( الصفحه 349 )
مثل مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلاّ في الاحرام .
وفي حديث المناهي قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال فامّا النساء فلا بأس .
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال : لا بأس .
ورواية ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا اسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها فقال : مهلا يا اُسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك . وغير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز . وبهذه الروايات يقيد إطلاق موثقة سماعة بن مهران المتقدّمة الشامل للنساء فإنّ الحكم وإن كان يستفاد من مفهوم الجواب إلاّ انّه حيث كان الجواب مسوقاً لبيان المفهوم فلابدّ من الالتزام به ولم يفرق فيه بين الرجل والمرأة كما في السؤال ولكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها ، وامّا رواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهي عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء فالجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة يقتضي حمل النهي فيها على الكراهة بقرينة الذيل وحمل الكراهة على الأعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة بمعنى ثبوت التحريم في حقّ الرجال والكراهة في حقّ النساء ولا مانع من الالتزام بها .
المقام الثاني : في الحكم الغيري المتعلّق بلبس الحرير في الصلاة وقد ادّعى الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه والظاهر انّه لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في ذلك ، نعم المسألة خلافية بين العامّة حيث إنّه ذهب بعضهم إلى الجواز
( الصفحه 350 )
وبعض آخر إلى المنع والظاهر انّه لا مستند لهم من النصوص حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه أم لا؟
وامّا الأخبار الواردة من طرقنا الدالّة على البطلان فكثيرة :
كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص (في حديث) قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) : هل يصلّي الرجل في ثوب ابريسم ؟ فقال : لا .
ورواية أبي الحارث قال : سألت الرضا (عليه السلام) : هل يصلّي الرجل في ثوب ابريسم؟ قال : لا . ويحتمل اتحاد الروايتين وأن يكون أبو الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص ودلالتهما على البطلان واضحة لظهور كون محطّ السؤال إنّما هو الحكم الوضعي والجواب منطبق عليه فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفية منتف .
ومكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض .
والظاهر انّ المراد من الحلية المنفية هي الحلية الغيرية الراجعة إلى الصحّة التي هي حكم وضعي ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض مع كون السؤال إنّما هو عنه وعن الديباج هل يظهر منه انّ الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج كما يدلّ عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من ابريسم أو لا يظهر منه شيء وجوه واحتمالات . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في البطلان .
لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الصلاة في الثوب الديباج فقال : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس .
وقد حمل على حال الضرورة أو الحرب ولكنّه بعيد لعدم الفرق ـ حينئذ ـ بين ما
( الصفحه 351 )
إذا كان فيه التماثيل وما إذا لم يكن والمحتمل حمله على التقية وعلى تقدير خلافه فاللاّزم الطرح امّا لأجل الاعراض أو لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدّمة بعد المعارضة لموافقتها للشهرة الفتوائية .
ثمّ إنّ الأكثر ذهبوا إلى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضاً بالرجال وانّه يجوز للنساء الصلاة في الحرير لكن الصدوق في محكي الفقيه ذهب إلى المنع حيث قال : قد وردت الأخبار بجواز لبس النساء الحرير ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه . وعن مجمع البرهان انّه أولى ، وعن البهائي انّه أوجه ، وعن جماعة التوقّف .
واللاّزم للقائل بالمنع إقامة الدليل عليه ولا يكفي مجرتد عدم ورود الرواية الدالّة على الجواز كما يستفاد من عبارة الصدوق وما يمكن الاستدلال به عليه من الروايات عمدته إطلاق مكاتبة ابن عبد الجبّار المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض ومكاتبته الاُخرى بهذه العبارة ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة ومجرّد ذكر القلنسوة في السؤال مع كونها من ألبسة الرجال لا يوجب تقييد دائرة إطلاق الجواب مع كونه بصدد إفادة قاعدة كلّية ولذا لا تختص بالقلنسوة بل تشمل سائر ألبسة الرجال .
وامّا صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص فلا دلالة فيها على اختصاص الحكم بالرجال لأنّ تخصيص السؤال به يحتمل أن يكون لأجل كونه محلّ نظره ومورد ابتلائه كما انّه يحتمل أن يكون من باب المثال بحيث كان السؤال عامّاً وكما انّه يحتمل أن يكون لأجل كون حكم المرأة مفروغاً عنه عند السائل ولا محالة يكون ذلك الحكم هو الجواز لا العدم ولا مرجح للاحتمال الثالث على أحد الأوّلين فالرواية لا يستفاد منها حكم المرأة بوجه ، كما انّ خبر زرارة المتقدّم في المقام الأوّل الظاهر في التسوية بين الرجال والنساء لا تعرّض فيه لهذا المقام بل هو ظاهر في
( الصفحه 352 )
حكم المقام الأوّل وقد عرفت انّ مقتضى الجمع حملها على ما ينافي التسوية في ذلك المقام أيضاً .
وكذلك رواية جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ليس على النساء أذان إلى أن قال : ويجوز للمرأة لبس الدياج والحرير في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد ، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد . لا تصلح للاستناد إليها فإنّها وإن كانت ظاهرة في المنع إلاّ انّها ضعيفة السند .
فالعمدة هو إطلاق المكاتبة ويؤيّده ما في التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه السلام)من قوله : لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان .
وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) انّ هذا الإطلاق معارض بإطلاق ما يدلّ على جواز لبسهنّ للحرير الشامل لحال الصلاة فإنّ مقتضى هذا الإطلاق جواز صلاتهنّ فيه وإلاّ كان على المتكلّم استثناء حال الصلاة وبعد التعارض يكون الترجيح مع إطلاقات الجواز لإعراض القدماء عن العمل بالمطلق الدالّ على المنع .
وربّما يقال بعد فرض المعارضة انّ الترجيح مع إطلاقات الجواز لفهم الأصحاب ومع فرض التساوي فالحكم التساقط والرجوع إلى اصالة عدم المانعية .
والظاهر انّه لا معارضة بين الإطلاقين أصلا ضرورة انّ الإطلاق المتعرّض للحكم الوضعي الغيري لا ينافي الإطلاق المتعرّض للحكم النفسي بوجه فإنّ بطلان الصلاة وعدمه لا يرتبط بالجواز التكليفي فلا معارضة بين الإطلاقين .
وبعبارة اُخرى شمول إطلاق الجواز لحال الصلاة مرجعه إلى ثبوت الجواز الذي هو الحكم التكليفي ومتعلّقه اللبس من الواضح انّه لا منافاة بين هذا الجواز وبين
( الصفحه 353 )
المنع الراجع إلى بطلان الصلاة فيه .
نعم في مقابل إطلاق المنع روايتان :
إحداهما : مرسلة ابن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة قال : النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلاّ في الإحرام . فإنّ استثناء الإحرام يدلّ على عدم اختصاص الحكم في المستثنى منه بخصوص الحكم التكليفي بل أعمّ منه ومن الحكم الوضعي فمقتضى الرواية ـ حينئذ ـ بطلان صلاتهنّ في الحرير .
ثانيتهما : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فامّا في الحرّ والبرد فلا بأس ، بناء على أنّ المراد من الحرّ والبرد غير حال الإحرام وتكون الجملة الأخيرة مبنية لمفهوم الجملة الاُولى ، نعم يحتمل أن تكون الجملة الأخيرة استثناء من حال الإحرام ، وعليه فلا ترتبط الرواية بالمقام إلاّ على تقدير ثبوت الملازمة بين حال الإحرام والصلاة كما ربّما تدعى .
والظاهر انّ الترجيح مع هاتين الروايتين لموافقتهما للشهرة من حيث الفتوى ولا يقدح الإرسال في رواية ابن بكير بعد كونه من أصحاب الإجماع وانجبرت في هذا المقام بالعمل فالنساء لا مانع من صلاتهن في الحرير .
«تتمّة»
قد عرفت انّ بطلان صلاة الرجال في الحرير المحض مورد لاتفاق العلماء الإمامية في الجملة وذلك في الثوب الذي تجوز الصلاة فيه منفرداً ، وامّا ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده كالقلنسوة والتكة ونحوهما ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريراً محضاً وعدمه نظير ما إذا كان الساتر متنجساً حيث يكون الحكم فيه التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ من دون خلاف وجهان بل قولان فالمحكي عن جماعة منهم المفيد