( الصفحه 500 )
وقتهما أو في وقت واحد وسواء تحقّق الفصل بينهما وعدمه ، وعليه فمرجعه إلى ثبوت معنى شرعي للجمع والتفريق لا يرتبط بما هو معناهما عند العرف ، نعم يقع الكلام ـ حينئذ ـ في أنّ المراد هل هو الفصل بنفس النافلة بحيث لو حصل الفصل بمقدارها لا يكون تفريقاً أو أنّه يكفي الفصل بمقدار ادائها كما انّه يقع الكلام في أنّ المراد هل هو مطلق النافلة أو انّ المراد خصوص النافلة الموظفة كنافلة العصر الواقعة بين الظهرين ونافلة المغرب الواقعة بين العشائين .
الرابع : ما يظهر من المتن من أنّ المراد بالجمع معناه العرفي الذي يرجع إلى عدم الفصل بينهما إلاّ انّ الشارع قد خطأ العرف وحكم بأنّ النافلة الموظفة تمنع عن تحقّقه الجمع أيضاً فالتفريق يتحقّق امّا بالفصل بمقدار يصدق معه التفريق عرفاً ، وامّا بالإتيان بالنافلة الموظفة بين الصلاتين .
إذا عرفت ذلك فنقول : لابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المقام وهي كثيرة :
منها : رواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوّع بينهما . والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى التي رواها في الوسائل بعد هذه الرواية قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع فإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع .
وربما يقال بظهور الرواية في الاحتمال الثالث ولكن الإنصاف انّ ظاهرها قدح التطوّع في الجمع لا انّ المراد من الجمع عدم التطوّع ولو مع الفصل الطويل كما لايخفى .
ومنها : خبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال : رأيت أبي وجدّي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ولا يصلّيان
( الصفحه 501 )
بينهما شيئاً . ويحتمل أن يكون قوله : ولا يصلّيان . . . بياناً للجمع فيدلّ على أنّ الصلاة بينهما قادحة في تحقّقه ويحتمل أن يكون أمراً زائداً على الجمع ، وعليه فلا دلالة على قدح التطوّع في الجمع بوجه .
ومنها : صحيحة أبان بن تغلب قال : صلّيت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلّى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ثمّ صلّيت معه بعد ذلك بسنة فصلّى المغرب ثمّ قام فتنفّل بأربع ركعات ثمّ قام فصلّى العشاء الآخرة .
وحيث إنّ الرواية منقولة في بعض الكتب الفقهية هكذا : ثمّ أقام فصلّى العشاء الآخرة فلذا تخيّل منافاته مع الروايات الدالّة على قدح التطوّع في الجمع مع أنّها منقولة في الوسائل مثل ما ذكرنا ، وعليه فلا منافاة بينهما خصوصاً بعد كون محطّ نظر الراوي في نقل القصّة هو إتيانه (عليه السلام) بالنافلة في سنة وتركه لها في السنة السابقة من دون نظر إلى مسألة الأذان والإقامة ولذا ترك التعرّض لهما بالإضافة إلى صلاة المغرب في كلا الموردين وكيف كان فلا دلالة لها على عدم قدح التطوّع بوجه بناء على النقل الذي ذكرنا .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان قال : شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلّوا المغرب ثمّ أمهلوا الناس حتّى صلّوا ركعتين ثمّ قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلّوا العشاء ثمّ انصرف الناس إلى منازلهم فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك فقال : نعم قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمل بهذا .
ولكنّها لا دلالة لها إلاّ على أنّ الإتيان بالركعتين بعد صلاة المغرب لا يقدح في الجمع الموجب لسقوط الأذان ولا دلالة لها على أنّ الإتيان بالنافلة الموظفة التي
( الصفحه 502 )
هي أربع ركعات أيضاً يكون كذلك .
ومنها : رواية أبي عبيدة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ثمّ أقام مؤذّه ثمّ صلّى العشاء الآخرة ثمّ انصرفوا .
والظاهر انّ المراد من قوله : ثمّ أقام هي الإقامة فقط ، كما انّ الظاهر انّ المراد من المكث هو إتيانه (صلى الله عليه وآله) أيضاً بالنافلة ولكنّها لا دلالة لها أيضاً على أنّ المراد بالنافلة هي النافلة الموظفة ، بل يمكن أن يكون المراد بها هو مطلق النافلة المتحقّق بالإتيان بركعتين ، بل مقتضى الجمع بين الروايات أيضاً ذلك .
ومنها : صحيحة ابن سنان المتقدّمة في الجمع يوم عرفة الظاهرة في أنّ السنّة في الأذان فيه هو الإتيان بالأذان في الاُولى وتركه في الثانية مع الجمع بترك النافلة أيضاً .
ومنها : صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة أيضاً الواردة في الجمع بمزدلفة الناهية عن الصلاة بينهما شيئاً وانّه خلاف ما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المحمولة على النافلة الموظفة بقرينة غيرها من الروايات .
وبالجملة ملاحظة الروايات الواردة في الباب وحمل بعضها على البعض الآخر تقضي بكون القادح في الجمع هو النافلة الموظفة لا مطلق النافلة كما انّه لا دلالة لشيء منها على أنّ تمام الملاك في الجمع هو ترك التنفل بل مفادها هو الاحتمال الرابع المذكور في المتن فتدبّر .
( الصفحه 503 )
مسألة 3 ـ يسقط الأذان والإقامة في مواضع :
منها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما .
ومنها : من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق ، سواء قصد الإتيان إليها أم لا ، وسواء صلّى جماعة ـ إماماً أو مأموماً ـ أو منفرداً فلو تفرّقت أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه ، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير ، وكذا فيما إذا كانت باطلة من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة اُخرى ، وكذا مع عدم اتحاد الصلاتين عرفاً بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً ، وهل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضاً محلّ إشكال فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد وغيره ، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد ، وكذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيتين بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة ، وكذا فيما لم تشتركا في الوقت كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب ، والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءاً لا بأس به 1 .
1 ـ قد تعرّض في المتن لذكر موضعين من مواضع سقوط الأذان والإقامة معاً .
الموضع الأوّل : الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما والظاهر انّ السقوط في هذا الموضع ممّا لا إشكال فيه بل ولا خلاف بين المتعرّضين له ، ويدلّ عليه السيرة القطعية العملية من المتشرّعة حيث لم يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة مع الشركة في الجماعة سواء كان حاضراً
( الصفحه 504 )
حينهما أم لم يكن بل لا يكاد يخطر ببالهم ثبوت وظيفتهما في هذه الصورة وإن كانوا مراقبين للإتيان بالوظائف الاستحبابية أيضاً .
مضافاً إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها ذلك كموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سئل عن الرجل يؤذِّن ويقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة هل يجو أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ولكن يؤذِّن ويقيم .
فإنّ السؤال فيه ظاهر في مفروغية كفاية الأذان والإقامة إذا كان للجماعة وإن لم يسمعهما المأموم وإنّما كان مورد سؤاله ومحلّ ترديده ما إذا كان الأذان والإقامة بقصد الصلاة وحده مع عدم سماع الغير لهما واُجيب بعدم الاكتفاء وتجديد الأذان والإقامة للجماعة .
ورواية معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة . فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن المدرك للجماعة .
ورواية أبي مريم الأنصاري قال : صلّى بنا أبوجعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال : فقال : وانّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك . فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن الإمام مع سماعه لهما ولو عن المنفرد بل وسقوطهما عن المأموم في هذه الصورة أيضاً .