( الصفحه 432 )
يساوي .
والظاهر انّهما رواية واحدة بمعنى انّ الحميري سأل عن حكم المسألة مرّة واحدة واُجيب كذلك ، غاية الأمر انّ الجواب مردّد بين أن يكون مثل ما في الرواية الاُولى وبين أن يكون مثل ما في الثانية ، وعليه فالمراد من الفقيه الذي كتب إليه في الاُولى هو صاحب الزمان ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ نظراً إلى انّه من جملة ألقابه الشريفة أو إلى المعنى الوصفي ولا مجال لدعوى انّ الظاهر منه عند الإطلاق هو الكاظم (عليه السلام) لكثرة استعماله فيه ، وحيث إنّ الحميري متأخّر عن زمانه (عليه السلام)فالسند فيه سقط فتكون الرواية مقطوعة فإنّه لو سلّم هذا الظهور فإنّما هو مع عدم القرينة على الخلاف وهي في المقام موجودة لرواية الحميري عنه مضافاً إلى ما عرفت من التصريح بالصاحب (عليه السلام) في الرواية الاُخرى التي هي متّحدة مع هذه الرواية كما مرّ .
كما انّ الإشكال في سند الاُولى بأنّه رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود مع أنّه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة وفي سند الثانية بالإرسال لأنّه لا يمكن للطبرسي النقل عن الحميري من دون واسطة .
مدفوع بأنّه ذكر الشيخ في محكي الفهرست في ترجمة الرجل انّه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله وأحمد بن عبدون كلّهم ولا ينافيه عدم التعرّض له في المشيخة .
ولا دليل على كون رواية الاحتجاج مرسلة بعد احتمال كون الطبرسي قد نقلها عن كتاب الحميري وكون كتابه معلوم الاسناد إليه كما لا يخفى فاللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها فنقول :
امّا الإمام في قوله (عليه السلام) : ويجعله الإمام فيمكن أن يكون بفتح الهمزة بمعنى القدام
( الصفحه 433 )
وعليه فيكون هذه الجملة مؤكّدة لقوله فإنّها خلفه من دون أن تكون مفيدة لأمر آخر ويمكن أن يكون بكسر الهمزة ويكون المراد منه إمام الجماعة ، وعليه فالمراد منه هو جعل القبر بمنزلة إمام الجماعة في كونه متقدّماً ولا يتقدّم عليه ، وامّا احتمال كون المراد منه على هذا التقدير هو الإمام المعصوم كما في المستمسك نظراً إلى أنّ قرينية مورد السؤال تعين الحمل عليه فبعيد جدّاً; لأنّ مرجعه إلى جعل قبر الإمام إماماً ولا يتوقّف حمل الإمام على الإمام المعصوم في التعليل بقوله لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه على كون المراد بهذا الإمام هو الإمام المعصوم لأنّه جملة اُخرى متعرّضة لبيان حكم آخر معلّل بذلك التعليل والضمير فيها يرجع إلى الإمام المعصوم كما هو واضح .
وامّا قوله (عليه السلام) : لا يجوز أن يصلّي بين يديه مع التعليل بقوله : لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه فلا إشكال في أنّ الإمام فيه يراد به الإمام المعصوم ، امّا بالخصوص أو بحيث يشمل إمام الجماعة كما حكى الاستدلال به عن الأصحاب في مسألة عدم جواز تقدّم المأموم على الإمام في صلاة الجماعة ، والمراد من عدم جواز التقدّم على الإمام ليس هو التقدّم المعنوي بإنكار إمامته وعدم متابعته بل هو التقدّم في الموقف بالمشي أو الجلوس أو الوقوف مقدّماً عليه والمراد منه هو مطلق التقدّم لا في خصوص الصلاة و ـ حينئذ ـ ربّما يقال حيث إنّ التقدّم على المعصوم في الموقف ليس حكماً إلزامياً ، بل أدبياً قطعاً يكون التعليل قرينة على الكراهة كسائر ما ورد عنهم في آداب زيارتهم .
ويرد عليه مضافاً انّ مجرّد كون الحكم وارداً في مقام الأدب لا يستلزم عدم كونه إلزامياً فإنّ من الأحكام الأدبية ما تجب مراعاته كحرمة رفع الصوت على صوت النبي (صلى الله عليه وآله) وحرمة الجهر له بالقول كهجر البعض بالبعض ، بل وحرمة مسّ
( الصفحه 434 )
القرآن الشريف من دون طهارة التي لا تكون ناشئة إلاّ من جهة الأدب ورعاية احترام القرآن بجميع شؤونه حتّى نقوشه وخطوطه .
انّه لو كان بيان الحكم بصورة النهي لأمكن حمله على الكراهة لشيوع استعمال النواهي فيها ، وامّا لو كان بيانه بمثل قوله : لا يجوز الظاهر في نفي الجواز لما كا وجه للحمل على الكراهة لعدم المناسبة ينها وبين نفي الجواز كما لايخفى .
وعلى ما ذكرنا فلا محيص عن الالتزام بعدم الجواز الوضعي كما هو الظاهر في مثله وذهاب المشهور إلى خلافه لا يوجب الوهن في الرواية من جهة الاعراض عنها لعدم ثبوت الاعراض لأنّه يحتمل قويّاً انّهم حملوها على الحكم الأدبي الملائم مع عدم اللزوم بل الظاهر هو ذلك كما يشهد به الفتوى بالكراهة الكاشفة عن حمل الرواية عليها وإلاّ لا دليل على الكراهة أيضاً فتدبّر .
المقام الثاني : في اليمين واليسار وعن بعض متأخّري المتأخّرين المنع فيه أيضاً وهو ظاهر رواية الطبرسي المتقدّمة المشتملة على التعليل بقوله : ولا يساوي بعد التعليل لحكم التقدّم بقوله : لأنّ الإمام لا يتقدّم ويؤيّده الحصر المستفاد من رواية الشيخ (قدس سره) من قوله : امّا الصلاة فإنّها خلفه ويجعله الإمام ظاهره انحصار الجواز من الجوانب الأربعة بالخلف لكن وقع في ذيلها قوله : ويصلّي عن يمينه وشماله وفيه احتمالات ثلاثة :
أحدها : أن يكون جملة مستقلّة مستأنفة متعرّضة لبيان حكم الجانبين ومفادها ـ حينئذ ـ جواز الصلاة عن يمينه وشماله ويقع التعارض ـ حينئذ ـ بينها وبين رواية الطبرسي الظاهرة في المنع كما مرّ وهذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية .
ثانيها : أن يكون معطوفاً على قوله : يصلّي بين يديه وعليه يكون منصوباً ومرجعه إلى أنّه كما لا يجوز أن يصلّي بين يديه كذلك لا يجوز أن يصلّي عن يمينه
( الصفحه 435 )
وشماله ويبعده الفصل بينه وبين حكم التقدّم بالتعليل مضافاً إلى خلوّه عن التعليل مع أنّه أحوج إليه من التقدّم فتدبّر .
ثالثها : أن يكون قوله : يصلّي مبنياً للمفعول معطوفاً على قوله : يتقدّم فيكون من تتمّة التعليل ومرجعه إلى أنّ الإمام كما لا يتقدّم عليه كذلك لا يصلّي عن يمينه وشماله ويبعده عدم المناسبة بين كونه من تتمّة التعليل وبين كون الحكم المعلّل عدم جواز خصوص الصلاة بين يديه فانقدح انّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل المعارض لرواية الطبرسي .
ثمّ إنّه لو قلنا بكونهما روايتين وقع بينهما التعارض فالظاهر رجحان رواية الشيخ لصحّة سندها ونحن وإن نفينا الإرسال في رواية الطبرسي إلاّ انّها لا تبلغ مرتبة الصحيحة بحيث يمكن أن تكون معارضة لها مع أنّ رواية الشيخ يمكن أن تصير قرينة على حمل الاُخرى على الكراهة فتدبّر .
وإن قلنا : بكونهما رواية واحدة كما استظهرناه في أوّل المسألة فاللاّزم الالتزام بتردّد ما هو الصادر من الإمام (عليه السلام) بين أن يكون هو الجواز أو العدم وحيث لا معين للثاني يبقى إطلاق ما دلّ على الصلاة في كلّ مكان بلا معارض خصوصاً مع كون الرواية الدالّة على الجواز صحيحة من حيث السند كما عرفت .
وامّا الحصر في قوله : فإنّها خلفه فالظاهر انّه حصر إضافي في مقابل التقدّم ويمكن أن يكون المراد منه هو الفضل والكمال بالإضافة إلى سائر الجهات الثلاثة .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر هو الجواز في اليمين واليسار ويؤيّده الروايات الكثيرة الدالّة على استحباب الصلاة عند رأس الإمام الظاهرة في جواز الصلاة مع التساوي ولا مجال لحملها على التأخّر بمقدار لا يصدق المحاذاة والمساواة بعد عدم الدليل على المنع فيها .
( الصفحه 436 )
ثمّ إنّ الظاهر صدق عنوان القبر على الصندوق المنصوب عليه فإنّه بمنزلة الحجر المنصوب عليه الذي يصدق على وضع اليد عليه انّه وضع اليد على القبر وعلى تقبيله انّه تقبيله ، وامّا الشباك المنصوب عليه فالظاهر انّه لا يصدق عليه القبر وقيام السيرة على معاملتهم معه معاملة القبر في آداب الزيارة كوضع الخدّ عليه ليس لأجل كونه قبراً بل إنّما هو لأجل المجاورة القريبة معه مع عدم تمكّنهم من الوصول إليه نوعاً .
ثمّ إنّ الحائل والبعد المفرط المخرج عن صدق التقدّم والمحاذاة عرفاً يكفي في رفع المنع والكراهة والظاهر انّ الشباك على تقدير عدم كونه قبراً لا يعدّ حائلا أيضاً عرفاً كما لايخفى .