( الصفحه 400 )
مسألة 5 ـ المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضائه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحاً بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال وظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانياً لا يعتنى باحتمال خلافه وذلك كالمضائف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك 1 .
1 ـ ظاهر مثل التوقيع الشريف المعروف المروي في الاحتجاج وهو قوله ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ : فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير اذنه .
اعتبار الإذن الظاهر في انشائه في جواز التصرّف في مال الغير وظاهر مثل موثقة سماعة المشتملة على قوله (صلى الله عليه وآله) : فإنّه لا يصل دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه الاكتفاء بطيب النفس والرضا الباطني من دون حاجة إلى الإنشاء ولكن العرف يرى انّه لا تعارض بينهما وإنّ مقتضى الجمع حمل الأوّل على الحكم الظاهري والثاني على الحكم الواقعي نظراً إلى أنّ الاذن طريق إلى الرضا ولا موضوعية له بوجه فالملاك ـ حينئذ ـ بعد الجمع المذكور هو الرضا ومن الواضح لزوم إحرازه كما هو الشأن في جميع العناوين المتعلّقة للأحكام الواقعية فبدون إحراز الرضا لا مسوغ للتصرّف في مال الغير ولكن المحكي عن الذخيرة والبحار جواز الصلاة في كلّ موضع لا يتضرّر المالك بالكون فيه وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرض عدم العلم برضا المالك إلاّ أن تكون أمارة على الكراهة وربما يؤيّد أو يستدلّ له بما دلّ على جعل الأرض مسجداً له (صلى الله عليه وآله) ولاُمّته لمناسبة الامتنان للاكتفاء بالظنّ وبأصالة جواز التصرّف في كلّ شيء والإجماع على المنع غير ثابت في صورة الظنّ والتوقيع ضعيف السند والموثقة ظاهرة في خصوص التصرّف المتلف .
( الصفحه 401 )
ويرد عليه وضوح انّ الحكم بحرمة التصرّف في مال الغير بغير رضاه ممّا أجمع عليه جميع الأديان والملل ولا حاجة في إثباته إلى مثل التوقيع والموثقة مع انّه قد وقع الخلط بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري فانّه تارة يبحث عن حرمة التصرّف في مال الغير واقعاً ، ومن الواضح ثبوتها بنحو العموم ولا يكون دليلها منحصراً بمثل الروايتين واُخرى يبحث عن الاكتفاء بالظنّ في مقام الإحراز بمعنى انّه لا حاجة في مقام إحراز الرضا الواقعي إلى العلم بثبوته بل يكفي فيه الظنّ ، ومن المعلوم انّ ما ذكر لا يصلح لإثبات جعل الظنّ مطلقاً حجّة في هذا المقام .
ثمّ إنّ الرضا إن أحرز بنحو العلم القطعي أو الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم بنظر العرف وإن لم يكن علماً عقلا فلا إشكال في الاكتفاء به وإن أحرز بغيره فسيأتي الكلام فيه .
كما انّ ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقّف على التوجّه والالتفات إلى المرضى ، وامّا الرضا التقديري فإن كان لأجل عدم الالتفات ومرجعه إلى ثبوته على تقدير تحقّقه ولازمه عدم الكراهة أيضاً لأجل ما ذكر من عدم الالتفات فإنّ الكراهة كالرضا في هذه الجهة فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة والتسالم عليه ولعلّ وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه فإنّ المفروض تحقّق رضاه على تقدير الالتفات وانّ عدم تحقّقه لأجل عدمه .
وإن كان لأجل الجهل الواقع ومثله من الاُمور الموجبة لعدم تحقّق الرضا فعلا مع تحقّق الالتفات فالظاهر عدم الاكتفاء به وذلك لوجود الكراهة فعلا ومجرّد الرضا على تقدير زوال جهله وعلمه بالواقع لا يوجب تحقّقه بوجه وهذا كما في المعاملات المتوقّفة على الرضا فإنّه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكره ـ بالفتح ـ بحيث لو توجّه إليها لرضى به لا يوجب ذلك صحّة
( الصفحه 402 )
المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم كما لا يخفى .
ثمّ إنّه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان; بل بالظنّ نقول : إن كان منشأه هو الإذن الصريح كأن يقول : أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة فالظاهر الاكتفاء به ، لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء والظنّ الحاصل منها حجّة عندهم .
وإن كان منشأه هو الفحوى كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل فبالصلاة يكون راضياً بالأولى فالظاهر عدم حجّيته; لأنّ الظنّ بالرضا بالصلاة لا يكون مستنداً إلى اللفظ لأنّ المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام والقعود ونحوهما والأولوية لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ والظنّ المعتبر إنّما هو ما يكون مستنداً إلى اللفظ ومرتبطاً بمدلوله ، نعم ربّما يكون ذكر القيام ونحوه في الكلام على سبيل المثال والمقصود إفادة مطلق التصرّفات المشابهة وما يكون أولى من المذكور فإنّه ـ حينئذ ـ تقع الصلاة كالمذكور والمفروض غير هذه الصورة وفيه لا دليل على اعتبار الظنّ بعد عدم كونه مدلولا للكلام ولو عرفاً وعدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظية ـ المطابقة والتضمّن والالتزام ـ لتوقّف الثالثة على كون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ كما قرّر في محلّه .
وإن كان منشأه هو شاهد الحال والقرائن غير اللفظية فالظاهر عدم اعتباره أيضاً; لعدم استناده إلى اللفظ ولا دليل على حجّية الظنّ غير المستند إليه إلاّ أن يكون الفعل كاللفظ ممّا جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اُخرى عليه ـ كما هو المعمول في زماننا هذا ـ في بلادنا فإنّه لا يبعد جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من ذلك لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ .
( الصفحه 403 )
مسألة 6 ـ يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان ، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة كالاستطراقات العادية غير المضرّة والجلوس والنوم فيها وغير ذلك ، ولا يجب التفحّص عن ملاكها من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين ، نعم مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاكها ولو بوضع ما يمنع المارة عن الدخول فيها يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفية ومراتع دوابها ومواشيها فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .
1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه هي السيرة القطعية العملية من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) لا أدلّة نفي الحرج والضرر لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع ، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حق الغير مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي مع أنّ المدّعى كلّي فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة .
ثمّ إنّ الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالّة على ظهور الكراهة والمنع من المالك كبناء الحيطان ووضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها ، نعم في الأراضي المتّسعة جدّاً مثل ما ذكر في المتن الظاهر ثبوت الجواز حتّى مع المنع وظهور الكراهة فإنّه لم يعهد الترك مع ظهورها بل جرت سيرة المتشرّعة على التصرّفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضاً فاللاّزم في المقام ملاحظة السيرة وتشخيص موارد ثبوتها عن غيرها كما لا يخفى .
( الصفحه 404 )
مسألة 7 ـ المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه ، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة ، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .
1 ـ المكان تارة يستعمل في مقام اعتبار الطهارة واُخرى في مقام اعتبار الإباحة كما انّه ربّما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم أو مساواته له .
امّا من يستعمل في مقام اعتبار الطهارة فالمراد به امّا خصوص موضع الجبهة أو مطلق محلّ قرار المصلّي وهو سطحه الظاهر ، كما انّه سيأتي ما هو المراد بالأخيرين ، وامّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة الذي هو محلّ البحث في المقام فالمراد به ـ كما عن جامع المقاصد ـ الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي أو يستقرّ عليه بوسائط .
وعن الإيضاح انّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط وما يلاقي بدونه وثوبه وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي بدنه ويحاذي بطنه وصدره وقد أورد على كلّ من التعريفين ببعض الإيرادات ولكن التحقيق انّ لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر ، بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت انّه هو الدليل على الاشتراط لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر والنهي ، وعليه فاللاّزم ملاحظة انّ مراد المجمعين منه ماذا والظاهر بلحاظ وقوع الاستناد إلى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم انّ مرادهم ما يكون التصرّف فيه متّحداً مع الصلاة ولو بلحاظ بعض أجزائها ، وعليه فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقرّ عليه المصلّي