( الصفحه 490 )
تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة ، غاية الأمر انّه قد شرع للمنفرد أيضاً لأن تصير صلاته جماعة والآيتان الواردتان فيه قد عبّر فيهما عنه بالنداء إلى الصلاة ويؤيّده أيضاً فصوله الأخيرة التي هي بمنزلة المعرف لماهيته كالحيّعلات شاهدة على ما ذكرنا من ارتباطه بالصلاة وكونه دعوة إليها ، غاية الأمر انّه يدعوهم إلى الصلاة بعبارات مختلفة موجبة للأوقعية في النفوس ففي الابتداء يدعوهم إليها بعنوانها وفي المرتبة الثانية يدعوهم إليها بعنوان الفلاح الذي هو مطلوب الناس وفي الثالثة يدعوهم إليها بعنوان خير العمل الذي هو منتهى رغبة الناس وغاية مطلوبهم فهذه الفصول التي هي بمنزلة الفصول تدلّ على كمال الارتباط بينه وبين الصلاة كما هو ظاهر .
وعلى ما ذكرنا لا مجال للإتيان بأذان الاعلام ، نعم لا بأس به رجاء نظراً إلى اخبار «من بلغ» بدعوى عدم اختصاص البلوغ بالرواية وصدقه بمجرّد الفتوى أيضاً وفيه تأمّل .
( الصفحه 491 )
مسألة 2 ـ يسقط الأذان في العصر والعشاء إذا جمع بينهما وبين الظهر والمغرب من غير فرق بين موارد استحباب الجمع مثل عصر يوم الجمعة وعصر يوم عرفة ، وعشاء ليلة العيد في المزدلفة حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة ، وبين غيرها ، ويتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين ، وبفعل النافلة الموظفة بينهما على الأقوى فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين ونافلة المغرب بين العشائين يتحقّق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان ، والأقوى انّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد بمزدلفة عزيمة بمعنى عدم مشروعيته فيحرم إتيانه بقصدها ، والأحوط الترك في جميع موارد الجمع 1 .
1 ـ ظاهر المتن انّ سقوط الأذان في موارد الجمع ـ المذكورة فيه ـ إنّما هو بملاك واحد وهو مجرّد الجمع من غير فرق بين موارد استحبابه كالمواضع الثلاثة المذكورة وبين موارد جوازه من دون رجحان ويظهر من بعض الكلمات انّ السقوط في المواضع الثلاثة إنّما هو لخصوصية فيها لا لأجل مجرّد الجمع وانّه لا دليل على سقوط الأذان في تمام موارد الجمع ، وعليه فالمناسب البحث أوّلا في خصوص تلك المواضع وثانياً في إمكان استفادة الكلّية المذكورة من الدليل وعدمه فنقول :
الموضع الأوّل عصر يوم الجمعة والقدر المتيقّن هو سقوط الأذان بالإضافة إليها إذا تحقّق الجمع بينها وبين خصوص صلاة الجمعة وقد اعتمد في الجواهر في الحكم بالسقوط فيها على الإجماعات الصريحة أو الظاهرة المحكية عن الغنية والسرائر والمنتهى وغيرها الكافية في رفع اليد بها عن إطلاقات الاستحباب أو عموماته مضافاً إلى السيرة العملية الجارية على ذلك .
( الصفحه 492 )
ولسيّدنا الاستاذ العلاّمة البروجردي (قدس سره) في نظائر هذا المقام ممّا يكون خالياً عن النص ومع ذلك أفتى به الأصحاب طريق خاص وهو استكشاف وجود نصّ معتبر في الجوامع الأوّلية وانّه لم يصل إلينا من نفس تلك الفتاوى والآراء المتطابقة المتوافقة خصوصاً مع كون الحكم على خلاف القاعدة العامّة أو المطلقة .
وربّما يستدلّ على ذلك برواية حفص بن غياث عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى المذكورة في الوسائل بعدها عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
وجه الاستدلال انّ الظاهر انّ المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لأنّها الصلاة الثالثة وقبلها الظهر والصبح .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على كون المراد بالصلاة الثانية هي خصوص صلاة الجمعة لاحتمال كون المراد بها صلاة الظهر أو الأعمّ منها ومن صلاة الجمعة وإلى أنّه لا دلالة لها على خصوص صورة الجمع لشمول إطلاقها لصورة التفريق أيضاً ـ انّه لم تقم قرينة على كون المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لاحتمال كون المراد به هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي ابتدعه عثمان بعد الخطبتين والمراد بالأذانين قبله هما أذان الصبح والأذان الأوّل لصلاة الجمعة الواقع قبل الخطبتين أو أذان الاعلام واذان الصلاة كما ربّما يقال ويؤيّده إطلاق البدعة عليه الظاهرة في التشريع الذي قد ارتكبه أحد وصدر منه بخلاف مطلق التشريع فتدبّر . كما انّه يؤيّده ورود التعبير في بعض الأخبار بأنّ الأذان الثاني بدعة نظراً إلى أنّ الظاهر عدم ثبوت البدعتين في أذان يوم الجمعة وانّ الذي عبّر عنه بالأذان الثالث هو الذي عبّر عنه في بعض الأخبار بالأذان الثاني والظاهر
( الصفحه 493 )
انّ المراد منه هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الواقع بعد الخطبتين كما لا يخفى . وكيف كان فالاستدلال بالرواية على حكم خصوص المقام غير تام .
الموضع الثاني : عصر يوم عرفة والمراد منه صورة الجمع بينها وبين الظهر ولم يظهر فيه خلاف ، بل عن جماعة كثيرة دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً ويدلّ عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذِّن ويقيم للظهر ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة . وظهورها في الجمع ممّا لا ينبغي أن ينكر وإن وقع فيها التعبير بـ «ثم» إلاّ انّ هذا التعبير وقع في الإتيان بالصلاة الاُولى بعد الأذان والإقامة مع أنّه لا فصل بينهما ومقتضى إطلاقها انّه لا فرق بين عرفة وغيرها من المواضع لأنّ الموضوع هو يوم عرفة وظاهره كون الخصوصية للزمان لكن عن ظاهر السرائر اختصاص الحكم بعرفة وأيّده في الجواهر بكونه المنساق من النصّ ولعلّ نظره إلى الوقوع في سياق المزدلفة مع أنّه لا دلالة له على الاختصاص بوجه خصوصاً بعد احتمال كون الملاك في ذلك هو الفضيلة الخاصّة للدعاء في ذلك اليوم التي لا فرق فيها بين عرفة وغيرها من المواضع فالإنصاف ثبوت الإطلاق للرواية .
الموضع الثالث : عشاء ليلة المزدلفة إذا جمع بينها وبين صلاة المغرب ويشهد له مضافاً إلى صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الموضع الثاني صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ولا تصل بينهما شيئاً وقال : هكذا صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)أيضاً قال : قال : لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين . والمراد من الجمع هي المزدلفة وفي رواية محمد بن علي بن الحسين عن النبي والأئمّة ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ انّه إنّما سمّيت
( الصفحه 494 )
المزدلفة جمعاً لأنّه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين . وبمثلها يندفع الإشكال من جهة عدم الدلالة على خصوص صورة الجمع كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا مجال لاستفادة سقوط الأذان في جميع موارد الجمع من السقوط في هذه المواضع الثلاثة لعدم وضوح دلالة الأدلّة الواردة فيها على كون الملاك للسقوط هو مجرّد الجمع خصوصاً بعد افتراقها مع سائر الموارد في كون الجمع فيها مستحبّاً دون سائر الموارد ، بل لابدّ من استفادة السقوط في غير هذه المواضع من دليل آخر لو كان وظاهر المتن هو وجود الدليل عليه كما انّ الذي يظهر من العروة عدم وجوده .
والظاهر إمكان الاستفادة من الروايات المتعدّدة :
منها : صحيحة عمر بن اُذينة عن رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين .
ويمكن المناقشة في الاستدلال بها ـ تارة ـ بأنّ هذه الرواية رواها الصدوق بنحو الإرسال . إلاّ انّه قال : بين الظهر والعصر بعرفة ثمّ قال : بين المغرب والعشاء بجمع ، وعليه فلا دلالة لها على السقوط في غير يوم عرفة وبمزدلفة و ـ اُخرى ـ بأنّ ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأذان في الصلاة الثانية لا دلالة له على السقوط فلعلّه كان تركاً للمستحبّ إشعاراً بجواز تركه كأصل الجمع بين الصلاتين ، وبعبارة اُخرى لا دلالة للرواية إلاّ على مجرّد جواز ترك الأذان في الثانية وهو لا ينافي بقائه على استحبابه كسائر الموارد .
وتندفع المناقشة الاُولى بأنّ رواية الصدوق إيّاها بالنحو المذكور لا توجب خللا في إطلاق الرواية بالنحو الأوّل خصوصاً بعد كونها بهذا النحو مسندة بسند صحيح .