( الصفحه 354 )
والشيخ والحلّي بل المنسوب إلى الأشهر وإلى المتأخّرين وإلى أجلاّء الأصحاب هو الجواز ، والمحكي عن الفقيه والمنتهى والبيان والموجز وغيرها المنع ، بل هو المشهور بين المتأخّرين ويظهر من بعض التوقّف والتردّد في المسألة .
ومستند المنع مكاتبتا محمد بن عبد الجبّار ففي إحداهما قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض .
وفي الاُخرى قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب ؟ فكتب (عليه السلام) : لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر زكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى .
والظاهر اتحاد المكاتبتين بمعنى وقوع المكاتبة مرّة واحدة وكون الرواية واحدة وإن جعلها في الوسائل روايتين ونقلهما في باب واحد .
واللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها فنقول : لا تنبغي المناقشة في ظهور السؤال فيها في كون المجهول للسائل هو حكم الصلاة في قلنسوة حرير محض .
وبعبارة اُخرى المجهول له هو الحكم الوضعي المرتبط بالصلاة وذكر القلنسوة يحتمل أن يكون من جهة وضوح الحكم الوضعي في غيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة منفرداً عند السائل ، وعليه يكون ذكرها من باب المثال لما لا تتمّ فيه الصلاة فقط ويحتمل أن يكون من جهة جهله بأصل الحكم الوضعي المتعلّق بالحرير وتخصيص القلنسوة إنّما هو من جهة تعارف استعماله في بلده وكونه مورداً لابتلائه مثلا ، وعليه فيكون محط السؤال هو الحكم الوضعي مطلقاً بعد وضوح الحكم النفسي لدى السائل وتقييد الحرير بالمحوضة لا يصلح لترجيح أحد الاحتمالين على الآخر ،
( الصفحه 355 )
نعم لا تبعد دعوى كون الظاهر من السؤال هو الاحتمال الأوّل .
وامّا الجواب فالظاهر بلحاظ اسناد عدم الحلية إلى الصلاة في الحرير انّ نفي الحلية إرشاد إلى البطلان وفساد الصلاة فيه كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالعبادات والمعاملات مع الخصوصيات المأخوذة فيها والحكم في الجواب وإن كان مطلقاً إلاّ انّ شموله لمورد السؤال بلحاظ كونه جواباً عنه إنّما هو بالنصوصية والصراحة وعلى ما ذكرنا فالجواب منطبق على السؤال .
ولا وجه لما يقال من احتمال إرادة الثوب من الحرير لو لم نقل بأنّه المنساق منه كما عن المختلف والشهيد الاعتراف به ، بل قيل : إنّ الحرير المحض لغة هو الثوب المتّخذ من الابريسم ، وعليه يكون الجواب عن السؤال متروكاً ولعلّ ذلك لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره وهو مخالف للتقيّة لصحّة الصلاة عندهم وإن حرم اللبس من غير فرق بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره فعدل الإمام إلى بيان حرمة الصلاة المسلمة عندهم وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم ، بل في التعبير بنفي الحلّ دون نفي الصحّة إيماء إلى ذلك .
والوجه في بطلان هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى حمل الجواب على كونه عدولا وجعل السؤال متروكاً لا ينطبق عليه الجواب ممّا لا وجه له ـ ان اسناد نفي الحلية إلى الصلاة ظاهر عند العامّة أيضاً في الإرشاد إلى البطلان ونفي الصحّة وما هو الثابت عندهم إنّما هي الحرمة المتعلّقة باللبس ولا ترتبط بالصلاة بوجه فكيف يتحقّق معه رعاية التقية والبطلان عندنا أيضاً ليس لأجل الملازمة بل لظهور مثل المكاتبتين في البطلان ابتداءاً .
ودعوى كون الحرير هو الثوب المتّخذ من الابريسم احتمالا أو انصرافاً أو لغة مدفوعة بأنّ توصيف القلنسوة في السؤال بالحرير المحض أو إضافتها إليه ينافي
( الصفحه 356 )
ذلك جدّاً .
ومستند الجواز ما رواه الشيخ باسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخفّ والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه . ونوقش في السند باعتبار أحمد بن هلال المذموم الملعون كما عن الكشي ، الغالي المتّهم في دينه كما عن الفهرست الذي رجع عن التشيّع إلى النصف ، كما عن سعد بن عبدالله ، الذي لا نعمل على ما يختصّ بروايته ، كما عن التهذيب ، أو روايته غير مقبولة ، كما عن الخلاصة ، وقد ورد التوقيع عن العسكري (عليه السلام) في مذمّته بقوله (عليه السلام) : احذروا الصوفي المتصنّع .
ولكن المناقشة مندفعة ـ مضافاً إلى ما حكي عن ابن الغضائري مع كونه مسارعاً في التضعيف من أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث وإن كان يمكن أن يقال باختصاص ذلك بخصوص نوادر الأوّل ومشيخة الثاني مع أنّه لا يفيد ذلك بالنسبة إلينا حيث لا يحضرنا كتاباهما ومضافاً إلى أنّ الرجل في أوّل أمره كان مستقيماً بل كان من أعيان الطائفة ووجوهها وثقاتها وظاهر انّ رواية مثل موسى بن الحسن عنه إنّما كان في حال استقامته لبعد الرواية عنه مع ورود ذموم هائلة في حقّه ـ .
باعتماد الطرفين في المقام على الرواية لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجح دليله عليها لا أنّه يقول بعدم حجّيتها وكذا المتوقّف في المسألة فإنّه لم يحك عن أحد طرح الرواية باعتبار السند فهي تامّة من جهة السند والدلالة .
ولابدّ أوّلا من ملاحظة انّه هل يمكن الجمع بينها وبين رواية المنع وعلى تقدير عدم الإمكان ولزوم الرجوع إلى المرجحات انّ المرجح مع أيّهما .
( الصفحه 357 )
فنقول : الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة وقبل التعرّض لها نقول : لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه إنّما هو عن الحكم الوضعي المتعلّق بالحرير مطلقاً من دون فرق بين القلنسوة وغيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده فإنّه على هذا التقدير يكون السؤال والجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتمّ فيه الصلاة أيضاً فإنّه ـ حينئذ ـ تكون رواية الحلبي مقيّدة لإطلاق دليل المنع ويكون الجمع ـ حينئذ ـ من الجمع بين المطلق والمقيّد فالإشكال إنّما هو على غير هذا الفرض وهو الظاهر كما عرفت .
الأوّل : ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ من انّه لما كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامّة وإنّما ذهب إليه بعضهم استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً ، ومن المعلوم عدم الفرق بين ما لا تتمّ وغيره أصلا ، كما انّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما كالنجاسة وغيرها وـ حينئذ ـ فيمكن أن يقال : إنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره لم يذكر لأنّه مناف للتقية فعدل الإمام (عليه السلام) عنه إلى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلّمة عندهم وإن كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم هذا مضافاً إلى أنّ السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة كما هو المفروض وهو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره لعلّه كان سبباً لالتجائه (عليه السلام) إلى ذلك .
ويرد عليه ما عرفت من أنّ حمل الجواب على العدول مناف للظاهر جدّاً ولا يسوغه الجمع بوجه مضافاً إلى أنّ اسناد عدم الحلية إلى الصلاة ظاهر في الحكم الوضعي الذي لا يقولون به فكيف يتحقّق معه رعاية التقية وما هو المسلم بينهم إنّما
( الصفحه 358 )
هو حرمة لبس الحرير لا الصلاة فيه فهذا النحو من الجمع غير تامّ .
الثاني : ما في المستمسك من أنّ تقييد إطلاق المكاتبتين بسبب رواية الحلبي هو مقتضى الجمع العرفي ، قال : «ودعوى انّه من قبيل تخصيص المورد وهو مستهجن ممتنعة فإنّ الاستهجان إنّما يسلم لو كان بحيث لو ضمّ هذا المقيّد إلى المطلق لكان الكلام متدافعاً ولو قيل : لا تحلّ الصلاة في حرير محض إلاّ في القلنسوة ونحوها لم يكن كذلك فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي» .
ويرد عليه وضوح التدافع فإنّ مرجع الجمع بهذا النحو بعد فرض كون الإطلاق نصّاً في المورد إلى قوله : لا تحلّ الصلاة في حرير محض حتّى في القلنسوة ونحوها إلاّ في القلنسوة ونحوها كما لا يخفى فهذا الوجه أيضاً غير تامّ .
الثالث : ما عن جامع المقاصد من أنّ حمل المكاتبة على الكراهة وجه جمع بين الأخبار .
ويرد عليه انّ ما يجري فيه احتمال الحمل على الكراهة هو النهي المولوي الظاهر في التحريم لا النهي الإرشادي الظاهر في الإرشاد إلى الحكم الوضعي مع أنّ مقتضاه ثبوت الكراهة في غير ما لا تتمّ أيضاً إلاّ أن يقال بحمل النهي على الأعمّ والقدر المشترك بين الحرمة والكراهة .
وكيف كان فالظاهر انّه لا وجه للجمع أصلا بل لابدّ من ملاحظة المرجحات فنقول :
الظاهر انّه لو كانت الشهرة على الجواز محقّقة لكان اللاّزم الرجوع إليها; لأنّ الشهرة في الفتوى أوّل المرجّحات الخبرية وإلاّ تصل النوبة إلى مخالفة العامّة والذي يظهر من كلماتهم ثبوت هذا المرجح في المقام وإن اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة فعن بعضهم كصاحب الحدائق وجماعة انّها هي المكاتبتان ، وعن بعض آخر