( الصفحه 364 )
وكذا رواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهي عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خز أو كتّان أو قطن وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء . فإنّ مقابلة الحرير المحض بما إذا كان سداه أو لحمته من غيره ظاهرة في ذلك ولكن الظاهر خلاف ذلك فإنّه لا شبهة في أنّ الحرير المحض له معنى ومفهوم بحسب نظر العرف وليس للشارع اصطلاح خاص في ذلك ، وعليه فالمقابلة في الرواية الأخيرة لا تكون ظاهرة في أنّ المقابل للوصف هو خصوص ما كان السدا أو اللحمة بتمامهما من غير الحرير ، بل ذكر هذه الصورة إنّما هو من باب كونه أحد المصاديق ومن الافراد الظاهرة ، كما انّ الظاهر انّ المفهوم في الرواية الاُولى ما إذا لم يكن هناك اختلاط وامتزاج لأنّ ما ذكر في المنطوق ليس له خصوصية كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر الجواهر والمصباح انّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب بسداه ولحمته من الابريسم وبعضه من غيره كالمنسوج على الطرائق ، نعم لو كان بعضه المنسوج من الابريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الابريسم يشكل الحكم بعدم التحريم مستندين في ذلك إلى أن بعض الثوب لا يكون ثوباً بل جزء منه .
ويرد عليهما مضافاً إلى أنّه لم يرد لفظ الثوب في متعلّق النهي وتفسير الحرير به غير ظاهر انّ الثوب في اللغة عبارة عن الشيء المنسوج ولا يكون مساوقاً للقميص وأمثاله من الألبسة ويدلّ عليه ملاحظة موارد إطلاقه كما يقال في كفن الميّت انّه عبارة عن ثلاثة أثواب وكما يقال : ثوبا الاحرام مع أنّه يعتبران لا يكونا مخيطين للرجال وكغيرهما من الموارد فالاستناد المذكور غير تامّ .
مع أنّ مقتضاه عدم ثبوت الحكم بالتحريم في مثل الظهارة والبطانة والحشو لأنّ
( الصفحه 365 )
المفروض كون كلّ واحد منها بالفعل بعض الثوب لاتمامه وصلاحيته لأن يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزء منه .
والظاهر ثبوت التحريم في جميع الصور وكون المقابل للوصف هو خصوص الصورة المذكورة وهي صورة الاختلاط والامتزاج .
ثمّ إنّه يشترط في الجواز من جهة الحكم الوضعي في صورة الاختلاط أن يكون الخيط من جنس ما تصحّ الصلاة فيه فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه ضرورة انّ الخلط بمثله يوجب بطلان الصلاة امّا لأجل كون المفروض انّه ممّا لا تصحّ الصلاة فيه ، وامّا لأجل انصراف دليل خروج صورة الاختلاط عن مثل هذا الاختلاط أيضاً ، وعلى أيّ فالحكم يختصّ بالجواز الوضعي ، وامّا الجواز التكليفي فلا مانع منه إلاّ على القول بالانصراف فيه أيضاً وهو بعيد لأنّه لا وجه له فيه كما لا يخفى .
نعم الثوب المنسوج من الابريسم المفتول بالذهب يجري فيه كلا الحكمين التكليفي والوضعي لصدق لبس الذهب والصلاة فيه ولم يرد قيد المحوضة والخلوص في أدلّة حرمة لبس الذهب والصلاة فيه فيتحقّق فيه الحكمان .
( الصفحه 366 )
مسألة 17 ـ لبس لباس الشهرة وإن كان حراماً على الأحوط وكذا ما يختصّ بالنساء للرجال وبالعكس على الأحوط لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة 1 .
1 ـ امّا عدم اضرار لباس الشهرة وكذا ما عطف عليه بصحّة الصلاة فلعدم الدليل على ثبوت الحكم الوضعي في مثله كما قام في الذهب وفي الحرير ومجرّد ثبوت الحرمة التكليفية على تقديرها لا يوجب ثبوت البطلان لعدم كون النهي متعلّقاً بالعبادة وعدم كون اجتماع الأمر والنهي على تقديره موجباً لفساد المجمع على تقدير كونه عبادة وعلى تقديره لا يكون المجمع في المقام عبادة ، بل هو شرط لها وشرط العبادة يغاير جزئها حيث إنّه لا يلزم أن يكون عبادة بخلاف الجزء وقد مرّ الكلام في ذلك في بحث الذهب .
وامّا الحكم التكليفي فالكلام فيه يقع في أمرين :
الأوّل : لبس لباس الشهرة والمراد منه ـ كما في العروة ـ أن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته والدليل على الحرمة فيه روايات كثيرة :
مثل صحيحة أبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ الله يبغض شهرة اللباس . ولا تبعد دعوى ظهور «يبغض» في المبغوضة الثابتة في المحرمات .
ومرسلة ابن مسكان عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابّة تشهره .
والظاهر انّ دلالتها كسندها في الضعف لظهورها في بيان الحكم الأخلاقي الراجع إلى انحطاط المقام الإنساني بطلب الشهرة من اللباس أو المركب ومثله من الجماد والحيوان .
ومرسلة عثمان بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الشهرة خيرها
( الصفحه 367 )
وشرّها في النار .
ورواية أبي سعيد عن الحسين (عليه السلام) قال : من لبس ثوباً يشهره كساه الله يوم القيامة ثوماً من نار . وغير ذلك من الروايات والعمدة هي الرواية الاُولى والمستفاد من صاحب الوسائل عدم دلالتها على الحرمة أيضاً حيث إنّه ذكر في عنوان الباب كراهة الشهرة في الملابس وغيرها وحمل الرواية الأخيرة على بعض الأقسام المحرمة والمحكي عن ظاهر الرياض ومفتاح الكرامة في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عدم الخلاف في ذلك .
الثاني : لبس الرجال ما يختص بالنساء وكذا العكس وفي محكي الرياض نسب الحرمة إلى الأشهر الأظهر المحتمل فيه الإجماع والعمدة في دليله ما حكي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففي رواية عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث : لعن الله المحلّل والمحلّل له ، ومن تولّى غير مواليه ، ومن ادّعى نسباً لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، ومن أحدث حدثاً في الإسلام أو آوى محدثاً ، ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه .
ولكن في دلالتها قصور لأنّ الظاهر من التشبّه تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى لا مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبّه ويؤيّده ما عن العلل عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) انّه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له : اخرج من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يالعنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال علي (عليه السلام) : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال .
وفي بعض الروايات انّ المراد بالتشبّه معنى آخر كرواية يعقوب بن جعفر
( الصفحه 368 )
الواردة في المساحقة الدالّة على أنّه فيهنّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء الحديث . ورواية أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال وهم المخنثون واللائي ينكحن بعضهن بعضاً .
هذا ولكن لا يستفاد من مثلها الانحصار ، بل يمكن أن يكون للتشبّه معنى عام يشمل هذا المعنى أيضاً ويؤيّده رواية سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يجر ثيابه قال : إنّي لأكره أن يشبّه بالنساء . وعن أبي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء وينهى المرأة أن تشبّه بالرجال في لباسها .
وذكر السيّد صاحب العروة في حاشية المكاسب في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عند الإشكال على الاستدلال بالنبوي المشهور انّ الرواية فيها أربع احتمالات :
أحدها : أن يكون المراد ما هو محلّ الكلام مع كون الحكم إلزامياً .
الثاني : أن يكون المراد خصوص تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى سواء كان باللباس أو بغيره بأن يدخل نفسه في عدادهن أو تدخل نفسها في عدادهم ويشهد له المحكي عن العلل .
الثالث : كون المراد خصوص اللواط والمساحقة ويشهد له روايتا يعقوب وأبي خديجة .
الرابع : أن يكون المراد المعنى الأوّل لكن مع كون الحكم غير إلزامي ويكون اللعن من جهة شدّة الكراهة ويشهد له الروايتان الأخيرتان .
ثمّ قوى الحكم بالحرمة لظهور النبوي في حدّ نفسه فيها وانجبار قصور سندها