( الصفحه 298 )
بالصلاة في اللباس المشكوك لا يعلم بحصول الشرط فلا يعلم بتحقّق المشروط وهذا من دون فرق بين أن نقول برجوع الشرائط الشرعية إلى شرائط العقلية كما اختاره المحقّق الخراساني (قدس سره) وبين أن نقول بأنّ الشرطية والمانعية إنّما تنتزعان من تقييد المأمور به بوجود شيء أو بعدمه فإنّه على كلا المذهبين لابدّ من إحراز وجود القيد بعد كونه أمراً واحداً مبيّناً مفهوماً» .
ويرد عليه مضافاً إلى ما عرفت من أنّ عدم الطبيعة لا يكون إلاّ كوجودها ، فكما انّ وجودات الطبيعة متعدّدة متكثّرة كذلك اعدام الطبيعة فإنّها أيضاً متعدّدة فعدم الطبيعة بعدم زيد يغاير عدمها بعدم عمرو وهكذا ولا مانع من اتصاف الطبيعة في أنّ واحد بالوجود والعدم معاً كاتصافها بالسواد والبياض وبالطول والقصر وغيرهما من المتضادين وإلى أنّ التقيّد بالعدم الراجع إلى شرطية العدم غير معقول فإنّ الشرطية من الأوصاف الوجودية المفتقرة إلى موصوف متحقّق والعدم ليس بشيء حتّى يتصف بالشرطية ويؤثّر في تأثير السبب والمقتضى ، انّه على تقدير إمكانه خلاف ظاهر الأدلّة الواردة في الصلاة في أجزاء غير المأكول فإنّ ظاهرها كما عرفت في بعض الجهات المتقدّمة ثبوت المانعية التي هي أيضاً أمر وجودي معروضها وجود المانع ومرجعها إلى كونه حائلاً بين الطبيعة المأمور بها وبين وجودها ويمنع عن تحقّقها في الخارج ، والتعبيرات التي يستفاد منها المانعية بين ما ظاهره النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه وبين ما ظاهره الحكم بالفساد في الصلاة في أجزائه وبين ما ظاهره نفي الجواز الظاهر في الحكم الوضعي الراجع إلى الفساد .
امّا ما يدلّ على النهي فحكمه حكم النواهي الواردة في التكاليف النفسية من جهة جريان البراءة في الشبهات الموضوعية فكما انّ قوله : «لا تشرب الخمر» مع
( الصفحه 299 )
كونه حكماً واحداً وهو الزجر عن وجودات الطبيعة ، غاية الأمر له إطاعات متعدّدة وعصيانات متكثّرة لا ينافيه جريان البراءة في الشبهة الموضوعية لعدم تمامية الحجّة المتوقّفة على ثبوت الكبرى والصغرى معاً وليس المراد من البيان في القاعدة هو خصوص البيان الذي يكون من وظيفة المولى بل الحجّة المتوقّفة على ما ذكر كذلك قوله (عليه السلام) : «لا تصلّ في جلد ما لا يؤكل لحمه» زجر واحد عن وجودات الطبيعة ويجري فيه جميع ما ذكر والفرق إنّما هو في النفسية والغيرية وانّ الزجر عن وجود الشرب إنّما هو لجهة في نفسه وعن الصلاة في أجزاء غير المأكول إنّما هو لجهة فيها كما لا يخفى فلا فرق في جريان البراءة العقلية بينهما أصلاً .
وامّا ما يدلّ على الفساد فحكمه حكم النهي ، بل أظهر لاحتمال كونه من القضايا الحقيقية الموجبة للانحلال إلى التكاليف المتعدّدة حسب تعدّد وجودات الموضوع وعليه فيصير جريان البراءة في مورد الشكّ أوضح لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في حكم مستقلّ على ما هو المفروض .
ثمّ إنّه على تقدير تسليم كون المانعية منتزعة من تقييد المأمور به بعدم شيء فهل تجري البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية للمانع أم لا؟ صريح المحقّق النائيني (قدس سره)الأوّل حيث إنّه بعد بيان انّ قيدية العدم في المقام تتصوّر على وجوه ثلاثة :
أحدها : أن يكون القيد نعتاً عدمياً مساوقاً لمحمول المعدولة .
ثانيها : أن يكون من باب سلب المحصل لكن بنحو يكون السلب الكلّي بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع قيداً واحداً .
ثالثها : أن يكون من هذا الباب لكن بنحو يكون منحلاًّ إلى عدم وجود كلّ فرد وكان القيد آحاد ذلك العدم ، قال ـ بعد استظهار الوجه الثالث من الأدلّة الواردة في الباب ـ ما ملخّصه : إنّه أيّ فرق يعقل بين موضوعية الخمر لحرمة شربه وبين
( الصفحه 300 )
موضوعية المانع لتقيد الصلاة بعدم وقوعها فيه فكما تجري البراءة في الأوّل على ما عرفت لا ينبغي الإشكال في جريانها في الثاني .
وأورد عليه سيّدنا الاستاذ (قدس سره) بعد حمل الوجه الثاني على خلاف ظاهره والدالّ على أنّ المانع هو مجموع وجودات الموضوع لا كلّ فرد منها فيستلزم عدم تحقّق المانع في زمان أصلاً وكذا صحّة الصلاة فيما إذا صلّى في بعض أفراده وإنّ المراد منه هو كون نفس السلب الكلّي قيداً واحداً ـ بأنّ المستفاد من الأدلّة المانعة انّ المطلوب للشارع هو عدم وقوع الصلاة في شيء من أجزاء غير المأكول والعدم أمر واحد عند اعتبار العقل بخلاف الوجود فإنّ الطبيعة توجد بوجود فرد ما ولا تنعدم إلاّ بعدم جميع الافراد فالقيد أمر واحد لابدّ من العلم بتحقّقه وحصول اليقين بوجوده فلا مجال لجريان البراءة في صورة الشكّ .
أقول : قد ذكرنا انّ الاعدام تتكثّر حسب تكثّر الوجودات وان كون القيد أمراً واحداً لا يقدح في جريان البراءة العقلية أصلاً مضافاً إلى ظهور بعض الروايات في كون الحكم ثابتاً في المقام على نحو القضية الحقيقية مع أنّ حمل الوجه الثاني في كلامه (قدس سره) على خلاف ظاهره لا وجه له بعد كونه في مقام التصوير بحسب الثبوت لا مقام الاستظهار من الأدلّة والإثبات كما لا يخفى هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بجريان البراءة العقلية في المقام .
جريان البراءة الشرعية في المقام
من الأخبار الدالّة عليها حديث الرفع المعروف واشتهاره بين الأصحاب يغني عن التكلّم في سنده مع أنّه ظاهراً من الصحاح وتقريب الاستدلال به للمقام من وجوه :
الأوّل : ما احتمله الشيخ الأعظم (قدس سره) في الرسالة من أنّ قرينة السياق تقتضي أن
( الصفحه 301 )
يكون الموصول في قوله (عليه السلام) : رفع ما لا يعلمون إشارة إلى خصوص الموضوعات الخارجية التي تعلّق الجهل بها بعناوينها التي تكون بها متعلّقات للأحكام اللزومية الشرعية فيختصّ بالشبهات الموضوعية ولا يعمّ الشبهات الحكمية فكلّ موضوع كان عنوانه المتعلّق للحكم مجهولاً فهو مرفوع ، واسناد الرفع إليه مع ظهور قوله (صلى الله عليه وآله) : «رفع عن اُمّتي» في الرفع التشريعي وعدم معقولية اسناده إلى الموضوعات الخارجية إنّما هو باعتبار الأثر المترتّب على المرفوع في صورة الجهل ، وفي المقام نقول : مانعية هذا اللباس الذي لا يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مرفوعة بلسان رفع موضوعها وهو اللباس فتصحّ الصلاة فيه لعدم كونه مانعاً ومبطلاً لها وهذا من دون فرق بين أن نقول بانحلال المانعية المجعولة في المقام إلى مانعيات متعدّدة حسب تعدّد أجزاء غير المأكول وافراده ـ كما اختاره بعض الأعلام واستظهرناه من بعض أدلّة الباب على ما مرّ ـ وبين أن نقول بعدم الانحلال بلحاظ كون بعض الروايات بصورة النهي وهو تكليف واحد له إطاعات متعدّدة وعصيانات متكثّرة من دون فرق بين أن يكون نفسياً أو غيرياً وذلك لأنّه على تقدير عدم الانحلال يكون مرجع رفع الموضوع الذي يكون عنوانه مجهولاً إلى رفع أثره وعدم كونه عصياناً لذلك النهي فتدبّر .
الثاني : تعميم الموصول لكلتا الشبهتين الموضوعية والحكمية نظراً إلى أنّ الموصولات موضوعة للإشارة إلى جميع ما ثبتت له الصلة فكلّ شيء كان مجهولاً بنفسه أو بعنوانه الموضوع للحكم فهو مرفوع برفع نفسه أو رفع آثاره وأحكامه فباعتبار شمول الموصول للشبهات الموضوعية يصحّ الاستدلال بالحديث لرفع المانعية في المقام بالتقريب المتقدّم في الوجه الأوّل ومبنى هذا الوجه عدم كون وحدة السياق مقتضية للاختصاص بالشبهات الموضوعية ، بل كون وحدته موجبة
( الصفحه 302 )
للحمل على العموم لأنّ عدم تحقّق الاضطرار في الأحكام وكذا الإكراه ومثله لا يوجب تخصيص ما لا يعلمون ، بل مقتضى السياق إرادة العموم من هذا الموصول كإرادته من اخواته ، غاية الأمر انّ عموم الموصول إنّما يكون بملاحظة سعة متعلّقه وضيقه فقوله : «ما اضطروا إليه» اُريد منه كلّ ما اضطرّ إليه في الخارج ، غاية الأمر انّه لا يتحقّق الاضطرار بالإضافة إلى الحكم بوجه فمقتضى اتحاد السياق أن يراد من قوله : «ما لا يعلمون» أيضاً كلّ فرد من أفراد هذا العنوان ألا ترى انّه لو قيل : ما يرى وما يؤكل في قضية واحدة لا يوجب انحصار أفراد الثاني في الخارج ببعض الأشياء وتضيق دائرته تخصيص الأوّل أيضاً بذلك البعض كما هو ظاهر .
الثالث : دعوى اختصاص الموصول بما إذا كان الحكم مجهولاً غاية الأمر تعميم الحكم بالإضافة إلى الأحكام الكلّية المجعولة المجهولة في الشبهات الحكمية والأحكام الجزئية المجهولة في الشبهات الموضوعية .
ومبنى هذه الدعوى ـ مضافاً إلى أنّ اسناد الرفع إلى الحكم اسناد إلى ما هو له والحديث ظاهر في الاسناد إلى نفس الموصول ـ انّ حمل الموصول على الموضوع الخارجي بلحاظ اتحاد السياق يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة اُخرى فإنّ الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروضاً لوصف عدم العلم كما في غيره من العناوين كعنواني الاضطرار والاكراه فإنّهما يتعلّقان بنفس الفعل ويوجبان اتصافه بوصفي المضطرّ إليه والمكره عليه مع أنّ تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور لعدم كون الفعل بنفسه معروضاً للجهل وإنّما المعروض له هو عنوانه و ـ حينئذ ـ يدور الأمر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه وبين حفظه من جهة اُخرى بحمله على إرادة الفعل ولا ريب انّ الترجيح مع الأوّل بنظر العرف .