( الصفحه 50 )
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الناقل لقول زرارة هو الإمام (عليه السلام)لا محمد بن مسلم راوي الرواية ويؤيّده سياقها فتدبّر ـ ان نقل محمد بن مسلم عنه شاهد على عدم كون ذلك اجتهاداً من زرارة لوضوح عدم حجّية اجتهاده لغيره خصوصاً إذا كان مثل محمد بن مسلم فنقله عنه دليل على كونه رواية لا فتوى .
السادس : موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة ثمّ إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء .
وقد استدلّ بها بعض الأعلام مدّعياً لظهور دلالتها وخلوّها عن الإيرادات المتقدّمة مع أنّه يمكن الإيراد عليها بأنّ تقييد الصلاة المأمور بها بانتصاف الليل يجوز أن يكون من جهة تقيد الفضيلة بها وإلاّ فأصل الوقت لا يتوقّف على الانتصاف كما لايخفى .
السابع : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ قضاء صلاة الليل بعد الفجر أفضل من تقديمها على نصف الليل والإتيان بها قبله وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس والأربعين من أبواب المواقيت ودلالتها على مذهب المشهور ظاهرة فإنّه إذا لم تكن صلاة الليل موقتة بما بعد النصف وكان قبله أيضاً وقتاً لها لم يكن وجه لأفضلية القضاء عن الإتيان قبل الانتصاف فإنّه لا وجه لأفضلية القضاء عن الاداء ولو لم يكن وقت الفضيلة فإنّها تنافي التوقيت وتشريع الوقت كما هو واضح .
وقد استدلّ على القول بجواز الإتيان بها اختياراً من أوّل الليل بوجوه أيضاً :
الأوّل : المطلقات الواردة في صلاة الليل الدالّة على استحبابها وانّها ثمان ركعات أو أحد عشرة أو ثلاث عشرة ركعة في الليل بتقريب انّ كلمة «الليل» الواقعة فيها مطلقة تشمل جميع أجزاء الليل من أوّله ووسطه وآخره .
( الصفحه 51 )
والجواب انّها لا تكون بصدد بيان وقت صلاة الليل حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها ، بل هي في مقام بيان تعدادها في رديف سائر النوافل اليومية أو مجموعها والفريضة فراجع .
الثاني : رواية حسين بن علي بن بلال قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز .
والجواب : انّ الرواية ضعيفة السند بالحسين بن علي بن بلال; لعدم توثيقه بوجه ، ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بعد ظهور كون السؤال عن أصل الوقت لا وقت الفريضة وبعد تعليق الجواز على الفوت عند نصف الليل الظاهر في عدمه عند غيره ، وعليه فلا يبعد أن يكون المراد بالأفضل هو أصل الوقت والمراد من الأوّل والآخر هو التقديم والتأخير الراجع إلى القضاء .
الثالث : الأخبار الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على نصفه عند العذر كخوف الجنابة والسفر وخوف عدم القيام ونحوها بتقريب انّ التجويز مع تلك الأعذار يلائم مع عدم التوقيت بما بعد الانتصاف فإنّها لا تنافي الإتيان بها في وقتها ، غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابية كما في الفريضة وسقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة ويظهر ذلك من المحقّق الهمداني في المصباح .
والجواب ظهور هذه الروايات في تعدّد الوقت واختلافه ، ولا منافاة فإنّه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة أريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور ، غاية الأمر التوسّع في العذر وتعميم موارده فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلاً .
الرابع : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله
( الصفحه 52 )
إلى آخره إلاّ انّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل .
الخامس : صحيحة محمد بن عيسى قال : كتبت إليه أسأله يا سيّدي روي عن جدّك انّه قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل فكتب : في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله .
وهاتان الروايتان تامّتان من حيث السند والدلالة والجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر وعدمه هو حملهما على صورة العذر وحملها على حال الاختيار والشاهد للجمع هو الأخبار الدالّة على جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاص وثبوت تعدّد الوقت واختلافه فلا تعارض في البين كما لا يخفى .
المقام الثاني : في منتهى وقت صلاة الليل والمعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل إلى طلوع الفجر الصادق ، وفي مقابله احتمالان :
أحدهما : الامتداد إلى طلوع الشمس ومنشأه استدامة الليل إليه وإطلاق صلاة الليل عليها ، والآخر الامتداد إلى طلوع الفجر الكاذب ونسب ذلك إلى السيّد المرتضى (قدس سره) .
امّا الاحتمال الثاني فيرده رواية إسماعيل بن جابر أو عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : اقرأ الحمد واعجل واعجل .
ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح يبدأ بالوتر ، أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : بل يبدأ بالوتر وقال : أنا كنت فاعلاً ذلك .
( الصفحه 53 )
ورواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل . ولكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب إلى السيّد إنّما تتمّ على تقدير أن يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة إليه فينقضي وقتها بطلوعه وإن لم يطلع الفجر الصادق بعد لصراحتها في جواز الوتر وعدم انقضاء وقته قبل الصبح ، نعم يمكن أن يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبّر عنها بصلاة الليل في روايات متعدّدة فيجوز الإتيان بالشفع والوتر بعد الفجر الأوّل ، وعلى هذا التقدير يدفعه روايات الامتداد إلى الفجر الثاني الظاهرة في امتدادها بتمامها إليه ، ويمكن أن يستفاد من رواية إسماعيل أو عبدالله المتقدّمة خلافه نظراً إلى إطلاق : اقرأ الحمد الشامل لجميع الركعات وعدم الاختصاص بالوتر فتدبّر .
وامّا الاحتمال الأوّل فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس فقال : نعم ، وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد المخزون .
ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون . وغيرهما من الروايات الدالّة على تحقّق عنوان القضاء بطلوع الفجر .
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين :
الأوّل : ذكروا انّ الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل وأفضل منه آخر الليل الذي هو القريب من الفجر ويستفاد من قوله تعالى : }وبالأسحار هم
( الصفحه 54 )
يستغفرون{(1) ثبوت مزية لهذه القطعة المسمّاة بالسحر وقد اختلف في تفسيره فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل وربّما يفسّر بأضيق من ذلك وقد فسّر في اللغة بقبل الفجر أو قبيله أو سدى الليل ونحوها ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل الحكم ولعلّه يظهر المراد من السحر أيضاً ، فنقول : الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث العنوان المأخوذ فيها فبعضها يشتمل على عنوان السحر كرواية أبي بصير الواردة فيما يستحبّ أن لا يقصر عنه من التطوّع المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) : ومن (في) السحر ثمان ركعات ، ثمّ يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل .
ويستفاد من هذه الرواية بعد حمل السحر على وقت الفضيلة لا أصل الوقت بقرينة الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها بعد انتصاف الليل ووضح عدم كون السحر تمام النصف الباقي من الليل مغايرة عنوان السحر لعنوان آخر الليل وانّه أفضل من السحر كما لا يخفى .
ورواية فضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر . . . .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل . . .
وبعضها يشتمل على عنوان الثلث كرواية رجاء بن الضحاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه