( الصفحه 313 )
أحد اُمور :
الأوّل : استمرار سيرة العقلاء عليه وانّ بنائهم على العدم عند الشكّ من دون لحاظ الحالة السابقة .
والجواب عنه منع الصغرى والكبرى معاً لعدم ثبوت السيرة على ما ذكر وإن قيل بثبوتها في بعض الموارد النادرة كما في باب الأنساب وعدم حجّيتها على تقدير ثبوتها لاحتياجها إلى دليل الإمضاء وهو لم يثبت .
الثاني : كون العدم أولى بالماهية من الوجود لأنّه يكفي في استمراره وعدم انقطاعه عدم حدوث علّة الوجود فالعدم أولى .
والجواب عنه واضح لأنّ تساوي نسبة الممكن وماهيته إلى طرفي الوجود والعدم وعدم ثبوت مزية لأحدهما بوجه تمنع عن ثبوت الأولوية ومجرّد كون علّة العدم هي عدم علّة الوجود لا توجب ثبوتها كما هو ظاهر .
الثالث : تنزيل أدلّة الاستصحاب على هذا الأصل لا عليه بتقريب أن يقال : إنّ المراد من الشكّ في قوله (عليه السلام) : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» ليس الشكّ الذي تعلّق بما تعلّق به اليقين وهي الطهارة ، بل المراد هو الشكّ في وجود الحدث الناقض لها ، فالمعنى ـ حينئذ ـ انّه لا يضرّ الشكّ في وجود الحدث لأنّه يبنى على عدمه فيؤخذ بمقتضى اليقين السابق فهو ـ أي اليقين السابق ـ ليس له دخل في جريانه ، بل الرجوع إليه من باب انّه إذا وجب البناء على عدم حدوث الحادث فالواجب الرجوع إلى الحالة السابقة .
والجواب عنه ما حقّق في محلّه من ظهور النهي عن نقض اليقين بالشكّ في مدخلية اليقين وركنيته في الحكم وهو لا ينطبق إلاّ على الاستصحاب .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ أصالة العدم لاتكون أصلاً مستقلاًّ معتبراً ، بل
( الصفحه 314 )
المعتبر في جريانها وجود شرائط الاستصحاب وعمدتها ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة فالحكم بابتناء المسألة على الشرطية والمانعية كما عرفت من الجواهر غير تامّ .
وامّا الاستصحاب فلابدّ قبل البحث عن جريانه من ملاحظة مقدّمة وهي انّ المانعية الشرعية المجعولة بالإضافة إلى أجزاء غير المأكول وهي كما عرفت أمر وجودي ووصف ثبوتي من دون أن يرجع إلى قيدية العدم ومدخليته في المأمور به كمدخلية وجود الشرائط فيه هل يكون موضوعها ثبوت حالة للمصلّي في ظرف الصلاة وهو كونه لابساً لأجزاء غير المأكول ، فالمانع وصف المصلّي في ظرفها كاعتبار كون المصلّي طاهراً من الحدث والخبث في مسألة شرطية الطهارة .
أو انّ موضوعها ثبوت وصف للّباس بمعنى انّ اتصاف اللباس بكونه من أجزاء غير المأكول مانع شرعاً عن الصلاة وصحّتها نظير الشرائط المعتبرة فيها من جهة الزمان والمكان الراجعة إلى كون ما يصلّى فيه أو عليه يلزم فيه كذا وكذا .
أو انّ موضوعها ثبوت وصف لنفس الصلاة بمعنى انّ اتصاف الصلاة بكونها واقعة في غير المأكول بحيث كان غير المأكول ظرفاً لها مانع عن تحقّقها واتصافها بالصحّة .
فإن كانت المانعية المجعولة في المقام بالنحو الأوّل فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه; لأنّ المصلّي قبل لبسه لهذا اللباس المشكوك كان غير لابس لأجزاء غير المأكول قطعاً وبعد لبسه له يشكّ في انتفاء هذه الصفة ومقتضى الاستصحاب بقائها فالآن كما كان من عدم كونه لابساً لشيء من أجزائها ، نعم يعتبر في جريان هذا الاستصحاب ـ مضافاً إلى القول بجريان الاستصحاب في الأحكام العدمية كجريانها في الأحكام الثبوتية لأنّ مجرّد كون الحكم بالثبوت
( الصفحه 315 )
باختيار الشارع وبيده يكفي في جريانه بالإضافة إلى العدم ـ عدم اختصاص جريانه بما إذا كان المستصحب موضوعاً للأثر مستقلاًّ بل يجري فيما إذا كان جزء لموضوعه أو دخيلاً فيه ولو بنحو المانعية فالاستصحاب على هذا النحو ممّا لا مانع منه .
وإن كانت المانعية بالنحو الثاني وهو ما كان موضوعها خصوصية في اللباس فلا مجال لجريان الاستصحاب لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة فإنّ اللباس من أوّل وجوده كان مشكوكاً فيه ، نعم يجري الاستصحاب بناء على هذا الوجه في بعض فروع المسألة وهو ما إذا شكّ في تلطّخ لباسه غير المشكوك بأجزاء غير المأكول ومصاحبته معها ـ بناء على بطلان الصلاة في صورة التلطّخ بها كما قوّيناه سابقاً ـ فإنّه يجري ـ حينئذ ـ استصحاب عدم التلطخ وعدم المصاحبة كما لايخفى .
وإن كانت المانعية بالنحو الثالث فلا مجال أيضاً لجريان الاستصحاب فيه لما ذكر من عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة والظاهر انّ المستفاد من أدلّة المانعية في المقام هو هذا النحو فإنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة الدالّة على فساد الصلاة في وبر كلّ ما يحرم أكله وكذا في سائر أجزائه ظاهرة في أنّ الفساد ناش من وقوع الجزء المذكور ظرفاً للصلاة فاتصافها بكون ظرفها وبر غير المأكول موجب للفساد ومانع عن الصحّة وكذا ما يدلّ على النهي عن الصلاة في جلد غير المأكول ظاهر في أنّ المانع هو اتصاف الصلاة بوقوعها في جلده فالمانع بحسب ظاهر الأدلّة هو الوصف والخصوصية المتحقّقة في الصلاة وهو ليس له حالة سابقة لعدم العلم بهذا الوصف بالإضافة إلى الصلاة المشكوكة في زمن من الأزمنة ، نعم ربّما يقرّر الاستصحاب بناء على هذا الوجه بوجوه :
الأوّل : أن يقال إنّ الصلاة حينما لم تكن موجودة لم تكن في أجزاء غير المأكول
( الصفحه 316 )
فهذه القضية السالبة بانتفاء الموضوع المستلزم لانتفاء المحمول كانت متيقّنة قد شكّ في بقائها بعد تحقّق الموضوع فلا مانع من استصحابها ويترتّب عليه انتفاء المحمول وهو المطلوب .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا تبعد دعوى انّ القضية السالبة بانتفاء الموضوع مغايرة عرفاً للقضية السالبة بانتفاء المحمول ومجرّد اتحادهما لفظاً وصورة لا يوجب اتحادهما حقيقة ومع المغايرة لا مجال للاستصحاب للزوم اتحاد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ـ انّ استصحاب الحالة الصادقة مع انتفاء الموضوع وان كان صحيحاً من حيث وجود الحالة السابقة إلاّ انّ تطبيق تلك الحالة على الحالة اللاّحقة المشروطة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل فيصير ـ حينئذ ـ من الاُصول المثبتة التي لا نقول بها .
الثاني : انّ العدم النعتي وإن كان موضوعاً في أدلّة غير المأكول إلاّ انّه لا ينافي جريان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم الأزلي وتوضيحه يتوقّف على بيان مقدّمتين :
الاُولى : انّ معنى أخذ العام موضوعاً للحكم هو ملاحظته مع جميع الحالات الطارئة فمرجع قوله : أكرم العلماء إلى قوله : أكرم العلماء سواء كانوا عدولاً أم لا ، وسواء كانوا هاشميين أم لا ، وسواء كانوا كذا وكذا أم لا ، فكلّ واحد من هذه الصفات ملحوظة مع نقيضها في مقام الحكم .
الثانية : انّه إذا دلّ الدليل على خروج بعض تلك العوارض عن حكم العام تكون بقية العوارض والعناوين داخلة فيه بلا لزوم تعنونه بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاص الخارج عنه فإذا شكّ في صدق عنوان الخاص على فرد ولم تكن له حالة سابقة وكان لبعض العناوين الباقية حالة سابقة يستصحب ذلك العنوان ويحكم
( الصفحه 317 )
عليه بحكم العام ففي مثل قوله : «كلّ امرأة ترى دم الحيض إلى خمسين» يكون مفاده ثبوت هذا الحكم على جميع العناوين سواء كانت المرأة قرشية أو كانت غير قرشية على نحو مفاد كان الناقصة أو كانت المرأة التي لم توجد بينها وبين قريش نسبة أو لم توجد بينها وبين غير قريش نسبة على نحو مفاد ليس التامّة فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه ورفع مفاد كان الناقصة ليس خصوص ليس الناقصة بل أعمّ منها ومن ليس التامّة فإذا دلّ الدليل على خروج القرشية وانّها ترى الدم إلى ستّين لم يكن خروجها موجباً لتعنون العام ، بل مقتضاه خروج هذا العنوان وبقاء البقية تحت العام فإذا شكّ في كون المرأة قرشية أم لا فإنّه وإن لم تكن له حالة سابقة على نحو مفاد كان الناقصة إلاّ انّه لا ينافي إحراز عدم القرشية على نحو «ليس التامّة» باستصحاب العدم الأزلي والمفروض بقاء هذا العنوان تحت العام فيشمله حكمه وهكذا الكلام في المقام .
ويرد على هذا الوجه ـ مضافاً إلى إمكان منع كلتا المقدّمتين لأنّ مرجع العموم إلى ملاحظة جميع الأفراد بعنوان كونها من مصاديق العام فقط لا إلى ملاحظة جميع العناوين والحالات الطارئة فالعالم العادل ملحوظ بما انّه عالم وكذا العالم الهاشمي لا بما انّهما عالم عادل وعالم هاشمي ، بل يمكن دعوى عدم معقولية ملاحظة الحالات المتضادّة في موضوع الحكم بحيث كان لكلّ حالة مدخلية في ترتّب الحكم وثبوت الأثر وكذا مرجع التخصيص إلى تعنون العام بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاصّ فإنّه وإن لا يكون مستلزماً للمجازية الموجبة لاستعمال العام من الأوّل في غير نوان المخصّص إلاّ انّ تصرّفه في الإرادة الجدّية وقصرها فيما عدى ذلك العنوان ممّا لا مجال لإنكاره فالإرادة الجدّية متعلّقة بعنوان كونه غيره ـ .
انّه على تقدير تسليم كلتا المقدّمتين نقول : إنّ عدم تحقّق النسبة بنحو ليس