( الصفحه 515 )
ويؤيّده رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي ويقرأ فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمّ مشى .
فإنّ تقييد السفر بالمشي في الجملة الاُولى والاقتصار على المشي فقط في الجملة الثانية ربّما يشهد بعدم مدخلية السفر في هذا الحكم وانّ المناط هو المشي وعدم الاستقرار ، هذا مضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة وصراحة البعض الآخر في عدم الاختصاص كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاُولى المتقدّمة الواردة في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار ودعوى انّه يحتمل كون المراد من الأمصار هي الأمصار التي تكون غير مصره فهو عبارة اُخرى عن السفر مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّه على هذا التقدير كان اللاّزم هو التعبير بالسفر وإلى انّ عمدة النظر في حيثية السفر إلى الطريق والحركة فيه لا الكون في غير مصره من مصر آخر بأن ما يتقوّم به عنوان السفر هو عدم الكون في بلده لا الكون في بلد آخر فالمراد من السؤال هو صلاة النافلة في الحضر على الدابّة وأصرح منها صحيحته الاُخرى الواردة في صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابّة بناء على كون النظر فيها إلى حيث الاستقبال أيضاً كما مرّ الكلام فيه .
وبالجملة فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالسفر وشموله للحضر أيضاً .
ثمّ إنّ ظاهر المشهور انّه لا تجب رعاية الاستقبال في التكبير وانّه لا فرق بينه وبين غيره ويدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق أكثر النصوص رواية الحلبي المتقدّمة على نقل الكافي لكن في مقابلها رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل ، قال : إذا كنت على غير القبلة
( الصفحه 516 )
فاستقبل القبلة ثمّ كبّر وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، قلت : جعلت فداك في أوّل الليل؟ فقال : إذا خفت الفوت في آخره . ورواية معاوية بن عمّار المتقدّمة .
ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب ولكن ربّما يقال بعدم صلاحية مثلهما لتقييد المطلقات ولو مع عدم وجود رواية الحلبي في مقابلهما وذلك لما اشتهر في باب المندوبات من عدم وجوب حمل المطلق على المقيّد واختصاصه بالواجبات .
وأورد عليه بأنّ هذا فيما إذا كان الكلام المطلق مسوقاً لبيان الحكم التكليفي لا لبيان كيفية العمل الذي لم تثبت مشروعية مطلقة كما في المقام وإلاّ فحاله حال الواجبات .
ويدفعه انّه يكفي في إثبات مشروعية المطلق نفس الإطلاقات الواردة الظاهرة فيها ودليل التقييد لا يقتضي التضييق بعد عدم إحراز وحدة الحكم وإمكان التعدّد كما في سائر الموارد فتدبّر .
وكيف كان فمقتضى قاعدة الجمع في المقام هو الحمل على الاستحباب كما عرفت هذا بالنسبة إلى التكبير ، وامّا بالإضافة إلى الركوع والسجود فقد حكى عن الشيخ (قدس سره) الإجماع على عدم اعتبار الاستقبال فيهما ولكن رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة ظاهرة في وجوب تحويل الوجه إلى القبلة في حالات التكبير والركوع والسجود ومقتضى المطلقات خلافه كما انّ رواية عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدّمة الظاهرة في اعتبار الاستقبال في التكبير تدلّ على عدم اعتباره فيهما باعتبار قوله (عليه السلام) : وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ، ويدلّ عليه أيضاً صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي على راحلته قال : يؤمى إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ، قلت : يصلّي وهو يمشي؟ قال : نعم يؤمى
( الصفحه 517 )
ايماء وليجعل السجود أخفض من الركوع .
فإنّ السؤال وإن لم يكن في نفسه ظاهراً في كون النظر إلى الاستقبال أيضاً إلاّ انّ التعرّض في الجواب لكيفية الركوع والسجود أيضاً دليل على كون الرواية بصدد بيان جميع الخصوصيات التي تشتمل عليها الصلاة على الراحلة فعدم التعرّض للاستقبال فيهما دليل على عدم اعتباره في شيء من أجزاء الصلاة كما لا يخفى . وعلى ما ذكرنا فرواية معاوية بن عمّار محمولة على الاستحباب كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ الظاهر وفاقاً لأكثر من تعرّض انّ المستفاد من الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم رعاية الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار هو سقوط شرطية القبلة وعدم قيام شيء مقامها .
وبعبارة اُخرى مفاد الروايات هو السقوط وخروج هذا الشرط عن الشرطية رأساً لا تبدّله إلى شرط آخر وقيام شيء آخر مقامه كما ربّما يحكى عن صريح الصيمري وظاهر العلاّمة في جملة من كتبه وصريح البيان حيث حكى عن الأوّلين انّ قبلة الراكب طريقه ومقصده ، وعن الأخير انّ قبلته رأس دابته ولعلّ منشأ ذلك الجمود على ظاهر التعبيرات الواردة في الروايات من قوله حيث ما توجّهت به أو حيث ما كان متوجّهاً أو صلِّ حيث ذهب بك بعيرك مع أنّ المتفاهم منها عرفاً ليس إلاّ مجرّد عدم لزوم رعاية القبلة ولا تكون الروايات بصدد إفادة لزوم أمر آخر مقام القبلة وانّه تجب رعاية الطرف الذي تكون الدابة متوجّهة إليه بحيث لو انحرف المصلّي عن ذلك الطرف يميناً أو شمالا لكانت صلاته فاقدة لما اعتبر فيها ، فالإنصاف انّ ما حكى عنهم خلاف ما هو مفاد الروايات والمتفاهم منها عرفاً فالانحراف لا يقدح بوجه ، هذا كلّه في النافلة في حالة عدم الاستقرار .
وامّا النافلة في حال الاستقرار فالمشهور هو اعتبار الاستقبال فيها ، بل في محكي
( الصفحه 518 )
مفتاح الكرامة : وبه صرّح في جميع كتب الأصحاب إلاّ ما قلّ ويدلّ عليه اُمور :
الأوّل : ارتكاز المتشرّعة وكون الصلاة مستقرّاً إلى غير القبلة من المنكرات عندهم من دون فرق بين الفريضة والنافلة ولا يسمعون اعتذار الآتي بها بكونها نافلة ولكن لابدّ من ملاحظة انّ هذا الارتكاز هل نشأ من فتوى مراجعهم بذلك بحيث كان متفرّعاً عليها أو انّ له منشئاً أصيلا لا يرتبط بالفتوى ، بل الفتوى مرتبطة إليه وذلك المنشأ هو ما وصل إليهم وارتكز لديهم خلفاً عن سلف والظاهر هو الثاني لثبوت الفرق بين مثل هذا الارتكاز وبين الارتكازات الناشئة عن التقليد والاستناد إلى فتوى المرجع كما لا يخفى .
الثاني : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : لا صلاة إلاّ إلى القبلة قال : قلت : أين حدّ القبلة؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه قال : قلت : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت ؟ قال : يعيد .
فإنّ نفي طبيعة الصلاة وماهيتها عمّا وقع إلى غير القبلة يدلّ على اعتبار استقبالها في النافلة أيضاً وخروجها في حال عدم الاستقرار لا يقدح ببقائها في غير هذا الحال فمقتضى الصحيحة الاعتبار ولا دلالة على عدمه فيه .
وأورد على الاستدلال بها بوجهين :
أحدهما : انّ ذيل الرواية قرينة على ورود الصدر في خصوص الفريضة لاختصاص الذيل بها فإنّ وجوب الإعادة المستفادة من قوله (عليه السلام) : يعيد لا يكاد ينطبق إلاّ على الفريضة التي أتى بها إلى غير القبلة أو في غير الوقت ضرورة انّ النافلة الواقعة كذلك لا تجب إعادتها فوجوب الإعادة إنّما هو في الفريضة وإذا كان الذيل وارداً فيها فهو قرينة على اختصاص الصدر بها أيضاً ، فالمراد انّه لا صلاة فريضة إلاّ إلى القبلة ، وعليه فالاستدلال بها للنافلة ممّا ليس له مجال .
( الصفحه 519 )
ويدفعه أوّلا انّ الذيل لا دلالة له على وجوب الإعادة فإنّ الإعادة بما هي إعادة لا يمكن أن يتعلّق بها الحكم المولوي الذي يترتّب عليه استحقاق العقوبة على تقدير المخالفة ضرورة انّ ترك الإعادة في الفريضة في مفروض الرواية لا يوجب إلاّ ثبوت المخالفة بالإضافة إلى أصل التكليف بالصلاة إلى القبلة وفي الوقت لا تحقّقها بالنسبة إلى وجوب الإعادة الدالّة عليه الرواية فالإعادة لا تكون متعلّقة للحكم الوجوبي المولوي فالأمر في الرواية ليس إلاّ للإرشاد إلى فساد الصلاة في الصورتين وهو يجتمع مع كون مورد السؤال شاملا للنافلة أيضاً فالذيل لا يكون مختصاً بالفريضة حتّى يصير قرينة على اختصاص الصدر بها أيضاً .
وثانياً : انّ الذيل على تقدير الاختصاص لا يصلح أن يصير قرينة على اختصاص الصدر وذلك لأنّ الصدر يكون كلاماً ابتدائياً مستقلاًّ صادراً من الإمام (عليه السلام) لإفادة ضابطة كلّية وبيان انّ الصلاة إلى غير القبلة لا تكاد تصدق عليها الماهية وتنطبق عليها الحقيقة والذيل انّما وقع جواباً عن سؤال زرارة وكيف يصلح الجواب الذي لا يكاد يصدر من الإمام (عليه السلام) من دون تحقّق السؤال قرينة على تقييد الضابطة الكلّية التي أفادها في الصدر بل الذيل بمنزلة رواية مستقلّة مشتملة على السؤال والجواب .
وبعبارة اُخرى هل يجوز ترك التقييد في مقام إفادة الضابطة اعتماداً على أنّه يمكن أن يقع عقيبها سؤال ولا محالة يتحقّق بعده جواب ويكون ذلك الجواب قرينة عليه وعلمه (عليه السلام) بوقوع السؤال بعده لا يسوغ الترك أصلا ، فالإنصاف انّ ذيل الرواية بمنزلة رواية مستقلّة ولا تصلح لأن تصير قرينة على التصرّف في الصدر فالاستدلال بالرواية لمذهب المشهور نام .
ثمّ إنّ المراد من قوله (عليه السلام) في بيان حدّ القبلة : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه