( الصفحه 412 )
زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى قال : لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر أجزئه ، يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر .
والظاهر انّ المراد بلا ينبغي في الرواية هو البطلان لا الكراهة ، وتفسير المراد من الشبر وإن وقع من الراوي إلاّ انّ الظاهر انّ لفظ «شبر» بالشين المعجمة والباء الموحدة تصحيف «الستر» بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق إذ من البعيد أن تكون الحجرة بالغة في الضيق إلى حدّ يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيها مع التحاذي مقدار شبر واحد ويؤيّده رواية محمد الحلبي قال : سألته (يعني أبا عبدالله (عليه السلام)) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى قال : لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر فإن كان بينهما ستر أجزأه .
وقد عرفت انّ تفسير الراوي لا يساعد ذلك وقد ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين انّه يمكن صحّتهما .
ومنها : رواية أبي بصير هو ليث المرادي قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع ، ثمّ قال : كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعاً وكان يضعه بين يديه إذا صلّى يستره ممّن يمرّ بين يديه .
قال في الوافي : اُريد بالرحل رحل البعير واُريد بطوله ارتفاعه من الأرض أعني السُمك . ويحتمل قريباً بقرينة الذيل أن يكون المراد بقوله : إلاّ أن يكون . . . وجود حائل بينهما كان طوله شبراً أو ذراعاً ، كما انّه يحتمل أن يكون المراد تقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار .
والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل
( الصفحه 413 )
والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا حتّى يكون بينهما شبراً وذراع أو نحوه . وعليه فيرتفع إشكال الإضمار عن روايته الاُولى .
ومنها : رواية عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُصلّي والمرأة إلى جنبي (جانبي) وهي تصلّي قال : لا إلاّ أن تقدم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة .
فإن كان المراد بقوله : إلاّ أن تقدم . . . . هو التقدّم في الموقف مع التقارن في الصلاة فالظاهر انّ الرواية معرضة عنها; لأنّ التقدّم أولى بالمنع من الجنب المفروض في سؤال الرواية ، وإن كان المراد هو التقدّم في أصل إيقاع الصلاة بمعنى كون صلاة واحد منهما قبل الآخر فالرواية تصير من أدلّة مطلق المنع ويصير الاستثناء منقطعاً لأنّ المفروض في السؤال هو التقارن في الصلاة .
ومنها : رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد ، قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس .
ومنها : رواية حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه فقال : إذا كان بينهما موضع رجل (رحل) فلا بأس . والمراد بموضع الرجل يحتمل أن يكون هي الخطوة ويحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو مقدار الشبر .
ومنها : رواية اُخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال : نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل .
( الصفحه 414 )
ومنها : رواية ثالثة لزرارة قال : قلت له : المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال : تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً .
ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت .
والظاهر اتحادها مع الموثقتين المتقدّمتين فيما ظاهره المنع بمعنى انّ هذه تمام الرواية وما تقدّم مشتمل على بعضها كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي ضحى وأمامه امرأة تصلّي ، بينهما عشرة أذرع قال : لا بأس ليمض في صلاته . ولكنّها لا تبلغ من الظهر في اعتبار العشرة مرتبة الموثقة كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل قال : إذا كان بينهما حاجز فلا بأس . ومقتضى إطلاقها لولا انّه المنصرف إليه الشمول لحال الصلاة الرجل أيضاً ويؤيّد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز مع أنّه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما .
ومنها : صحيحة اُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي وهو يراها وتراه قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس . والظاهر انّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير ، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة كما في الحائط
( الصفحه 415 )
القصير ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة .
ومثلها روايته الاُخرى عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال : سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس . قال في الوافي : «الكواء ـ ممدوداً ومقصوراً جمع الكوة بالتشديد وهي الروزنة» .
إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة : طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً ، واُخرى على المنع كذلك وثالثة على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً فاعلم انّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث النسد حتى رواية جميل التي رواها عنه الصدوق باسناده لما مرّ من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي مرّ انّه لا ملائمة بينه وبين الحكم المذكور في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بأنّ غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية .
وبالجملة روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له فلم تبق في المسألة إلاّ الطائفتان الأخيرتان .
وليعلم انّ ما دلّ من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل والمرأة لا ينافي ما دلّ على المنع مطلقاً; لأنّ مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز كما لا يخفى فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد .
ثمّ إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين :
الأوّل : حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة والتصرّف في ظهورها في
( الصفحه 416 )
إطلاق النهي نظراً إلى صراحة الطائفة المفصلة في الحكم بالجواز وعدم المنع مقيّداً بالقيود المذكورة فيها فيحمل ظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق على الكراهة في مورد تلك القيود ويقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع أو موضع رحل أو عشرة أذرع ويحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة فهي في الشبر أشدّ وأقوى وفي عشرة أذرع أضعف وأنقص من مسائر المراتب .
الثاني : إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهي والتصرّف في الروايات المفصّلة بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها ليس صورة التحاذي أو تقدّم المرأة بل موردها فرض تقدّم الرجل على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها بحمل العناوين المذكورة فيها من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة .
ربّما يؤيّد الثاني تفسير الشر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر فإنّه يظهر منه انّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة ووقوع البينيّة بهذا المعنى ، وعليه تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار ، كما انّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع حالات الصلاة فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار كما لا يخفى .
ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة من قوله (عليه السلام) : لا تصلّي المرأة بحيال الرجل بقوله : إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال .