( الصفحه 482 )
بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ولكن يؤذِّن ويقيم .
وظهورها في كون محطّ السؤال هو الاجتزاء بالأذان والإقامة اللذين أتى بهما الرجل ليصلّي وحده لعدم حضور رجل آخر عندهما بعد الفراغ عن وضوح حكمهما عند السائل لا ريب فيه ، وامّا كون الحكم هو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة لها عليه بوجه .
هذا كلّه مضافاً إلى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم الوجوب في الجماعة مثل صحيحة علي بن رئاب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزينا إقامة بغير أذان؟ قال : نعم . ومن الواضح انّ المراد بقول السائل : نحن مجتمعون . . . هي الصلاة جماعة لا صرف الاجتماع فتدلّ على عدم لزوم الأمرين في الجماعة .
ورواية الحسن بن زياد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة .
ولا دلالة لهذه الرواية على التفصيل بين صورة انتظار بعض المأمومين وبين صورة عدم الانتظار حتى تجعل شاهدة للجمع بحمل الطائفة الدالّة على الوجوب على صورة الانتظار وحمل صحيحة ابن رئاب على صورة العدم وذلك لأنّ مرجع هذا التفصيل إلى ما ذكرنا من كون الأذان إعلاماً للغائبين بالحضور في الجماعة وفائدته مجرّد الشركة فيها وبعدما لا تكون الجماعة إلاّ فضيلة لا واجبة لا مجال لوجوب الاعلام بها وقد ظهر ممّا ذكرنا عدم تمامية القول باعتبارهما في الجماعة .
وقد استدلّ على اعتبار الأذان في خصوص الصبح والمغرب ولو مع الإتيان بهما فرادى بروايات أيضاً :
منها : ذيل رواية أبي بصير المتقدّمة وقد مرّ الجواب عن الاستدلال بها .
( الصفحه 483 )
ومنها : صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى ، ولابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر لأنّه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزئك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل .
ويمكن المناقشة في دلالتها بأنّه بعد كون الفرق بين المغرب والصبح وبين الصلوات الثلاث الاُخر هو في الأذان دون الإقامة كما هو مقتضى صدر الرواية يكون عطف الإقامة على الأذان في الحكم بالفضيلة في جميع الصلوات في الذيل شاهداً على أنّ الحكم لا يتعدّى عن مرتبة الفضل والكمال فتدبّر .
ومنها : صحيحة الصباح بن سيابة قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تدع الأذان في الصلوات كلّها فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنّه ليس فيهما تقصير .
ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بأنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «فإن تركته» ليس هو الترك عصياناً موجباً لاستحقاق العقوبة أو بطلان العمل بل هو ترك ما لا ينبغي أن يترك من الفضيلة والكمال ، وعليه فيظهر انّ النهي عن ترك الأذان في الصلوات كلّها ليس نهياً تحريمياً أو إرشادياً إلى البطلان وإلاّ يكون المراد بالترك ما نفيناه ومقتضى اتحاد السياق أن لا يكون النهي في الذيل أيضاً كذلك .
ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب .
والمناقشة في دلالتها تظهر ممّا ذكرنا من أنّ الظاهر هو الاجزاء عن العملين اللذين يكون حكمهما معلوماً ، وامّا انّه الواجب أو غيره فلا دلالة لها عليه .
ثمّ على تقدير تسليم ظهور هذه الروايات في وجوب الأذان في الفجر والمغرب لابدّ من حملها على الاستحباب بشهادة صحيحة عمر بن يزيد قال : سألت أبا
( الصفحه 484 )
عبدالله (عليه السلام) عن الإقامة بغير الأذان في المغرب فقال : ليس به بأس وما أحبّ أن يعتاد . ومن المعلوم عدم الفصل بين المغرب وبين الفجر مضافاً إلى اشتراكهما في التعليل المذكور فيها وهو انّه لا يقصر فيهما فيستفاد من ذلك عدم صلاحية التعليل المشترك لإفادة اللزوم .
وامّا الإقامة فقد استدلّ على وجوبها مطلقاً أو في الجملة بروايات أيضاً :
منها : موثقة عمّار قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لابدّ للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم به ، سئل : فإن كان شديد الوجع؟ قال : لابدّ من أن يؤذّن ويقيم لأنّه لا صلاة إلاّ بأذان وإقامة .
وبعد كون الحكم في الأذان هو الاستحباب كما أثبتناه لابدّ من حمل قوله : لا صلاة إلاّ . . . على نفي الكمال دون الصحّة ولا مجال للتفكيك بين الأذان والإقامة بعد كون العبارة واحدة كما لا يخفى .
ومنها : الروايات الظاهرة في أنّ الإقامة من الصلاة أو مثلها من التعبيرات مثل رواية سليمان بن صالح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلاّ أن يكون مريضاً ، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة .
ورواية يونس الشيباني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : أوذّن وأنا راكب؟ قال : نعم ، قلت : فاُقيم وأنا راكب؟ قال : لا ، قلت : فاُقيم ورجلي في الركاب؟ قال : لا ، قلت : فاُقيم وأنا قاعد؟ قال : لا ، قلت : فاُقيم وأنا ماش؟ قال : نعم ماش إلى الصلاة ، ثمّ قال : إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنّك في الصلاة الحديث .
ورواية أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك . وغيرها من الروايات الدالّة على هذا
( الصفحه 485 )
المضمون .
والجواب : انّه لا مجال لحمل هذه الروايات على كون الإقامة حقيقة من الصلاة ومن أجزائها وأبعاضها وانّ الداخل فيها داخل في الصلاة حقيقة كيف ويدفع ذلك ـ مضافاً إلى وضوح هذا الأمر عند المتشرّعة من الخاص والعام ـ الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ افتتاح الصلاة إنّما هو بالتكبير المسمّى بتكبيرة الافتتاح ، وجملة من الروايات الواردة في الإقامة الظاهرة في المغايرة بينهما مثل الروايات الواردة في نسيان الإقامة حتّى إذا دخل في الصلاة وغيرها .
فلابدّ من أن يكون المراد هو التنزيل والتشبيه بلحاظ بعض الخصوصيات المعتبرة في الصلاة كالتمكّن والترسل وعدم التكلّم والايماء باليد وأشباه ذلك . ومن الواضح انّ ثبوت هذه الخصوصيات في الإقامة لا يلازم مع وجوبها . وممّا ذكرنا يظهر انّ اعتبار مثل القيام والطهارة على تقديره لا يستلزم وجوبها بوجه .
ومنها : الروايات الدالّة على أنّه لا أذان ولا إقامة على النساء مثل صحيحة جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : لا . ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة . وغيرهما من الروايات الواردة بهذا المضمون نظراً إلى كون المنفي عن النساء ليس أصل المشروعية والرجحان لوضوح ثبوت مشروعيتهما بالإضافة إليهنّ إجماعاً فالمنفي هو اللزوم والوجوب ، ونفيه بالإضافة إليهنّ يدلّ على ثبوته بالإضافة إلى الرجال فيستفاد من هذه الروايات وجوب الإقامة على الرجال كما هو أحد الأقوال فيها .
والجواب انّ الاستدلال بالرواية الاُولى على الوجوب للرجال إنّما يبتني على كون السؤال عن اللزوم على المرأة كاشفاً عن مفورغية اللزوم على الرجال في نظر
( الصفحه 486 )
السائل مع أنّه ممنوع لعدم دلالته على مفروغية ذلك بوجه لأنّه يحتمل أن يكون في ذهنه اللزوم بالإضافة إلى خصوص النساء لعدم شركتهنّ في صلاة الجماعة نوعاً وهما يوجبان صيرورة الفرادى جماعة ، وامّا مثل المرسلة فلا دلالة لها على الوجوب للرجال إلاّ من طريق مفهوم اللقب وهو غير حجّة مع أنّ التشريك بينهما وبين الجماعة التي لا تجب على الرجال أيضاً ضرورة يوجب الضعف في الدلالة المذكورة .
ومنها : موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فاذّن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح .
والجواب انّ وقوع الأمر بالإقامة في وسط الأمرين اللذين للاستحباب لما مرّ من استحباب الأذان ولوضوح عدم وجوب الفصل بينه وبين الإقامة بما ذكر في الرواية يوجب سقوط ظهوره في الوجوب وكونه كالأمرين في كون المراد منه الاستحباب فتدبّر .
ومنها : الروايات الظاهرة في لزوم الانصراف فيما إذا نسى الأذان والإقامة أو خصوص الإقامة حتّى إذا دخل في الصلاة قبل أن يركع أو قبل أن يقرأ أو قبل أن يفرغ من صلاته على اختلافها وقد أوردها في الوسائل في الباب التاسع والعشرين والثامن والعشرين من أبواب الأذان والإقامة .
والجواب انّه لو كان الانصراف في المورد المفروض واجباً لكان كاشفاً عن لزوم الإقامة لأنّه لا معنى لوجوب الانصراف مع عدم وجوبها ، وامّا لو لم يكن كذلك كما هو صريح بعض الروايات الاُخر فلا يكشف ذلك عن اللزوم لأنّه لابدّ بملاحظتها من حمل الأمر بالانصراف على الجواز أو الرجحان وشيء منهما لا يستلزم الوجوب بوجه .