( الصفحه 319 )
كانت فالحالة السابقة المتيقّنة موجودة في هذه الصورة بناء على أن تكون الصلاة عبارة عن الحالة الخاصة العبادية المتحقّقة بأوّل جزء منها والمستمرّة إلى آخر أجزائها والأفعال والأقوال المخصوصة إنّما هي الاُمور التي يجب أن يشتغل بها في حالها ويؤيّده التعبير بالفراغ عنها بعد تحقّق الجزء الآخر وكذا توصيفها بأنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وغير ذلك من التعبيرات الظاهرة في عدم توقّف تحقّق عنوانها على تحقّق الجزء الآخر أيضاً كما هو الشأن في المركّبات حيث إنّه لا تحقّق لها بوجه قبل تحقّق أجزائها بأسرها فبناء على الوجه الأوّل يصدق انّ الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول ولا مانع من استصحاب هذه الخصوصية والحكم ببقائها من دون لزوم إحراز كون اللباس من غير المأكول حتّى يصير مثبتاً لأنّ المفروض هو الوجه الثالث ، نعم لو كانت الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال والأقوال المخصوصة بحيث كان تحقّقها متوقّفاً على الإتيان بالجزء الآخر أيضاً لما كانت الحالة السابقة المتيقّنة متحقّقة كما هو ظاهر .
وأورد على ذلك سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) بأنّه على هذا التقدير أيضاً لا مجال لجريان الاستصحاب لأنّها وإن كانت متحقّقة بمجرّد الشروع والمفروض العلم بعدم وقوعها في اللباس المشكوك إلاّ انّ المستفاد من أدلّة المانعية انّه يعتبر أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في شيء من أجزاء غير المأكول والمفروض الشكّ في ذلك فاليقين بوجود الحالة السابقة منتف كما في غير هذه الصورة .
ويمكن دفع الايراد بأنّا لا ننكر انّ المستفاد من أدلّة المانعية ما أفاده (قدس سره) وإلاّ لم تكن حاجة إلى الاستصحاب ، بل كان وقوع ركعة منها ـ مثلاً ـ في المأكول كافياً وإن لم تكن البقية كذلك ، بل نقول : إنّ مفاد تلك الأدلّة قادحية الوقوع في غير
( الصفحه 320 )
المأكول ولو كان ذلك بالإضافة إلى لحظة منها فالمانع هذه الخصوصية ونحن لا ننكرها ولكنّه لا يمنع عن جريان الاستصحاب فإنّ الصلاة كانت واقعة في المأكول قطعاً وبضميمة الاستصحاب يثبت وقوع باقيها فيه أيضاً وبذلك يتحقّق ما هو المعتبر فيها وهو أن لا تكون من أوّل حدوثها إلى آخر بقائها واقعة في أجزاء غير المأكول .
وبعبارة اُخرى وقوع الصلاة بحسب الاستدامة في اللباس المشكوك لا يمنع عن وقوعها حقيقة خالية عن المانع كما انّه لو فرض العلم بوقوع جزء منها في غير المأكول لا يمنع ذلك عن العلم بوقوعها حقيقة بلا مانع فإنّ الصلاة على هذا التقدير تصير كالطبيعة المتّصفة بالوجود والعدم معاً في آن واحد بلحاظ وجود بعض الافراد وعدم البعض الآخر ، غاية الأمر انّ اتصافها بعدم الوقوع في غير المأكول لا يجدي ، بل اللاّزم إحراز عدم القادح وهو الوقوع في غير المأكول واستصحاب الحالة السابقة المتيقّنة يكفي في إحرازه والحكم بعدم تحقّق الصلاة في جزء غير المأكول الموجب لفسادها بمقتضى الموثقة ونحوها فالإنصاف تمامية الاستصحاب في هذه الصورة كما اختاره المحقّق النائيني (قدس سره) أيضاً ، نعم فيما إذا كان الشكّ في أصل الوجود كما إذا شكّ في أنّه هل بال الخفاش محاذياً للمصلّي بحيث لو بال لوقع عليه أو على ثوبه قطعاً ربّما يقال بجريان استصحاب عدم الوجود وعدم البول في المثال ولكن الظاهر انّه مثبت لأنّ استصحاب عدم البول لا يثبت الخصوصية في الصلاة المعتبرة بحسب ما هو المفروض فإنّ ثبوت الخصوصية لازم عقلي لعدم الوجود فتدبّر .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في مسألة اللباس المشكوك انّ الأظهر فيها هو القول بالجواز في جميع فروض المسألة لجريان البراءة العقلية والنقلية واصالة
( الصفحه 321 )
الحلّية مضافاً إلى جريان الاستصحاب في بعض الفروض فلا مانع من الصلاة فيه وإن كان الترك مقتضى الاحتياط الذي يحسن على كلّ حال .
كما انّ القائل بالاحتياط اللزومي كسيّدنا الاستاذ (قدس سره) قد نفى البعد عن جواز الاعتماد على اخبار البائع المسلم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول لبناء العقلاء على الاعتماد على قول ذي اليد فيما يتعلّق بما في يده من الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة والقلّة والكثرة وغير ذلك من الاُمور المتعلّقة به مع تأييد هذا البناء بما ورد في الاخبار من بيان حكم الصلاة في وبر الأرانب والثعاب والفنك ونحوها; لأنّ من المعلوم انّ أكثر أهل العرف لا يميّزون وبر الأرانب ـ مثلاً ـ عن غيره إلاّ باخبار صاحبه فالعمدة في تشخيصه هو قول ذي اليد فيجب ترتيب الآثار عليه .
وكذا نفى البعد عن القول بجواز الصلاة في الثوب الذي يحتمل وقوع شعرات غير المأكول أو رطوباته عليه لاستقرار السيرة على الصلاة في مثله من دون تفحص وتتبّع عن وجودها وهذا بخلاف الصلاة في الثوب الذي علم بوجود الشعر فيه ولكن احتمل أن يكون من غير المأكول لعدم ثبوت السيرة في هذه الصورة .
أقول : الظاهر انّ الاعتماد على قول ذي اليد لا يتوقّف على كونه مسلماً فإنّه لا فرق في بناء العقلاء على الاعتماد عليه بين المسلم والكافر ، نعم الاختلاف بينهما إنّما هو بالإضافة إلى نفس اليد في بعض الموارد كالميتة والمذكى على ما عرفت مفصّلاً .
كما انّ الظاهر انّ استقرار السيرة على الصلاة في الفرض الأوّل ليس لخصوصية فيه ، بل لأجل عدم كون الاحتمال بمجرّده مانعاً عن جواز الصلاة فيه فلا فرق بينها وبين الصورة الثانية أصلاً ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بحكم الصلاة في اللباس المشكوك فيه والحمد لله أوّلاً وآخراً .
( الصفحه 322 )
مسألة 11 ـ لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممتزج واجزاء مثل البق والبرغوث والزنبور ونحوها ممّا لا لحم لها ، وكذلك الصدف 1 .
1 ـ امّا أجزاء الحيوانات التي لا لحم لها فمن هذه الحيثية الكلّية قد تقدّم البحث عنها في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع ، وامّا من غير هذه الجهة فقد تحقّق الإجماع في الحرير المحض ودم البق والبراغيث والقمل مضافاً إلى صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله .
ورواية محمد بن ريان قال : كتبت إلى الرجل (عليه السلام) : هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلّي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع (عليه السلام) : يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل .
وصحيحة علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز وانّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه فكتب : لا بأس به مطلق والحمد لله . وذكر الصدوق ـ عليه الرحمة ـ بعد نقل الرواية : «قال الصدوق : وذلك إذا لم يكن القرمز من ابريسم محض والذي نهى عنه ما كان من ابريسم محض . وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .
وامّا الصدف فقد علّل الجواز فيه في «العروة» بعدم معلومية كونه جزء من الحيوان وعلى تقديره لم يعلم كونه ذا لحم ، وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : لا يحلّ أكل الجرّي ولا السلحفاة ولا السرطان قال : وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال : ذلك لحم الضفادع (و ـ خ ل) لا يحلّ أكله . ولا منافاة بينها وبين التعليل المذكور; لأنّ مجرّد انعقاد اللحم
( الصفحه 323 )
في الصدف وكونه ظرفاً له لا يوجب أن يكون الصدف جزء من اللحم أو من الحيوان كما لا يخفى .
وتظهر من الرواية ظرفية الصدف للحم الضفادع ، وعليه فالظاهر انّ الصدف الذي هو ظرف للّؤلؤ ـ الذي نفى الإشكال في العروة عن الصلاة فيه معلّلاً بعدم كونه جزء من الحيوان ـ غير الصدف الذي هو ظرف اللحم المذكور كما انّه لو فرض الإشكال في الصدف فلا يلازم ذلك الإشكال في اللؤلؤ أصلاً .