( الصفحه 460 )
السائل ما إذا لم يكن هناك أرض يسجد عليها لكون الثلج النازل من السماء مستوعباً لوجه الأرض .
ثانيهما : تفسير الشيء في الجواب بخصوص القطن والكتّان الظاهر في ثبوت البدلية لهما ولا مجال لدعوى : «انّ ذكر القطن والكتّان إنّما هو من جهة كون الغالب على المصلّى هو إمكان تحصيلهما لكونهما الغالب في الألبسة فدلالة لفظ «شيئاً» على العموم الذي لازمه السقوط لا إلى بدل أظهر من دلالة ذكر القطن والكتّان على التقييد» .
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل .
فإنّ تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان ظاهر في أنّ ثبوت بدل خاص لما يصحّ السجود عليه كان أمراً مفروغاً عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) مع التأكيد على أنّ الجواز إنّما يختصّ بحال الاضطرار من دون إشعار بسعة دائرة الحكم في هذه الصورة وبطلان ما هو مفروغ عنه لدى السائل ودعوى انّ ذكرهما في كلامه من باب ذكر أحد الأفراد التي لا يجوز السجود عليها لا لخصوصية فيهما مدفوعة بوضوح كونها خلاف ما هو الظاهر من الرواية عند العرف .
ومنها رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال : نعم لا بأس به .
والظاهر اتحادها مع ما رواه محمد بن القاسم المذكور عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على
( الصفحه 461 )
ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه فقال : لا بأس به .
فإنّ الظاهر انّ الرجل الكاتب في الرواية الاُولى هو أحمد بن عمر المذكور في الرواية الثانية والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الناقل لهذه القصة الواحدة هو محمد في الرواية الاُولى ونفس الكاتب في الرواية الثانية كما لا يخفى .
ودلالتها على ثبوت البدلية إنّما هو من جهة ظهور السؤال في أنّ الانتقال إلى الكمّ أو الرداء إنّما هو من جهة أذى الحرّ والبرد المانع من السجود على ما يصحّ السجود ومن جهة كون المسح ومثله ممّا لا يسجد عليه فلو كان الثوب المذكور في الرواية مذكوراً من جهة انّه أحد أفراد ما لا يصحّ السجود عليه لما كان وجه لإخراج المسح ومثله والجواب ظاهر في تقرير السائل على هذه الجهة .
ومنها غير ذلك من الروايات الظاهرة في ثبوت البدلية الشرعية الاضطرارية فلا شبهة في الحكم في هذا المقام .
المقام الثاني : في أنّه بعد ثبوت البدل يقع الكلام في تعيينه وبيان مراتبه على تقديرها فنقول : ظاهر المتن ثبوت المراتب الأربعة التي هي القطن والكتّان ثمّ الثوب من غيرهما كالصوف والابريسم ثمّ ظهر الكفّ ثمّ المعادن ، والمنسوب إلى المشهور كما ـ في محكي الجواهر ـ انّ البدل هو مطلق الثوب ثمّ ظهر الكفّ وفي العروة : إنّ البدل هو الثوب من القطن والكتّان ومع عدمه يتخيّر بين المعادن وظهر الكفّ واحتاط بتقديم الأوّل .
أقول : امّا تأخّر ظهر الكفّ عن الثوب فيدلّ عليه رواية أبي بصير المتقدّمة في المقام الأوّل الظاهرة في أنّ الانتقال إلى ظهر الكفّ إنّما هو مع عدم التمكّن من السجود على الثوب لعدم وجوده مشتملة على التعليل بأنّ الكفّ إحدى المساجد وقد عرفت المراد من العلّة فلا مجال للمناقشة في هذا التأخّر .
( الصفحه 462 )
وامّا تأخّر الثوب من غير جنس القطن والكتان عن الثوب من جنسهما . وبعبارة اُخرى ثبوت مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن فربّما يناقش فيه من جهة الدليل نظراً إلى أنّ أكثر الروايات الواردة في الثوب كانت مطلقة من جهة ذكر الثوب أو الكمّ من القميص أو الرداء من غير تقييد بكونها من القطن والكتان وفي مقابلها روايتان ظاهرتان في التقييد هما رواية منصور بن حازم وصحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمتين و ـ حينئذ ـ فإن قلنا ببقاء المطلقات على إطلاقها نظراً إلى استبعاد تقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان فاللاّزم حمل ما وقع فيه التقييد بالقطن أو الكتّان على بيان انّهما من أفراد الثوب الغالبة أو إنّهما أفضل الأفراد ، وعليه فيكون البدل في الرتبة الاُولى مطلق الثوب وفي الثانية ظهر الكفّ فينطبق على ما هو المنسوب إلى المشهور .
وإن قلنا بلزوم تقييد المطلقات وحملها على خصوص القطن والكتّان كما هو شأن المطلق والمقيّد فاللاّزم الالتزام بكون البدل في الرتبة الاُولى هو خصوص الثوب من القطن والكتان ، وعليه فلا دليل على بدلية الثوب من غير جنسهما لأنّه بعد حمل المطلقات على دليل المقيد يكون المطلق بوصف الإطلاق بلا دليل ، وعليه فينتقل بعد فقد القطن والكتان إلى ظهر الكفّ كما هو ظاهر العروة ، غاية الأمر مع عطف المعدن على الظهر .
وعلى أيّ تقدير لا سبيل إلى إثبات مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن .
ويمكن دفع المناقشة بظهور انّه لابدّ في مقام التصرّف في المطلق من الاقتصار على خصوص مقدار يدلّ عليه دليل المقيّد ضرورة انّه فيما عدا ذلك المقدار لا وجه لرفع اليد من المطلق بعد تمامية دلالته واستقرار إطلاقه و ـ حينئذ ـ نقول : الظاهر انّ دليل المقيّد في المقام يختصّ بصورة التمكّن ومرجعه إلى أنّ بدلية القطن والكتّان
( الصفحه 463 )
إنّما هي في صورة التمكّن نهما ، بل لا معنى للبدلية مع عدم التمكّن كما انّ ظاهر دليل المطلق الدالّ على بدلية الثوب اختصاصه بصورة التمكّن من الثوب لما عرفت من انّه لا معنى للبدلية مع عدم التمكّن .
وعليه فدليل المقيّد يوجب التصرّف في دليل المطلق في خصوص صورة التمكّن من القيد ويصير النتيجة بدلية خصوص الثوب من القطن والكتّان في الرتبة الاُولى ومع عدم التمكّن منه يكون مقتضى الإطلاق بدلية الثوب من غيرهما بعد فرض التمكّن منه كما عرفت ، وبذلك تتحقّق المرتبتان كما أفاده في المتن وقد مرّ تأخّر مرتبة الثوب لدلالة روايتي أبي بصير المتقدّمتين عليه خصوصاً روايته الاُولى فتدبّر فبذلك نثبت ثلاث مراتب .
إنّما الكلام في المرتبة الرابعة وهي المعادن تارة من جهة الدليل على أصل البدلية فيها ، واُخرى من جهة مرتبتها وتأخّرها عن المراتب الثلاثة الاُخر فنقول : الظاهر انّه لا دليل على البدلية فيها إلاّ الروايات الدالّة على جواز السجود على القير بعد حملها على حال الضرورة والتقية جمعاً بينها وبين ما يدلّ على المنع عن السجود عليه بحملها على حال الاختيار وعدم التقية ولما كان القير من المعادن فلا فرق بينه وبين غيره من جنس المعدن .
ويرد عليه أوّلا انّ أخبار السجود على القير لا يستفاد منها سوى جوازه عليه المحمول على صورة التقية لا بدلية القير عمّا يصحّ السجود عليه كما لا يخفى على من لاحظها مثل خبر معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة إلى أن قال : يصلّي على القير والقفر ويسجد عليه فإنّ ظاهره انّ المصلّي لكونه في السفينة لا يتمكّن إلاّ من السجود عليها وهي مقيرة والجواب بنفي البأس من جهة انّه لا يتمكّن إلاّ منه لا لكونه بدلا عمّا يصحّ السجود عليه وامّا ترك الاستفصال
( الصفحه 464 )
بالنسبة إلى وضع شيء ممّا يصحّ السجود عليه على القير والسجود عليه فإنّما هو للتقية لأنّ السفينة لا تخلو في تلك الأعصار عن وجود من يتّقى عنه بل وفي هذه الأعصار غالباً .
وثانياً : منع كون القير من المعادن خصوصاً مع التعليل في بعض الأخبار المجوّزة بأنّه من نبات الأرض الظاهر في أنّ الحكم بالجواز لهذه الجهة لا لأجل كونه معدنياً ويحتمل أن يكون الوجه في العلّة وكونه من نبات الأرض انّه من قبيل حجر الفحم على ما قيل المتكوّن من الأشجار المستترة في الأرض في سالف الزمان المختلطة مع الأجزاء الأرضية .
وثالثاً : لو سلّم جميع ذلك فلا دليل على تأخّر رتبتها عن الاُمور الثلاثة المتقدّمة خصوصاً مع وجود الثوب غالباً في مورد الأخبار الدالّة على جواز السجود على القير .
وقد انقدح بذلك انّه لا دليل على أصل البدلية في المعدن أولا وعلى تأخّر رتبة المعدن عن سائر المراتب ثانياً .