( الصفحه 45 )
وقتها إلى أن تطلع الحمرة المشرقية ، وعن الشهيد (قدس سره)الميل إلى الامتداد إلى آخر وقت الفريضة والروايات في هذا المقام أربعة :
الاُولى : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ، ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : يؤخّرهما ، بناءً على ظهورها في أنّ الأمر المتعلّق بركعتي الفجر قد انقطع بظهور الحمرة وإن استمراره إنّما كان إلى هذا الحدّ فحسب فلا يؤتى بهما بعده .
ويرد عليه انّه إن كان مراد المشهور من الامتداد إلى ذلك الوقت هي صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس فالصحيحة لا دلالة لها على ذلك; لأنّ عدم جواز مزاحمتهما مع الفريضة بعد طلوع الحمرة ولزوم تأخيرهما عنها لا دلالة له على صيرورتهما قضاء وخروج وقتهما بطلوع الحمرة ، نعم لو كان المراد من الامتداد إليه هو مزاحمتهما للفريضة قبله وعدمها بعده من دون أن تصيرا قضاءاً فالصحيحة دالّة عليه .
الثانية : رواية حسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يقوم وقد نور بالغداة قال : فليصل السجدتين اللّتين قبل الغداة ثمّ ليصلِّ الغداة . والظاهر انّ التنوّر بالغداة أعمّ من ظهور الحمرة ، والرواية تدلّ على مذهب الشهيد ولا تنطبق على مرام المشهور إلاّ على تقدير كون المراد بالامتداد هي المزاحمة بضميمة تقييد إطلاقها بصحيحة علي بن يقطين المتقدّمة الدالّة على عدم جواز المزاحمة بعد طلوع الحمرة المشرقية .
الثالثة : مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة الحاكية لقوله (عليه السلام) : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناء على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الفجر الكاذب كما عرفت ، ولكن
( الصفحه 46 )
الظاهر عدم جواز الالتزام بالرواية; لأنّه مضافاً إلى ظهورها ـ حينئذ ـ في جواز الابتداء بالفريضة بعد طلوع الفجر الكاذب يكون مقتضاها انّ طلوع الفجر الكاذب آخر وقت الركعتين فتدبّر .
وعليه فلابدّ من الحمل على أنّ المراد بذلك هو تنوّر السماء وضوء العالم كلّه وإن كان يبعده تقييده بكونه حذاء رأسك .
الرابعة : رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين قبل الفجر قال : تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة ، إنّهما قبل الغداة . قال في الوسائل بعد نقل الرواية بمثل ما ذكر : وفي رواية اُخرى : حين تنور الغداة .
فإن كانت الرواية «حين تنور» تصير من حيث المفاد موافقة لرواية حسين بن أبي العلاء المتقدّمة ومقتضى إطلاقها الامتداد إلى بعد طلوع الحمرة أيضاً ، وامّا إذا كانت «حين تترك» يكون مفادها انّه مع عدم إرادة خصوص الفريضة والإتيان به تأتي بالركعتين ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكر ، وامّا إذا كانت «حين تنزل» فإن كان المراد بالغداة النازلة هي نفس الغداة التي بمعنى الصبح فنزول الغداة مرجعه إلى تنورها وتجلّلها ، وإن كان المراد بها هي فريضة الغداة كما ربّما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الذي هو بمنزلة التعليل : إنّهما قبل الغداة لا يعلم المراد من نزول الفريضة ولعلّ المراد منه الإتيان بها ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى الإتيان بالنافلة حين إرادة الإتيان بالفريضة ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكرنا .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لو كان مراد المشهور من الامتداد إلى طلوع الحمرة هو صيرورتها قضاء بعده لا يمكن المساعدة عليه من جهة الروايات الواردة في الباب ، وامّا لو كان مرادهم هي المزاحمة مع الفريضة إلى ذلك الوقت فلا مانع من الأخذ به لصحيحة علي بن يقطين الصريحة في ذلك ، بل لا مانع من دعوى امتداد
( الصفحه 47 )
الوقت إلى مقدار ما بقى إلى الطلوع من اداء الفريضة كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ لأنّ الغرض هو أن لا يفوت وقت فضيلة الفريضة وهو يتوقّف على بقاء المقدار المذكور فتدبّر .
المسألة الرابعة : في وقت صلاة الليل ، والكلام فيه أيضاً يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في وقتها من حيث المبدأ ، ونقول : قد استقرّت الفتاوى على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل وحكى عن بعض انّ مبدأ وقتها أوّل الليل وما يمكن أن يستدلّ أو استدلّ به على مرام المشهور وجوه :
الأوّل : الإجماع على أنّ أوّل وقتها هو الانتصاف وانّه لا يجوز تقديمها عليه إلاّ فيما ورد النصّ على الجواز فيه .
وفيه : انّ الإجماع في المسائل التي تشتمل على الأدلّة اللفظية لا أصالة له أصلاً لقوّة احتمال أن تكون تلك الأدلّة مستند المجمعين فلا اعتبار بالإجماع ـ حينئذ ـ .
الثاني : مرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره .
وقد أورد على الاستدلال بها بالإرسال ولكنّه مندفع بأنّ الإرسال إن كان بنحو الاسناد إلى الرواية بمثل «روى» فلا يصلح للاستدلال وإن كان بنحو الاسناد إلى المعصوم (عليه السلام) الذي لا يكاد يجتمع إلاّ مع توثيق الوسائط والاعتماد عليهم والاطمئنان بهم فيجوز الاستناد إليه إذا كان مرسله مثل الصدوق الذي لا يقصر توثيقه عن توثيق أرباب الرجال; لأنّه لا يعتبر في التوثيق التصريح به ، بل يكفي الاعتماد الكاشف عن الوثاقة عنده فتدبّر .
الثالث : الأخبار الواردة في أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان صلاة الليل قبل الانتصاف وهي كثيرة مثل ما رواه فضيل عن أحدهما (عليهما السلام) انّ رسول
( الصفحه 48 )
الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي بعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة . ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى ينتصف الليل .
ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ولا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس .
وأورد على الاستدلال بها بأنّ هذه الروايات ليس فيها غير حكاية فعل المعصوم (عليه السلام) ولا دلالة لها على التوقيت; لأنّه من المحتمل أن يكون التزامه بصلاة الليل بعد الانتصاف مستنداً إلى أفضليتها بعده لا إلى عدم مشروعيتها وحرمتها قبله .
ويدفعه تمامية الإيراد إذا كان الحاكي غير الإمام (عليه السلام) وامّا إذا كان الحاكي هو الإمام وكان غرضه من الحكاية بيان الأحكام كما هو شأنه لأنّه في مثل هذه الموارد لا يكون إلاّ بصدد بيان الحكم لا مجرّد الحكاية ونقل الواقعة فيجوز الاستدلال بكلامه الصادر في هذا المقام ومن الظاهر ظهور كلامه في عدم المشروعية قبل الانتصاف كما إذا كان بيان الحكم بصورة الأمر بإيقاع صلاة الليل بعده أو النهي عن الإتيان بها قبله ويؤيّده ذيل رواية زرارة المشتملة على حكاية أبي جعفر عمل علي (عليهما السلام) فإنّ تأخير النافلة إلى وقت الزوال كان بنحو العزيمة لعدم جواز الإتيان بها قبله والإنصاف تمامية دلالة هذه الروايات على مرام المشهور .
الرابع : الروايات الكثيرة الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف لمثل المسافر أو الشابّ أو خائف الجنابة أو البرد أو نحوها من الأعذار التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع والأربعين من أبواب المواقيت ومنها رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو
( الصفحه 49 )
أصابك برد فصلِّ واوتر في أوّل الليل في السفر .
ومنها : رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح .
فإنّ صلاة الليل إذا لم تكن موقتة بما بعد الانتصاف وكانت جائزة قبله أيضاً لما كان وجه لتخصيص الجواز بخصوص المعذورين المذكورين ، بل كان اللاّزم هو التجويز بالإضافة إلى غير المعذور أيضاً لمشروعيتها في وقتها مطلقاً .
وأورد على الاستدلال بها انّه من الجائز أن يكون الإتيان بصلاة الليل جائزاً في نفسه ومرجوحاً عند الاختيار قبل الانتصاف ولا تكون مرجوحة لدى العذر فعدم الترخيص مع الاختيار مستند إلى المانع وهي الحزازة الموجودة فيه .
وجوابه واضح فإنّه ـ مضافاً إلى أنّ هذا الاحتمال لا يعتنى به عند العقلاء في مقابل الظهور ـ نقول : إنّ رواية سماعة تدلّ على مفروغية اختلاف وقت صلاة الليل في السفر معه في الحضر ولذا يكون السؤال فيها مقيّداً بقيد السفر ، وعليه فكيف يجري فيه احتمال عدم اختلاف الوقتين وثبوت الاختلاف في الحزازة وعدمها كما لايخفى .
الخامس : رواية محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتّى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة فيصلّي أوّل الليل أحبّ إليك أم يقضي؟
قال : لا ، بل يقضي أحبّ إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقاً ، وكان زرارة يقول : كيف تقضي صلاة لم يدخل وقتها إنّما وقتها بعد نصف الليل .
وأورد عليه بأنّ محلّ الاستشهاد في الرواية إنّما هو قول زرارة دون الإمام (عليه السلام)ولم يعلم انّه ينقله عنه ولعلّه قد اجتهد في ذلك ولا اعتداد باجتهاده .