( الصفحه 505 )
ورواية محمد بن عذافر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اذّن خلف من قرأت خلفه .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن شمول الحكم للإمام أيضاً بمعنى انّه إذا دخل في الجماعة التي أذّن واُقيم لها يجوز أن يكتفي بهما وإن لم يسمعهما أصلا ويدلّ عليه الروايات المتعدّدة :
كرواية حفص بن سالم انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) : إذا قال المؤذِّن قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتّى يجيء إمامهم؟ قال : لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء إمامهم وإلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم .
ورواية معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا قال المؤذِّن : قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام قال : قلت : وإن كان الإمام هو المؤذِّن؟ قال : وإن كان فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم .
ورواية إسماعيل بن جابر انّ أبا عبدالله (عليه السلام) كان يؤذِّن ويقيم غيره قال : وكان يقيم وقد أذّن غيره .
ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) : انّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس .
الموضع الثاني : من أراد الصلاة في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق سواء قصد الإتيان إليها أم لا ومستند السقوط فيه روايات متعدّدة أيضاً :
منها : رواية أبي بصير قال : سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم قال : ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان .
ومنها : رواية اُخرى لأبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : الرجل يدخل
( الصفحه 506 )
المسجد وقد صلّى القوم أيؤذِّن ويقيم؟ قال : إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرّق الصف أذّن وأقام . والظاهر اتحاد الروايتين بمعنى انّ السؤال من أبي بصير قد وقع مرّة واحدة واُجيب كذلك إلاّ انّ الاختلاف إنّما نشأ من الناقلين عنه بلا واسطة أو معها .
ومنها : رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال : دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس فقال لهما علي (عليه السلام) : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذِّن ولا يقيم .
ومنها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) انّه كان يقول : إذا دخل رجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذِّنن ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه .
ومنها : رواية أبي علي قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلّيت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدوا بهم إمام ـ الحديث .
ورواه الصدوق باسناده عن محمد بن أبي عمير عن أبي علي الحراني مثله إلاّ انّه قال : أحسنتم ادفعوه عن ذلك وامنعوه أشدّ المنع ، فقلت له : فإن دخل جماعة فقال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (يبدو) لهم إمام .
ومنها : رواية زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن يتفرّقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا من
( الصفحه 507 )
صلاتهم وهم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان ، وإن وجدتهم قد تفرّقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذّن وأقم لنفسك .
ثمّ إنّ صاحب المدارك بعد الاستدلال للحكم بإحدى روايتي أبي بصير ورواية أبي علي استشكل فيه باشتراك راوي الاُولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية .
ويرده أن أبا بصير الراوي اثنان وكلّ منهما ثقة وقد روى ابن أبي عمير في طريق الصدوق عن أبي علي وهو يكشف عن وثاقته وذكر في الجواهر أنّ الحسين بن سعيد الراوي عنه في طريق الشيخ من أصحاب الإجماع وهو في غاية الغرابة فالإشكال في الروايات من هذه الجهة غير تام ، نعم في مقابلها روايتان :
إحداهما : رواية معاوية بن شريح المتقدّمة في الموضع الأوّل المشتملة على قوله (عليه السلام) : ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة .
ثانيتهما : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلّم قال : عليه أن يؤذِّن ويقيم ويفتتح الصلاة .
والجمع بينهما وبين الروايات المتعدّدة امّا بالحمل على الرخصة بمعنى انّ الروايتين شاهدتان على أنّ السقوط المدلول عليه بالطائفة الاُولى ليس بنحو العزيمة الموجبة لعدم المشروعية والسقوط عن المصلحة المقتضية للعبادية ، وامّا بحملها على صورة تفرّق الصفّ وخروج بعض المأمومين عن المسجد ـ مثلا ـ والظاهر رجحان الثاني وإن كان يبعده رواية معاوية بن شريح باعتبار استلزام هذا النحو من الجمع لترك تعرّضها لصورة عدم التفرّق أصلا مع أنّ ظاهرها التعرّض لها كما لا يخفى ، كما انّه يقربه رواية أبي علي الدالّة على أنّه (عليه السلام) أمر بالمنع والدفع أشدّه فإنّه لا يلائم الرخصة بوجه .
( الصفحه 508 )
وعليه فلا إشكال بالنظر إلى الروايات في سقوط الأذان والإقامة في هذا الموضع والظاهر انّه لا فرق بين من كان غرضه من الدخول ، هي الشركة في الجماعة وبين من لم يكن غرضه ذلك سواء أراد الصلاة فرادى أم جماعة بجماعة ثانية مستقلّة لأنّ بعض الروايات المتقدّمة وإن كان مورده الصورة الاُولى إلاّ انّه لا ينبغي إشكال في إطلاق البعض الآخر ، بل في صراحة الشمول للصورة الثانية كرواية أبي علي باعتبار ذيلها الدالّ على فرض عبارة الداخلين الصلاة جماعة مستقلّة كما لا يخفى ، وهل السقوط في كلتا الصورتين بملاك واحد أو بملاكين سيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّه لا إشكال في اعتبار تفرّق الصف في السقوط في هذا الموضع والظاهر انّ المراد منه هو عدم بقاء صورة الجماعة والهيئة الحاصلة من أجلها فلو تفرّق بعض الصفوف بأن خرج بعض المأمومين من الصف وإن لم يخرجوا من المسجد بعد أو لم تكن الهيئة مرتبطة بالجماعة ، بل أعرضوا عن الصلاة وإن بقوا في مكانهم لاستماع المنبر أو غيره فالظاهر صدق التفرّق من دون توقّف على تفرّق الكلّ وخروجهم من الصف بل من المسجد ، والدليل عليه مضافاً إلى أنّ المتفاهم من التفرّق ذلك بعض الروايات المتقدّمة الواردة في مورد خروج البعض من المسجد وجلوس بعض آخر للتسبيح والتعقيب ، نعم في رواية زيد النرسي المتقدّمة التفصيل فيما إذا انصرف القوم عن الصلاة ولم يتفرّقوا بوجه بين الصورتين والحكم في إحداهما بسقوط الأذان والإقامة معاً وفي الثانية بسقوط الأذان فقط ولكنّها مع إجمالها في بيان الفرق بين الصورتين منفردة بهذا التفصيل .
ثمّ إنّه يظهر من المتن اعتبار اُمور اُخر زائدة ، على ما ذكر :
أحدها : كونه في المسجد بمعنى انّ السقوط في هذا الموضع يختص بمن دخل
( الصفحه 509 )
المسجد فوجد القوم قد صلّوا ولم يتفرّق الصفّ ويدلّ عليه أكثر الروايات المتقدّمة باعتبار ورودها في مورد المسجد خصوصاً رواية السكوني باعتبار كون التقييد بالمسجد واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام) دون سائر الروايات وإن كان يمكن أن يقال بأنّ التقييد بالمسجد إنّما هو بملاحظة سائر الأحكام المذكورة فيه المختصّة بالمسجد كعدم التطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة وعدم الخروج منه حتّى يصلّي فيه دون سقوط الأذان والإقامة أيضاً .
وبعبارة اُخرى الشرط المذكور فيها المركّب من الدخول في المسجد وصلاة القوم فيه له دخل في ترتّب مجموع الأحكام الثلاثة المذكورة فيها ، وامّا انّ المجموع له دخل في ترتّب كلّ واحد منها فلا يظهر من الرواية بوجه .
هذا ولكنّه حيث يكون الحكم تعبّدياً وعلى خلاف القاعدة والروايات واردة في مورد المسجد إلاّ رواية زيد النرسي التي عرفت انّها متفردة وإحدى رواية أبي بصير التي هي متّحدة مع روايته الاُخرى الواردة في المسجد أيضاً فلا دليل على تعميم الحكم بالإضافة إلى غير المسجد فلا يجوز التعدّي عنه ، ومنه يظهر اعتبار اتحاد الصلاتين عرفاً فلو كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً بحيث لم يكن بينهما ارتباط أصلا لم يسقطا عنه بوجه .
ثانيها : كون الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة فلو كانت بدونهما ولو كان تركهم لهما لأجل الاستماع من لاغير لم يسقطا عنه ويدلّ عليه التعبير في بعض الروايات بقوله : صلّي بأذانهم وإقامتهم الظاهر في وقوع صلاتهم مع الأذان والإقامة من أنفسهم والتعبير في بعضها بإعادة الأذان وعدمها الظاهر في تحقّق الأذان من الجماعة السابقة .