( الصفحه 274 )
أقول : امّا ما أفاده بالإضافة إلى الذيل المشتمل على كلام الإمام (عليه السلام) فهو تام لا خدشة فيه لظهوره في أنّه لم يكن غرض الإمام (عليه السلام) مجرّد تكرار كلام النبي (صلى الله عليه وآله) أو توضيحه بأمر لا حاجة إلى التوضيح به بل غرضه بيان الحكم وتفسير مراد النبي وإنّ الحكم بالجواز فيما يحلّ له قيد آخر هو التذكية والحكم بعدم الجواز فيما لا يحلّ عام ثابت لصورة التذكية وعدمها فالذيل إنّما هو مسوق لإفادة إناطة الجواز بالتذكية التي لا يستفاد من كلام النبي لاطلاقه كما انّه مسوق لإثبات الإطلاق في ناحية غير المأكول .
وامّا ما أفاده بالإضافة إلى الصدر فيمكن المناقشة فيه بأنّ جعل الغاية هي الصلاة في غيره مع التصريح بقوله : ممّا أحلّ الله أكله ظاهر في الشرطية ضرورة انّه لم تكن حاجة إلى التصريح بهذا القول خصوصاً مع كونه موهماً للخلاف ، وامّا كون الموضوع اسم الإشارة الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فلا دلالة له على المانعية ضرورة انّ تلك الصلاة مع وصف كونها واقعة فيما لا يؤكل لا يمكن أن تقع صحيحة من دون فرق بين المانعية والشرطية فاللاّزم الالتزام بكون مرجع الضمير هي الصلاة التي أراد المكلّف إتيانها في الخارج امتثالاً للأمر المتعلّق بها ، وعليه فلا فرق بين هذا التعبير وبين التعبير الذي اعترف بدلالته على الشرطية فتدبّر .
ثانيهما : ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في تقريرات بحث صلاته من أنّ قوله (صلى الله عليه وآله) في الموثقة : لا تقبل تلك الصلاة . . . مسوق لبيان حكم تأسيسي وهو عدم الاجزاء إذا وقعت الصلاة في غير المأكول نسياناً أو جهلاً نظراً إلى أنّ المشهور أفتوا بذلك في النسيان مع انّ حديث لا تعاد يقتضي الصحّة وليس لهم دليل ظاهر إلاّ هذا القول في الموثقة ووجه دلالته عليه مضافاً إلى أنّ التأسيس خير من التأكيد كلمة «تلك» الواقعة فيه لأنّ الظاهر كونها إشارة إلى الصلاة الواقعة في الخارج في غير
( الصفحه 275 )
المأكول خصوصاً بقرينة قوله : حتّى يصلّي في غيره إذ لو لم تكن صلاة في الخارج لما كان التعبير بالإشارة وجه ولما كان الحكم بعدم القبول مغيّى بوقوعها في غير المأكول ، بل الحكم بعدم القبول أبدي ما لم ينسخ فالتعبير بـ «تلك» وجعل الوقوع في غير المأكول غاية لعدم القبول قرينتان على أنّه في مقام بيان حكم آخر وهو عدم اجزاء ما وقع في غير المأكول فالعموم المستفاد من حديث لا تعاد مخصّص بصورة النسيان في المقام .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ تفسير الرواية بذلك مخالف لما هو ظاهرها ـ إنّ فرض وقوع الصلاة في أجزاء غير المأكول نسياناً أو جهلاً إنّما يصحّ لو كان دليل المانعية واقعاً قبل ذلك بحيث كانت المانعية معلومة للمكلّف مبيّنة في برهة من الزمان وقد وقع التخلّف بعده للنسيان أو الجهل ، امّا لو كان دليل المانعية متّصلاً بهذا ولم يقع بينهما فصل زماني لا مجال لهذا الفرض أصلاً كما لا يخفى ، مع أنّ الصلاة في المأكول لا تصحّ أن تجعل غاية لعدم القبول للصلاة في غيره لأنّها على هذا التقدير فاسدة مطلقاً سواء أتى بصلاة صحيحة أم لا ، فالإنصاف انّ هذا التفسير ممّا لا يمكن الالتزام به بل الظاهر انّ هذا القول بيان للخبر الأوّل ، غاية الأمر انّ تفسير الصلاة في الغير بالصلاة فيما أحلّ الله أكله مشعر بل ظاهر في الشرطية كما عرفت .
ثانيتهما : رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكياً ، قلت : أوليس الذكي ممّا (ما ـ ظ) ذكى بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم ، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب . وتقريب دلالتها على الشرطية بوجهين :
( الصفحه 276 )
أحدهما : أن يقال : إنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الجواب الثاني : إذا كان ممّا يؤكل لحمه راجع إلى الجواب الأوّل ويكون تتمّة له حقيقة ، غاية الأمر انّ مبادرة الراوي إلى السؤال الثاني وعدم إمهاله الإمام (عليه السلام) لإتمام الجواب الأوّل أوجب وقوعه عقيب الجواب الثاني الذي هي كلمة «بلى» فقط وعليه فكما انّ الجواب الأوّل ظاهر في اشتراط التذكية التي هي أمر وجودي كذلك ظاهر في اشتراط المأكولية لعدم الفرق بينها وبين التذكية من هذه الجهة .
ثانيهما : أن يقال : إنّ ذلك القول تتمّة للجواب الثاني وظاهر في اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية كاعتبار كونها بالحديد ، وعليه فكلّما له دخل في حقيقة التذكية تكون دخالته في الصلاة بنحو الشرطية لأنّ مدخلية التذكية تكون بهذه الصورة على ما دلّ عليه صدر الرواية .
ويرد على الوجه الأوّل وضوح كونه مخالفاً للظاهر لأنّ الظاهر كونه تتمّة للجواب الثاني مضافاً إلى أنّه على تقدير كونه مرتبطاً بالجواب الأوّل لكان اللاّزم ذكر كلمة العطف بدل «إذا» كما لا يخفى .
وعلى الوجه الثاني انّ لازمه عدم جريان التذكية في غير ما يحلّ أكل لحمه بوجه مع أنّه مخالف للفتاوى والنصوص الدالّة على ثبوت القابلية في غيره أيضاً اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المراد هو مدخلية المأكولية في التذكية التي يترتّب عليها جواز الصلاة ، وامّا سائر الآثار فلا دخل لها فيما تترتّب عليه ولكنّه أيضاً ارتكاب خلاف الظاهر مضافاً إلى أنّ المأكولية قد تكفي بمجرّدها من دون افتقار إلى التذكية كما في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة .
ثمّ لو قلنا بدلالة الرواية على الشرطية فذيلها المشتمل على تعليل عدم البأس بالصلاة في السنجاب ظاهر في المانعية لأنّ تعليل الصحّة بأمر عدمي وهو عدم
( الصفحه 277 )
كون السنجاب آكلاً للّحم وممّا نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظاهر في مانعية وجود ذلك الأمر وإلاّ لكان اللاّزم التعليل بثبوت أمر وجودي كما هو شأن الشرائط .
وقد انقدح ممّا ذكرنا في هذه الجهة إشعار بعض الروايات بل دلالته على الشرطية ودلالة أكثرها على المانعية .
الجهة الثانية : في إمكان الالتزام بالشرطية وعدمه وتفصيله انّ القائل بالشرطية إن كان مراده انّه يعتبر في صحّة الصلاة أن يكون اللباس من أجزاء ما يؤكل لحمه بحيث كان اللاّزم تحصيل هذا الشرط فيدفعه قيام الإجماع بل الضرورة على جواز الصلاة في مثل القطن والكتان ممّا لا يكون من أجزاء الحيوان رأساً .
وإن كان مراده انّ المأكولية كناية عن أحد الأضداد الوجودية بمعنى انّه يشترط في لباس المصلّي أن يكون امّا من أجزاء ما يحلّ أكله من الحيوان ، وامّا من أجزاء غير الحيوان كالقطن والكتان ، فالشرطية هي الشرطية التخييرية والدليل على ثبوتها أدلّة الشرطية بضميمة الإجماع والضرورة المذكورة .
فيرد عليه انّ غاية مفاد الإجماع والضرورة ثبوت الجواز في القطن والكتان لا كونه عدلاً وطرفاً للشرطية التخييرية ومن المعلوم انّ الجواز أمر والشرطية أمر آخر فالصلاة في الألبسة المتعدّدة جائزة ولكن الشرط هو وجود الساتر .
وإن كان مراده هي الشرطية المعلّقة بمعنى انّه يعتبر في اللباس أن يكون من أجزاء المأكول إذا كان حيواناً كما حكى عن العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في منظومته ومن تبعه فيرد عليه انّ التقييد إنّما يصحّ في مورد يصحّ فيه الإطلاق وكذا العكس ، ومن الواضح عدم إمكان فرض الإطلاق في المقام ضرورة انّه لا يعقل تحقّق هذا الأمر مع عدم كونه من أجزاء الحيوان فلا يصحّ أن يقال باعتباره سواء كان من أجزاء الحيوان أم لم يكن ومع عدم إمكان الإطلاق لا معنى للتقييد فيرجع اعتباره إلى
( الصفحه 278 )
اعتبار أمر خال عن التعليق ويرد عليه ـ حينئذ ـ ما ذكر من كونه مخالفاً للإجماع والضرورة كما مرّ فانقدح انّه لا يصحّ الالتزام بالشرطية في المقام .
الجهة الثالثة : في أنّه على تقدير إمكان الالتزام بالشرطية أيضاً فهل يمكن الجمع بينها وبين المانعية كما عرفت الالتزام به من صاحب الجواهر (قدس سره) أوّلاً والظاهر هو الثاني ، امّا أوّلاً فلأنّ رتبة الشرط إنّما تكون متقدّمة على رتبة المانع لأنّ الشرط له دخل في تأثير المقتضى والسبب والمانع ما يمنع ويحول بين المقتضى وأثره ففي مورد عدم تحقّق المقتضى ـ بالفتح ـ مع وجود المقتضي ـ بالكسر ـ بلاحظ أوّلاً انّ الشرط هل يكون موجوداً فإذا لم يكن موجوداً يكون العدم مستنداً إلى عدم تحقّق الشرط وإذا كان موجوداً تصل النوبة إلى وجود المانع واستناد العدم إليه فاستناد العدم إلى عدم الشرط ووجود المانع ليس في رتبة واحدة ، وعليه فمع فرض كون الاعتبار في المقام بنحو الشرطية ولازمه انتفاء المشروط مع انتفاء الشرط لا تصل النوبة إلى استناد العدم إلى وجود المانع أصلاً فجعل المانعية لا يترتّب عليه فائدة بوجه .
وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير اتحاد الرتبة وعدم ثبوت التقدّم والتأخّر لا معنى أيضاً للجمع بين الاعتبارين لاستلزامه اللغوية وعدم ترتّب الأثر لأنّه مع أحد الاعتبارين يتحقّق ما هو المقصود في البين ولا يبقى حاجة إلى الاعتبار الآخر وتشريعه فالجمع بين الشرطية المانعية ممّا لا سبيل إليه .
الجهة الرابعة : في أنّه بعد عدم إمكان الجمع بين الشرطية والمانعية ولزوم الالتزام بأحد الاعتبارين لابدّ من ملاحظة انّ الروايات الواردة هل يكون ظهورها في المانعية أقوى أو العكس أو لا تكون اقوائية في البين والظاهر بعد ملاحظة ما عرفت هو الأوّل لأنّه ظهر لك انّ ظهور الروايات في المانعية غير قابل