلائياً كالاخبار في
( الصفحه 264 )
المقام ببلوغ الفيء موضع كذا أو زيادة الظلّ بعد نقصانه أو ذهاب الحمرة المشرقية وتجاوزها عن قمّة الرأس أو حدسيّاً كذلك كقيام البيّنة على العدالة أو الاجتهاد أو ما يشابههما من الملكات المستكشفة من آثارها ، وامّا في غير هذه الصورة كما إذا اعتمد في زماننا على هذا على مثل الساعة فالظاهر عدم شمول أدلّة الحجّية لها كما لا يخفى .
المقام الثاني : في ذي العذر العامّ ، وقد أفتى في المتن بجواز التعويل على الظنّ فيه وهو المشهور ، بل عن التنقيح وغيره دعوى الإجماع عليه خلافاً لابن الجنيد فقال ـ على ما حكي عنه ـ ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلاّ عند تيقّنه الوقت ومال إليه صاحب المدارك .
ومستند المشهور روايات يستفاد منها ذلك عمدتها :
رواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ انّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأمطر ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه .
ونوقش فيها بضعف السند من جهة الراوي عن أبي الصباح وهو محمّد بن الفضيل بن الكثير الضعيف ولكن يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ استناد المشهور إليها سيما في الحكم الذي يكون مخالفاً للقاعدة لما عرفت من أنّ مقتضاها عدم جواز الاعتماد على غير العلم يكفي في انجبار الضعف ـ انّ مضمون هذه الرواية قد ورد في روايات معتبرة معمول بها عند الأصحاب كما يظهر بمراجعة الوسائل .
وامّا من حيث الدلالة فالظاهر انّ المراد من الظنّ هو معناه العرفي المقابل للشكّ والوهم واليقين واستعماله أحياناً بمعنى اليقين في الكتاب والسنّة كما في قوله تعالى :
( الصفحه 265 )
}الذين يظنون انّهم ملاقوا ربّهم وإنّهم إليه راجعون{(1) . لا يوجب الحمل على خلاف ما هو ظاهر فيه مع عدم قرينة خصوصاً مع أنّ استعماله فيهما في مقابل العلم كثير جدّاً كما يظهر للمتتبّع فالمراد ما هو معناه الظاهر ، وامّا ورود الرواية في باب الصوم فلا دلالة له على الاختصاص لا لأجل عدم القول بالفرق ، بل لأجل انّ المستفاد من الرواية انّ الوظيفة فيما إذا كان هناك غيم هو الاعتماد على الظنّ وانّه طريق شرعي معتبر في هذه الصورة ولا فرق فيه بين أسباب حصوله ومقدّمات تحقّقه ، نعم لا ينبغي الارتياب في عدم اختصاص ذلك بخصوص ما إذا كان المانع العام هو الغيم ، بل يجري الحكم في جميع الأعذار العامّة كالرياح المظلمة ونحوها ، ودعوى انّ المستفاد من مثل الرواية هو اعتبار الظنّ مطلقاً ولو مع عدم ثبوت المانع أصلاً; لأنّ وروده في الغيم لا يقتضي الاختصاص كما عن صاحب المستند مدفوعة بعدم جواز التعدّي عن مورد الرواية خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من كون الحكم على خلاف القاعدة ، نعم قد عرفت عدم كون خصوصية الغيم من بين الأعذار العامّة دخيلة في الحكم على ما هو المتفاهم عند العرف ، وامّا إلغاء خصوصية العذر مطلقاً فلا شاهد عليه أصلاً فالرواية على ذلك تامّة من حيث السند والدلالة .
وما رواه الصدوق باسناده عن سماعة بن مهران انّه سأله عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم فقال : تجهد رأيك وتعتمد (تعمد) القبلة بجهدك . والظاهر انّ السؤال مسوق لبيان اشتباه الأوقات للصلوات المجعولة في الليل والنهار مع عدم رؤية الشمس والقمر والنجوم ولكنّه استظهر في محكي
( الصفحه 266 )
الحدائق أن يكون المراد هو الاجتهاد في القبلة وانّ العطف يكون تفسيرياً فلا تكون الرواية من المسألة في شيء .
أقول : ويبعد ما استظهره انّ المنساق من السؤال ليس إلاّ ما ذكرنا من اشتباه الأوقات عند عدم رؤية مثل الشمس والحمل على اشتباه القبلة يقتضي التخصيص بالسفر لأنّ تشخيص القبلة في الحضر لا يكون بسبب رؤية الشمس ونحوها لأنّ تشخيصها إنّما يكون غالباً بغيرها ولا يختلف فيه الرؤية وعدمها وحمل مورد السؤال على خصوص السفر في غاية البعد مع انّ الظاهر انّ مفروض السائل انّ ما كان معرفاً له من العلامات مفقودة وجواب الإمام (عليه السلام) على تقدير كون المراد اشتباه القبلة لا يناسب ذلك لعدم كون الاُمور المذكورة علامة لتشخيصها ، نعم يبقى الكلام في قوله (عليه السلام) : وتعمّد القبلة بجهدك والظاهر انّ المراد انّ تحصيل الرأي للوقت ينبغي أن يكون بالتوجّه إلى جانب القبلة لكون الشمس واقعة في جانبها والموانع عامّة جائية من قبلها نوعاً كالغيم ونحوه كما لا يخفى مع أنّ الالتزام بكونه ناظراً إلى بيان حكم اشتباه القبلة الذي لم يكن مورد السؤال لا ينافي دلالة الرواية على بيان حكم اشتباه الوقت .
ويدلّ على ما ذكرنا من كون محطّ نظر السائل خصوص اشتباه الوقت وقوع هذا السؤال بعينه في رواية سماعة مع صراحة الجواب في كون المراد منه هو اشتباه الوقت وهي ما رواه قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر فقال : تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ قال : نعم ، قال : إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال : فصلّه .
ويستفاد من هذه الرواية انّ ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها علامة لزوال الشمس وأمارة شرعية على تحقّقه ويدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن المختار قال :
( الصفحه 267 )
قلت للصادق (عليه السلام) : إنّي مؤذِّن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة . والتخصيص بالزوال ليس لأجل اختصاص الحكم به فإنّ الظاهر عمومية الحكم وإنّ ارتفاع أصواتها علامة لدخول الوقت مطلقاً كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : تعلّموا من الديك خمس خصال محافظته على أوقات الصلاة والغيرة والسخاء والشجاعة وكثرة الطروقة .
والمستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا المقام انّه مع ثبوت العذر العام يكون صياح الديك وارتفاع أصواتها أمارة شرعية على دخول الوقت والظاهر انّه لا فرق فيها بين حصول الظنّ منها وعدمه ، كما انّ مطلق الظنّ من أي طريق حصل يكون كذلك ، نعم رواية مهران الدالّة على وجوب الاجتهاد في تحصيل الوقت ظاهرة في تحصيل المراتب العالية مع إمكانها لأنّه معنى الجهد والاجتهاد فاللاّزم ـ حينئذ ـ الاقتصار على الظنّ القوي إن أمكن وإلاّ فما دونه .
المقام الثالث : في ذي العذر الخاص كالمحبوس والأعمى ونحوهما والظاهر انّه لا دليل فيه على جواز الاقتصار على الظنّ; لأنّ مورد الروايا المتقدّمة هو العذر العام وإلغاء الخصوصية بدعوى كون المراد مطلق العذر لم يقم عليه دليل ولا يساعده فهم العرف بعد كون الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للزوم تحصيل العلم بدخول الوقت وإحراز الشرط فلا يجوز له ترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخول الوقت . هذا تمام الكلام في مبحث الأوقات .