( الصفحه 405 )
غصباً ، نعم إذا كان هناك وسائط فالظاهر انّ الموارد مختلفة فتارة يتحقّق التصرّف مع وجودها كما إذا صلّى على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر فإنّه هناك يتحقّق صدق التصرّف في المغصوب فإنّ التصرّف في السقف غير التصرّف في الجدار وإن كان لا يثبت بدونه وكما إذا كان في ذيل الجدار بعض الأجزاء المغصوب فإنّ الصلاة فوق الجدار لا يكون تصرّفاً في ذلك البعض عرفاً هذا بالنسبة إلى الاستقرار .
وامّا بالإضافة إلى الفراغ والقضاء الذي يشغله المصلّي في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها فالبحث فيها يتوقّف على تحقّق عنوان الغصب فيه وهو يتوقّف على ثبوت الملكية بالنسبة إليه وقد ذكر فيه أقوال ثلاثة :
أحدها : انّ كلّ من يملك أرضاً فهو مالك لفضائها إلى عنان السماء ولقرارها إلى تخوم الأرضين كما هو الحال في الكعبة المشرّفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة التي قد ورد في شأنها انّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء .
الثاني : انّه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقّف عليه تصرّفاته في أرضه بعين ملكيته للأرض ولمقدار آخر منه بتبعيّة الأرض بمنزلة الحريم لها .
الثالث : القول الثاني مع الافتراق في القول بأولوية مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع لا الملكية .
والظاهر انّه لا دليل على القول الأوّل ولا يساعده العقلاء بوجه ، وامّا الأخيران فالتحقيق في تعيين ما هو الحقّ منهما موكول إلى محلّه ولكنّه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في المقام لأنّه كما لا يجوز التصرّف في ملك الغير كذلك لا يجوز التصرّف في متعلّق حقّ الغير إلاّ مع إذنه .
ثمّ إنّ الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرّفاً في المغصوب بوجه بل إنّما
( الصفحه 406 )
هو انتفاع به في بعض الموارد ولا دليل على حرمة مجرّد الانتفاع من دون تصرّف كما تقدّم في مثل الاصطلاء بناء الغير والاستضاءة بنوره والنظر إلى بستانه أو عمارته ولا وجه لما هو المحكي عن ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير كحرمة التصرّف فيه وإن حكم بصحّة الصلاة في الفرض المزبور نظراً إلى عدم اتحاد الانتفاع بمال الغير مع الاجزاء الصلاتية بخلاف التصرّف فيه قال : للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة وبين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهيّاً عنه والمتحقّق في الفرض الأوّل إذ الأكوان من الحركات والسكنات في الفضاء المحلّل ويقارنها حال الانتفاع بالمحرم وهو أمر خارج عن تلك الأكوان لا انّها أفراده ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده كما هو واضح بأدنى تأمّل .
والظاهر انّ عدم حرمة الانتفاع من دون التصرّف كاد أن يكون من ضروريات الفقه والعقلاء فلا يبقى مجال لما أفاده (قدس سره) كما انّك عرفت انّ الدليل على البطلان في أصل المسألة ليس هو اتحاد التصرّف مع الأجزاء الصلاتية بل الدليل هو الإجماع وإلاّ فالقاعدة لا تقتضي البطلان .
( الصفحه 407 )
مسألة 8 ـ الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما لكن الأحوط ترك ذلك ، ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم ، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين ، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً ، وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد ، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة ، كما انّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه وإن لا تبعد كفاية مطلقهما 1 .
1 ـ المشهور بين المتقدّمين من الأصحاب بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة وإن كانوا بين من يكون البطلان ظاهر تعبيره لتعبيره بعدم الجواز الظاهر فيه وبين من يكون البطلان صريح كلامه لتصريحه به ولكن الشهرة انقلبت بين المتأخّرين إلى الكراهة ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في الباب واللاّزم ملاحظتها فنقول :
امّا ما ظاهره الجواز فروايات :
منها : مصحّحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد .
والتعليل المذكور في الرواية مضافاً إلى غرابته في نفسه المشعرة بصدورها تقية لا يصلح علّة للحكم المذكور في الرواية لأنّ مورد الحكم صلاة المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي .
وبعبارة اُخرى مورده ما إذا صلّى كلاهما معاً ومقتضى التعليل جواز صلاة الرجل والمرأة بين يديه وهي لا تصلّي .
( الصفحه 408 )
ودعوى استقامة التعليل بتقريب انّ تقدّمها مضطجعة في حال الحيض إذا لم يكن مانعاً عن صلاة الرجل فتقدّمها في حال الصلاة أولى بعدم المانعية .
مدفوعة بأنّ مثل هذا التعليل لو كان صالحاً للعلّية لكان الحكم في أصل المسألة واضحاً بعد ظهور جواز تقدّم المرأة في غير حال الصلاة على الرجل المصلّي فالتعليل غير مستقيم ولأجله احتمل التصحيف في الرواية وانّ الصحيح : «أن تضطجع المرأة» بدل «تصلّي» كما انّه احتمل بل استظهر أن يكون بدله «لا تصلّي» بحيث كانت كلمة «لا» ساقطة لكن لا مجال لشيء من الاحتمالين لأنّهما يرفعان الوثوق بالأخبار المضبوطة في الكتب المدوّنة وفي التعليل إشكال آخر وهو عدم انطباقه على الصدر من جهة انّ الحكم بعدم البأس فيه إنّما يكون محمولا على صلاة المرأة بحذاء الرجل والتعليل يدلّ على جواز صلاة الرجل ولو كانت بحذائه امرأة هذا مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى الجميل وحده ممّا لا تعلم صحّته .
ومنها : مرسلة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه قال : لا بأس . وهذه الرواية وإن كانت دليلا على الجواز مطلقاً إلاّ انّ الظاهر اتحادها مع مرسلته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه قال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس . بمعنى انّ الراوي وهو جميل سأل الإمام (عليه السلام) عن حكم المسألة مرّة واحدة وأجابه بجواب واحد وهو مردّد بين أن يكون هو الحكم بعدم البأس مطلقاً أو مقيّداً بما إذا كان سجودها مع ركوعه والظاهر هو الثاني لأنّه إذا دار الأمر بين الزيادة السهوية والنقيصة كذلك يكون الترجيح ـ بمقتضى حكم العرف ـ مع الثاني .
ويؤيّد كونهما رواية واحدة اشتراك الروايتين من حيث السند من ابن فضال إلى الآخر حيث إنّه روى في كلتيهما عمّن أخبره عن جميل ، كما انّه يؤيّد كون الحكم
( الصفحه 409 )
مقيّداً ما رواه ابن فضال عن ابن بكير عمّن رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه فقال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس .
بل يحتمل قوياً اتحادها معهما أيضاً نظراً إلى أنّ المراد ممّن روى عنه ابن بكير في سند هذه الرواية هو جميل المذكور في الروايتين والمراد ممّن أخبره فيهما هو ابن بكير المذكور في هذه الرواية فيرفع كلّ واحد إجمال الآخر ويرتفع الإشكال عن جميع الروايات الثلاثة من جهة الإرسال ولكن لا يمكن الاتكاء على هذا الاحتمال وإن كان قوياً ـ كما عرفت ـ .
والمراد من كون سجودها مع ركوعه يحتمل أن يكون تساوي رأس المرأة في حال السجود مع رأس الرجل في حال الركوع أي كانت متأخّرة عنه بهذا المقدار ، ويحتمل أن يكون المراد وقوع رأسها في حال السجود محاذياً لأوّل جزء من بدن الرجل أي يجب التأخّر بهذا المقدار ويبعد هذا الاحتمال انّه لا فرق ـ حينئذ ـ بين حال الركوع وحال القيام لعدم الفرق في أوّل الجزء بينهما فيكون ذكر الركوع بلا فائدة ويقربه رواية هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : الرجل إذا أَمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه .
ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك وإنّما يكره في سائر البلدان . ولا دلالة فيها على فرض صلاة الرجل أيضاً وليس قوله : «معك» ظاهراً فيه ، وعليه فيمكن أن يكون المراد صلاة المرأة في وسط الرجال بحيث كانت بين أيديهم الخ من دون فرض صلاتهم ولا دليل على عدم الكراهة في سائر البلدان في هذه الصورة كما لا يخفى .