( الصفحه 492 )
ولسيّدنا الاستاذ العلاّمة البروجردي (قدس سره) في نظائر هذا المقام ممّا يكون خالياً عن النص ومع ذلك أفتى به الأصحاب طريق خاص وهو استكشاف وجود نصّ معتبر في الجوامع الأوّلية وانّه لم يصل إلينا من نفس تلك الفتاوى والآراء المتطابقة المتوافقة خصوصاً مع كون الحكم على خلاف القاعدة العامّة أو المطلقة .
وربّما يستدلّ على ذلك برواية حفص بن غياث عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى المذكورة في الوسائل بعدها عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة .
وجه الاستدلال انّ الظاهر انّ المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لأنّها الصلاة الثالثة وقبلها الظهر والصبح .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على كون المراد بالصلاة الثانية هي خصوص صلاة الجمعة لاحتمال كون المراد بها صلاة الظهر أو الأعمّ منها ومن صلاة الجمعة وإلى أنّه لا دلالة لها على خصوص صورة الجمع لشمول إطلاقها لصورة التفريق أيضاً ـ انّه لم تقم قرينة على كون المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لاحتمال كون المراد به هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي ابتدعه عثمان بعد الخطبتين والمراد بالأذانين قبله هما أذان الصبح والأذان الأوّل لصلاة الجمعة الواقع قبل الخطبتين أو أذان الاعلام واذان الصلاة كما ربّما يقال ويؤيّده إطلاق البدعة عليه الظاهرة في التشريع الذي قد ارتكبه أحد وصدر منه بخلاف مطلق التشريع فتدبّر . كما انّه يؤيّده ورود التعبير في بعض الأخبار بأنّ الأذان الثاني بدعة نظراً إلى أنّ الظاهر عدم ثبوت البدعتين في أذان يوم الجمعة وانّ الذي عبّر عنه بالأذان الثالث هو الذي عبّر عنه في بعض الأخبار بالأذان الثاني والظاهر
( الصفحه 493 )
انّ المراد منه هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الواقع بعد الخطبتين كما لا يخفى . وكيف كان فالاستدلال بالرواية على حكم خصوص المقام غير تام .
الموضع الثاني : عصر يوم عرفة والمراد منه صورة الجمع بينها وبين الظهر ولم يظهر فيه خلاف ، بل عن جماعة كثيرة دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً ويدلّ عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذِّن ويقيم للظهر ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة . وظهورها في الجمع ممّا لا ينبغي أن ينكر وإن وقع فيها التعبير بـ «ثم» إلاّ انّ هذا التعبير وقع في الإتيان بالصلاة الاُولى بعد الأذان والإقامة مع أنّه لا فصل بينهما ومقتضى إطلاقها انّه لا فرق بين عرفة وغيرها من المواضع لأنّ الموضوع هو يوم عرفة وظاهره كون الخصوصية للزمان لكن عن ظاهر السرائر اختصاص الحكم بعرفة وأيّده في الجواهر بكونه المنساق من النصّ ولعلّ نظره إلى الوقوع في سياق المزدلفة مع أنّه لا دلالة له على الاختصاص بوجه خصوصاً بعد احتمال كون الملاك في ذلك هو الفضيلة الخاصّة للدعاء في ذلك اليوم التي لا فرق فيها بين عرفة وغيرها من المواضع فالإنصاف ثبوت الإطلاق للرواية .
الموضع الثالث : عشاء ليلة المزدلفة إذا جمع بينها وبين صلاة المغرب ويشهد له مضافاً إلى صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الموضع الثاني صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ولا تصل بينهما شيئاً وقال : هكذا صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)أيضاً قال : قال : لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين . والمراد من الجمع هي المزدلفة وفي رواية محمد بن علي بن الحسين عن النبي والأئمّة ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ انّه إنّما سمّيت
( الصفحه 494 )
المزدلفة جمعاً لأنّه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين . وبمثلها يندفع الإشكال من جهة عدم الدلالة على خصوص صورة الجمع كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا مجال لاستفادة سقوط الأذان في جميع موارد الجمع من السقوط في هذه المواضع الثلاثة لعدم وضوح دلالة الأدلّة الواردة فيها على كون الملاك للسقوط هو مجرّد الجمع خصوصاً بعد افتراقها مع سائر الموارد في كون الجمع فيها مستحبّاً دون سائر الموارد ، بل لابدّ من استفادة السقوط في غير هذه المواضع من دليل آخر لو كان وظاهر المتن هو وجود الدليل عليه كما انّ الذي يظهر من العروة عدم وجوده .
والظاهر إمكان الاستفادة من الروايات المتعدّدة :
منها : صحيحة عمر بن اُذينة عن رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين .
ويمكن المناقشة في الاستدلال بها ـ تارة ـ بأنّ هذه الرواية رواها الصدوق بنحو الإرسال . إلاّ انّه قال : بين الظهر والعصر بعرفة ثمّ قال : بين المغرب والعشاء بجمع ، وعليه فلا دلالة لها على السقوط في غير يوم عرفة وبمزدلفة و ـ اُخرى ـ بأنّ ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأذان في الصلاة الثانية لا دلالة له على السقوط فلعلّه كان تركاً للمستحبّ إشعاراً بجواز تركه كأصل الجمع بين الصلاتين ، وبعبارة اُخرى لا دلالة للرواية إلاّ على مجرّد جواز ترك الأذان في الثانية وهو لا ينافي بقائه على استحبابه كسائر الموارد .
وتندفع المناقشة الاُولى بأنّ رواية الصدوق إيّاها بالنحو المذكور لا توجب خللا في إطلاق الرواية بالنحو الأوّل خصوصاً بعد كونها بهذا النحو مسندة بسند صحيح .
( الصفحه 495 )
والثانية : بما أشرنا إليه مراراً من أنّ الحاكي لفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان هو الإمام (عليه السلام) وكان غرضه منه بيان الحكم ، غاية الأمر بهذا النحو ومن هذا الطريق تكون الحكاية كاللفظ الصادر منه في جواز التمسّك بإطلاقه واستفادة الحكم من الخصزصيات التي وقعت مورداً للتعرّض ، وعليه فالتصريح بترك الأذان في كلا موردي الجمع يكشف عن العناية بذلك وانّ غرضه (عليه السلام) منه هو سقوطه فيه وثبوت الفرق بينه وبين غيره من سائر الموارد التي لا يتحقّق الجمع فيها كما لا يخفى .
ومثلها صحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين .
ودعوى انّ التعرض لذكر ترك الأذان ليس إلاّ كالتعرّض لأصل الجمع الذي لا مجال فيه إلاّ للحمل على مجرّد الجواز من دون احتمال كونه على سبيل الاستحباب .
مدفوعة بأنّ التعرّض لذكر الجمع إنّما هو في مقابل العامّة القائلين بعدم جوازه لاعتقادهم باختلاف مواقيت الصلاة وتباينها من جهة الوقت والجمع مستلزم لورود صلاة في وقت صلاة اُخرى فالتعرّض له لا يراد به إلاّ مجرّد عدم المنع في قبال القول به .
وامّا التعرّض لترك الأذان فلا محمل له إلاّ السقوط وثبوت الفرق بينه وبين سائر الموارد التي لا يتحقّق الجمع فيها ، فالإنصاف تمامية الاستدلال بمثل هذه الروايات على السقوط ، نعم وقع الكلام في أنّه هل هو على نحو العزيمة أو الرخصة وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
بقي الكلام في اُمور :
الأوّل : انّ سقوط الأذان في الموارد المذكورة هل يكون على سبيل الرخصة أو
( الصفحه 496 )
بنحو العزيمة أو تفصيل بين الموارد ولابدّ قبل ذلك من التعرّض لمعنى العزيمة والرخصة .
فنقول : امّا العزيمة فمعناها هو عدم المشروعية وثبوت الحرمة التشريعية لا الذاتية ضرورة عدم ثبوت الحرمة الذاتية في المقام .
وامّا الرخصة فمعناها في نفسها هو جواز الترك وعدم لزوم الفعل وحيث إنّ الأذان كان مستحبّاً ولازمه جواز الترك فالسقوط في تلك الموارد بمعنى الرخصة لابدّ وأن يكون المراد به أحد معنيين :
الأوّل : هي الكراهة في العبادات المكروهة التي لا بدل لها كصوم يوم عاشوراء ومرجعها إلى طروّ خصوصية للعبادة بعد الفراغ عن كونها عبادة راجحة في مقابل تركها موجبة لأرجحية الترك كانطباق عنوان أرجح على الترك كالتشبّه ببني اُميّة في مثال الصوم المذكور فالصوم إن لوحظ بالإضافة إلى الترك مع قطع النظر عن الخصوصية المذكورة يكون راجحاً ولأجله يكون عبادة وإن لوحظ بالإضافة إلى العنوان الأرجح المنطبق على الترك يكون تركه أرجح من فعله وفي المقام نقول : إنّ الخصوصية المحتملة هي سرعة الإتيان بالصلاة الثانية والمبادرة إليها وعدم الفصل بينها وبين الاُولى حتّى بالأذان .
وهذا الوجه إنّما يلائم مع استحباب الجمع كما في المواضع الثلاثة المتقدّمة لا مع مجرّد جوازه كما في غيرها من الموارد إلاّ أن يقال بثبوت خصوصية اُخرى غير المبادرة والسرعة مستكشفة من دليل السقوط فيها ولا مجال لاعتبار العلم بتلك الخصوصية كما يظهر من بعض العبارات .
الثاني : سقوط بعض مراتب الرجحان وبقاء مراتب اُخرى كافية في أصل الرجحان والاستحباب ، وبعبارة اُخرى أقلّية الثواب بالإضافة إلى الأذان في غير