( الصفحه 452 )
قرطاس عليه كتابة .
ولا إشكال في دلالتها على جواز السجود على القرطاس ، وإنّما الإشكال في أمرين :
أحدهما : انّه هل يستفاد منها إطلاق جواز السجود على القرطاس فيشمل القرطاس المأخوذ من غير النبات كالحرير والابريسم أو لا يشمل مثله لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات والظاهر هو الوجه الثاني; لأنّه مضافاً إلى أنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت معمولة من الخشب وشيء من النورة لأنّها كانت هي القراطيس المصنوعة في بلد مصر المحمولة منه إليها ، بل الظاهر كما يشهد به التاريخ انّ القراطيس المعمولة في الصين الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على أهل سائر البلاد كان أصلها من الخشب نقول : لا دلالة لشيء منها على الإطلاق بوجه .
امّا صحيحة صفوان فلأنّها مشتملة على حكاية فعل الإمام (عليه السلام) ومن المعلوم انّ الفعل لا إطلاق له ، نعم لو كان الحاكي هو الإمام الآخر وكان غرضه من الحكاية بيان الحكم يمكن الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم أخذ قيد فيه لكن الحاكي في الرواية هو الراوي دون الإمام (عليه السلام) .
وامّا صحيحة ابن مهزيار فمفادها انّ الكتابة لا تمنع عن جواز السجود على القرطاس ، وامّا انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه فهو مطلق القرطاس أو خصوص نوع منه فلا دلالة لها عليه .
وبعبارة اُخرى مرجع السؤال إلى انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه من دون كتابة إذا كان مكتوباً عليها هل يجوز السجود عليه أم لا ولم يعلم ذلك القرطاس كما لا يخفى .
( الصفحه 453 )
وامّا صحيحة جميل فمفادها انّه لا كراهة أو لا منع في قرطاس ليس عليه كتابة ولكنّها ليست بصدد إفادة هذا الحكم حتّى يستدلّ بإطلاقها ، بل بصدد بيان كون الكتابة موجبة للكراهة الاصطلاحية أو المنع بناء على كون الكراهة بمعنى الحرمة .
وبالجملة لم يظهر من شيء من الروايات إطلاق الحكم بجواز السجود على القرطاس والقدر المتيقّن خصوص القرطاس المتّخذ ممّا يصحّ السجود عليه كالنبات غير المأكول والملبوس .
ثانيهما : انّه لابدّ من ملاحظة دليل جواز السجود على القرطاس مع الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم جواز السجود على الأرض أو نباتها لأنّ مقتضى تلك الروايات انّ ما يصحّ السجود عليه لا يتجاوز عن العنوانين ومقتضى روايات القرطاس انّ هنا عنواناً ثالثاً غير الأرض ونباتها وهذا من دون فرق بين أن يكون الحكم بجواز السجود على القرطاس مطلقاً أو مختصّاً بما إذا كان متّخذاً من خصوص ما يصحّ السجود عليه امّا على الفرض الأوّل فواضح ، وامّا على التقدير الثاني فلأنّ الحكم بالجواز وإن كان منحصراً فيما ذكر إلاّ انّ الظاهر انّ القرطاس المتّخذ من النبات لا يطلق عليه النبات بوجه لزوال الروح النباتي وكذا الجسم النباتي عنه ولا يكون في العرف من مصاديق النبات بوجه فعلي كلا التقديرين يكون في البين عنون ثالث ولا مانع من الالتزام به بعد كون مقتضى التوفيق العرفي بين روايات القرطاس والروايات الظاهرة في انحصار جواز السجود بالعنوانين هو التصرّف في ذلك الظهور والالتزام بثبوت عنوان آخر لنصوصية هذه الروايات في انّ عنوان القرطاس له دخل في جواز السجود كما لا يخفى .
( الصفحه 454 )
مسألة 11 ـ يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يجوز على الوحل غير المتماسك ، بل ولا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه . ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً ولو لم يكن إلاّ الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد 1 .
1 ـ الوجه في اعتبار كون ما يسجد علهى بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه مضافاً إلى اعتبار ذلك في السجود على الشيء كما يأتي البحث عنه في بابه إن شاء الله تعالى موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض . فإنّ مفادها انّ الطين إذا كان غير متماسك بحيث يوجب غرق الجبهة فيه وعدم استقرارها عليه لا يجوز السجود عليه فتدلّ على اعتبار إمكان تمكين الجبهة فيما يسجد عليه ، وعليه فلو كان التراب أيضاً بهذه الكيفية لا يجوز السجود عليه ، كما انّه إذا أمكن التمكين في الطين بأن كان متماسكاً يجوز السجود عليه وإن كان ملازماً للصوق بعض أجزائه بالجبهة لكنّه اخذا كان حاجباً تجب إزالته للسجدة الثانية هذا كلّه مع الاختيار .
وامّا في صورة الاضطرار بأن لم يكن عنده إلاّ الطين غير المتماسك فقد ذكر في المتن انّه يسجد عليه بالوضع من غير اعتماد والوجه فيه قاعدة الميسور التي يظهر منهم التسالم على العمل بها في أمثال المقام نظراً إلى اعتبار أمرين في السجود وهما الوضع والتمكين فإذا لم يمكن التمكين يتعيّن خصوص الوضع .
( الصفحه 455 )
مسألة 12 ـ إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ولم يكن له مكان آخر يصلّي قائماً مومياً للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى 1 .
1 ـ في هذه المسألة أقوال ثلاثة :
أحدها : ما في المتن وفاقاً لجماعة كثيرة من تبدّل الجلوس في هذه الصورة إلى القيام والسجود إلى الايماء .
ثانيها : ما حكي عن جامع المقاصد والمسالك والمدارك وكشف اللثام من وجوب الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل .
ثالثها : ما حكي من تبدّل السجود إلى الايماء وبقاء الجلوس بحاله فيجلس للايماء وللتشهّد .
ومستند الأوّل موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته : الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعاً جافّاً قال : يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود ايماء وهو قائم يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة ويتشهّد وهو قائم ويسلِّم .
وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) المروية في آخر السرائر وهي مثلها وزيد فيها : قال : وسألته عن الرجل يصلّي على الثلج قال : لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلّى عليه .
والظاهر انّ المراد من عدم القدرة في الروايتين هو عدم القدرة من جهة تلطّخ بدنه وثيابه بالطين لأنّ العناوين المأخوذة في الروايات ـ سؤالا وجواباً ـ تحمل على العرفي منها مضافاً إلى أنّ قوله : من الطين وقوله : لا يجد موضعاً جافّاً يؤيّد كون
( الصفحه 456 )
المراد من عدم القدرة ما ذكرنا لا عدم القدرة عقلا كما لا يخفى ، فالموضوع للحكم بالبدلية وانتقال السجود إلى الايماء والجلوس إلى القيام هو التلطّخ المذكور من دون فرق بين ثبوت الحرج عليه وعدمه ، وحيث إنّ الخبرين واجدين لوصف الاعتبار فلا وجه للرجوع معهما إلى قاعدة الميسور التي هي مستند القول الثاني خصوصاً مع انّه لا دليل عليها ظاهر غير الإجماع الذي هو مفقود في المقام .
كما انّه لا وجه للقول الثالث فإنّه طرح للخبرين من وجه وحملهما على صورة تعذّر الجلوس خلاف الظاهر كما عرفت .