( الصفحه 437 )
مسألة 10 ـ لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفو عنها إلى الثوب أو البدن ، نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ ، كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً ، والأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع وتنور إلى الأرضين السبع على ما في الحديث ، ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة والزجاج والقير ونحو ذلك ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد ، والأقوى جوازه على الخزف والاجر والنورة والجص ولو بعد الطبخ ، وكذا الفحم ، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى وجميع أصناف المرمر إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم انّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها ، ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما والفواكه والبقول المأكولة ، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل ، ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتصل بها إلاّ مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً ، أو يأكله بعض الناس ، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط ، نعم لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللب المأكول ، ومع عدم مأكولية لبّه ولو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً كما لا بأس بغير المأكول كالنظل والخرنوب ونحوهما ، كما لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما ، ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه ، والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير وكذا على قشر البطيخ ونحوه ، ولايبعد الجواز على قشر الارز والرمّان بعد النفصال .
( الصفحه 438 )
والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول فلا يجوز على القطن والكتان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل ، نعم لا بأس على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتخاذ الملابس المعتادة منها ، فلا بأس حينئذ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلا فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها ، والأحوط ترك السجود على القنب ، كما انّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات كالمتخذ من الحرير والابريسم وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً 1 .
1 ـ امّا عدم اعتبار الطهارة في مكان المصلّي غير مسجد الجبهة فيأتي البحث فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب السجود . وامّا اعتبار كون ما يسجد عليه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً فهو المقصود بالبحث هنا ، وتفصيل الكلام فيه انّ اعتبار هذا الشرط فيما يسجد عليه المصلّي يكون ممّا تفرّدت به علمائنا الإمامية من غير خلاف بينهم خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يعتبروا فيما يسجد عليه شيئاً ومقتضى ذلك جواز السجود على كلّ شيء ولو كان من الأعيان النجسة .
ومنشأ الاعتبار ، الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب الدالّة عليه عموماً أو خصوصاً بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات .
وممّا يدلّ على ذلك ـ بنحو العموم ـ صحيحة هشام بن الحكم انّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : اخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز قال : السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في
( الصفحه 439 )
عبادة الله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (الحديث) .
وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس . وعدم التعرّض لنفس الأرض امّا لأجل كونها مستفادة من طريق الأولوية وامّا لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقّق في خصوص النبات دون الأرض لعدم استثناء شيء منه ، ويحتمل أن يكون «ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض ونباتها وتؤيّده الرواية الآتية الواردة في الزجاج .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه المذكورة في «الوسائل» فلا إشكال في الحكم في الجملة ، نعم لابدّ من التكلّم في الفروع في ضمن اُمور :
الأوّل : لا خفاء في أنّ المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها ومركباتها ، بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأوّلية القابلة للتغيير إلى المعادن والنباتات والحيوانات وهي عبارة عن التراب والحجر والرمل والحصى فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين أن يكون تراباً خالصاً أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب أو الفضّة أو غيرهما من المعدنيات لعدم خروجه عن صدق التراب وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية ولذا لا يجوز السجود على مثل الذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض .
( الصفحه 440 )
وكذا يجوز السجود على الحجر من دون فرق بين أنواعه ، نعم بعض الأحجار خارج عن صدق الأرض كالأحجار الكريمة كالياقوت والفيروزج والزبرجد فيجوز السجود على حجر الجص وكذا حجر النورة فيما إذا لم يكونا مطبوخين ، وامّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ ، وامّا استصحاب بقاء عنوان الأرض فهو مخدوش لعدم كون الشكّ في بقاء أمر خارجي بل في مفهوم لفظ الأرض كاستصحاب بقاء النهار إذا شكّ في زواله باستتار القرص أو بقائه إلى زوال الحمرة المشرقية .
ويدلّ على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليّ بخطّه : انّ الماء والنار قد طهّراه .
فإنّ ظاهر السؤال انّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه ليس هي المطبوخية بل إنّما هي النجاسة ومع فرض عدمها فلا إشكال في جواز السجود عليه وظاهر الجواب تقرير السائل على ذلك ودفع توهّم النجاسة بأنّ الماء والنار قد طهّراه وهذا التعليل وإن كان في كمال الإجمال ـ لأنّ المفروض فيه حصول النجاسة للجص بالطبخ في مورد السؤال وهو إنّما يتمّ على تقدير اختلاط ذرّات العذرة والعظام مع الجصّ ، وامّا لو فرض وجود الحائل بينهما كالظرف ونحوه فلا تتحقّق النجاسة بوجه وعلى تقديرها فلا معنى لحصول الطهارة لها بالماء الذي يكون المراد منه ظاهراً هو الماء المخلوط معه لأن يتحقّق إمكان التجصيص ولا وجه لكون مثله مطهراً وكذلك النار وقد تقدّم بيان ذلك في المطهّرات ـ إلاّ ان إجماله لا يقدح فيما هو المهمّ من الاستدلال بالصحيحة كما لا يخفى .
( الصفحه 441 )
وبما ذكرنا ظهر جواز السجود على الخزف والآجر وكذا حجر الرحى والمرمر وغيره من الأحجار التي يصدق عليها اسم الأرض وإن أطلق عليه المعدن أيضاً فإنّ صدق المعدن لا يقدح مع إطلاق الأرض لأنّه ليس في أدلّة المسألة ما يدلّ على المنع من السجود على المعدن بعنوان كونه معدناً ، نعم في المرمر المصنوعي إذا لم يعلم مادّته المصنوع منها واحتمل اتخاذه من غير المواد الأرضية لا يجوز السجود عليه لعدم إحراز عنوان الأرض . وامّا الزجاج فلا يجوز السجود عليه لعدم صدق الأرض عليه مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه قال : فكتب إليّ : لا تصلِّ على الزجاج وإن حدثتك نفسك انّه ممّا أنبتت الأرض ولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان . ورواه علي بن عيسى في «كشف الغمة» نقلا من كتاب الدلائل لعبدالله بن جعفر الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري (عليه السلام) قال : وكتب إليه محمد بن الحسن بن مصعب يسأله وذكر مثله إلاّ انّه قال : فإنّه من الرمل والملح والملح سبخ .
وما حدّثت نفس الكاتب من أنّ الزجاج ممّا أنبتت الأرض يمكن أن يكون وجهه ما أشرنا إليه في ذيل بعض الروايات المتقدّمة من أنّ ما أنبتت الأرض كناية عن الأرض ونباتها فيكون في ذهن السائل انّ الزجاج من أجزاء الأرض ولأجله وقع الجواب عنه بأنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان يعني انّ التركيب بينهما وصيرورتهما زجاجاً أوجب خروجهما عن عنوان الأرض وعدم بقائهما على حقيقتهما وليس المراد انّهما ممسوخان حتّى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضية وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحية إلاّ