( الصفحه 332 )
صحّته والغضّ عن عدم الشاهد عليه لا ينافي كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه وموته خارج الماء وإن كان متأخّراً عن الخروج بمقدار قصير كما لا يخفى .
مع أنّ تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وإن كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجح إلاّ انّ تساقطهما فيه يوجب جواز الرجوع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة عن المانعية في جلد الخزّ فيصير الحكم هو جواز الصلاة فيه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى استثناء الجلد كالوبر وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّك عرفت انّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب تقييد الخزّ المستثنى بكونه خالصاً في مقابل المغشوش بوبر الأرانب والثعالب وأشباههما وقد وقع هذا التقييد في بعض الروايات وهي مرفوعة أيّوب بن نوح قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به فامّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلِّ فيه .
وعن المحقّق في المعتبر انّه حكى عن جماعة من علمائنا انعقاد الإجماع على العمل بمضمونه . ولأجله لا يبقى موقع لرواية بشير بن بشّار قال : سألته عن الصلاة في الخزّ يغش بوبر الأرانب فكتب : يجوز ذلك . وقد حملها الشيخ (قدس سره) على التقية ويمكن حملها على محامل آخر وعلى تقدير عدمه لابدّ من أن تطرح .
وبالجملة فاعتبار هذا القيد في المستثنى ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في تشخيص معناه وانّه هل يقدح في تحقّقه ما إذا كان المغشوش به شيئاً يسيراً غير معتدّ به ، بل وما إذا كان مستهلكاً بحيث زالت حقيقته واستهلك في وبر الخز أو لا
( الصفحه 333 )
يقدح فيه ذلك أو يكون بين الصورتين فرق؟ وجوه واحتمالات وقبل ترجيح أحد الوجوه لابدّ من ملاحظة انّ مقتضى كون الخطابات الشرعية واردة على طبق المفاهيم العرفية وانّه يجب الرجوع في تشخيص معاني العناوين المأخوذة في الأدلّة إلى العرف هل هو الرجوع إليهم في المفاهيم ولو مع التسامح في مصاديقها أو انّ مقتضاه الرجوع إليهم في تعيين المفاهيم والدقّة في التطبيق على المصاديق ولو كان على خلاف العرف فإذا ورد لفظ «المد» مثلاً في دليل فاللاّزم الرجوع إلى العرف في استكشاف معناه فإذا فسّره بمقدار معيّن فالواجب مراعاة ذلك المقدار من دون نقص وإن كان العرف يتسامح في مقام التطبيق ويحكم بتحقّقه مع النقص عن ذلك المقدار بقليل؟ غير خفي انّ الظاهر هو الوجه الثاني وانّه لا اعتبار في المسامحات العرفية أصلاً .
إذا عرفت ذلك فنقول : الظاهر انّ لفظ «الخالص» المأخوذ في لسان النصّ والفتوى يكون المتفاهم منه عند العرف خلوّ الشيء عن غير حقيقته رأساً بحيث إذا كان الخليط شيئاً يسيراً غير معتدّ به أيضاً لا ينطبق عليه هذا المفهوم العرفي بالنظر الدقّي وإن كان يتحقّق بالنظر المسامحي ، بل لا يبعد أن يقال بعدم التحقّق في صورة الاستهلاك أيضاً فإنّ الاستهلاك وإن كان موجباً لانعدام حقيقة المستهلك ولا يتبيّن ولا يتميّز نوعاً إلاّ انّه لا يوجب بقاء المستهلك فيه على وصف الخلوص بليوجب زواله فتدبّر . هذا تمام الكلام في الخزّ .
وامّا السنجاب فقد وقع فيه الخلاف والإشكال وقد نسب الجواز إلى الأكثر خصوصاً بين المتأخّرين تارة وإلى المشهور اُخرى وإلى عامّتهم ثالثة ، بل في محكي الذكرى عن المبسوط : لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية .
( الصفحه 334 )
والمحكي عن الصدوق ووالده والشيخ في الخلاف المنع وكذا حكى عن الحلّي في السرائر وجماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم بل عن الروض نسبته إلى الأكثر .
ويشهد للأوّل طائفة من الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعاب وأشباهه قال : لا بأس بالصلاة فيه . وقد نقلها في الوسائل في باب آخر أيضاً بهذه الكيفية : عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)انّه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب فقال : لا بأس بالصلاة فيه . فتوهّم انّهما روايتان كما في المستمسك وانّ اشتمال الاُولى على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب ـ مثلاً ـ لا يمنع عن الاستدلال بالثانية الخالية عن ذكره مع أنّه من الواضح انّهما رواية واحدة وانّ الأشياء المسؤول عنها في الرواية الثانية هي التي صرّح بها في الرواية الاُولى .
والمراد بالفراء امّا ما يظهر من بعض اللغويين من أنّه الحمار الوحشي وفي المثل السائر : «كلّ الصيد في جوف الفراء» وامّا ما يقال له بالفارسية «پوستين» وعلى الأوّل لا يكون من افراد غير المأكول وعلى الثاني الذي هو خلاف ظاهر السياق يمكن أن يكون المراد به هو الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء ويمكن أن يكون المراد به مطلق الفراء ، وعليه فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له . والمراد بكلمة «أشباهه» امّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل وامّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره .
وبالجملة دلالة الرواية على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيه .
ومنها : صحيحة أبي عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال : أيّ الفراء؟ قلت : الفنك والسنجاب والسّمور قال : فصلِّ
( الصفحه 335 )
في الفنك والسنجاب ، فأمّا السمور فلا تصلِّ فيه . قال في الوافي : «الفنك بالفاء والنون المفتوحتين حيوان غير مأكول اللحم يتّخذ من جلده الفراء فروته أطيب أنواع الفراء» وقيل : نوع من الثعلب الرومي وقيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وعن بعض انّه يطلق على فرخ ابن آوى . والسمور كتنوّر حيوان ببلاد الروس وبلاد الترك يشبه الّنمس ومنه أسود لامع وأشقر .
ومنها : مرسلة مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال : لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم .
ومنها : مكاتبة يحيى بن أبي عمران قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخزّ وقلت : جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطّه إليّ : صلِّ فيها .
ومنها : رواية بشير بن بشار قال : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن اُصلّي فيه لغير تقية قال فقال : صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمور . والحواصل طيور ببلاد خوارزم يعمل من جلودها بعد نزع الريش مع بقاء الوبر ويتّخذ منه الفراء وقد ينسج من أوبارها الثياب .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز في السنجاب ويدلّ على الجواز في خصوصه رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام)عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً ، قلت : أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم وليس هو ممّا نهى
( الصفحه 336 )
عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب . وقد تقدّم اختلاف النقل في جملة «وما لا يؤكل لحمه . . .» في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع .
وربما يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في خصوص السنجاب كالرواية الأخيرة لا يخلو من الضعف والجهالة والإرسال وما يدلّ منها على جوازها فيه وفي غيره مشتمل على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب حيث إنّه لا تجوز الصلاة فيها نصّاً وإجماعاً مضافاً إلى أنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة الواردة في أصل بحث مانعية غير المأكول قد ورد في موردها خصوص السنجاب وغيره من الوبر وقد ورد في جوابه عموم الحكم بالمنع عن الصلاة في أجزاء كلّ ما لا يحلّ أكله ومن الواضح انّ تخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالّة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن .
ومضافاً إلى دلالة بعض الروايات بعمومها على عدم جواز الصلاة في السنجاب أيضاً كمكاتبة محمد بن علي بن عيسى قال : كتبت إلى الشيخ يعني الهادي (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب : لا أحبّ الصلاة في شيء منه قال : فرددت الجواب أنا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحداً أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره وليس يمكن لنا ما يمكن للأئمّة فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال : فرجع الجواب إليّ : تلبس الفنك والسمّور .
وتندفع المناقشة بأنّ اشتمال الرواية الصحيحة على غير السنجاب لا يقدح في العمل بها بالإضافة إليه لأنّ قيام الدليل على عدم العمل برواية بالنسبة إلى بعض مواردها لا يوجب طرحها رأساً مع أنّ صحيحة أبي علي المتقدّمة تشتمل على الفنك فقط زائداً على السنجاب وقد أفتى بجواز الصلاة فيه جماعة ، ورواية بشير بن بشار تدلّ على جوازه في خصوص السنجاب والحواصل الخوارزمية وقد