( الصفحه 520 )
سيأتي التكلّم فيه وانّه هل المراد كونه قبلة في جميع الحالات ولجميع المكلّفين كما هو ظاهره أو في بعض الحالات ، كما انّه سيأتي بيان أصل المراد ممّا بين المشرق والمغرب إن شاء الله تعالى فانتظر .
ثانيهما : انّ خروج الفرد في بعض أحواله عن حكم العام يوجب أن لا يجوز التمسّك بالعام بالنسبة إلى ذلك الفرد في غير تلك الحال وذلك لعدم كون الشكّ في تخصيص زائد حتّى يدفع بأصالة العموم الجارية في موارد الشكّ في أصل التخصص أو في التخصيص الزائد ، وعليه فلا يجوز التمسّك بعموم قوله : لا صلاة إلاّ إلى القبلة بعد خروج النافلة في حال عدم الاستقرار عنه لأجل الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم اعتبار الاستقبال فيها في تلك الحال لما ذكر فالاستدلال بالصحيحة غير صحيح .
والجواب : انّ قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة ، امّا أن يكون نكرة واقعة في سياق النفي وهي تفيد العموم ، وامّا أن يكون لنفي الجنس والطبيعة نظراً إلى كون المنفي هو اسم الجنس الذي لا دلالة له إلاّ على الطبيعة المطلقة .
فعلى الأوّل لابدّ من ملاحظة انّ العموم الذي هو مفاد هذا القول هل هو العموم الافرادي الذي مرجعه إلى أنّ كلّ فرد يتحقّق في الخارج بعنوان الصلاة فهو فرد مستقلّ داخل في العموم من دون واسطة فالمراد ـ حينئذ ـ انّ كلّ ما يؤتى به في الخارج بعنوان تحقّق ماهية الصلاة فالانطباق يتوقّف على وقوعه إلى القبلة والتوجّه فيه إليها ، أو انّ العموم الذي هو مفاد هذا القول هو العموم بلحاظ الأنواع الواقعة تحت ماهية الصلاة وجنسها بحيث كانت صلاة النافلة ـ مثلا ـ فرداً واحداً من أفراد العام وصلاة الظهر أيضاً كذلك وهكذا ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى أنّه لا يتحقّق نوع من أنواع الصلاة إلاّ مع التوجّه فيه إلى القبلة؟
( الصفحه 521 )
فإن كان المراد هو الأوّل الذي يكون كلّ صلاة موجودة في الخارج فرداً واحداً مستقلاًّ فلا يبقى مجال للإشكال في صحّة التمسّك بعموم قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة لأنّ النافلة في حال الاستقرار فرد مستقلّ بل افراد مستقلّة شكّ في خروجها فالشكّ لا محالة إنّما هو في التخصيص الزائد وخروج أفراد كثيرة بعنوان واحد وهي النافلة في حال عدم الاستقرار لا يوجب عدم كون الشكّ في غير أفراد هذا العنوان في التخصيص الزائد كما لا يخفى ، فعلى هذا الاحتمال لا يبقى للإشكال مجال .
وإن كان المراد هو الثاني الذي يكون كلّ نوع فرداً واحداً فالنافلة في حال عدم الاستقرار فرد واحد خارج في بعض الأحوال فالمقام نظير ما إذا ورد أكرم كلّ عالم ثمّ قام الدليل على عدم وجوب إكرام زيد العالم في يوم الجمعة وشكّ في وجوب إكرامه في غير ذلك اليوم حيث إنّ زيداً فرد واحد خارج عن العموم في يوم الجمعة ، فعدم جواز التمسّك بالعام ـ حينئذ ـ محل نظر بل منع ولتوضيحه نقول : لابدّ من ملاحظة انّ إخراج فرد في حال هل يكون مرجعه إلى التصرّف في عموم العام وإخراج الفرد منه أو انّ حقيقته التصرّف في الإطلاق الاحوالي الثابت للعام مضافاً إلى العموم الافرادي بحيث لو فرض عدم ثبوت الإطلاق الاحوالي لا يكون هناك تصرّف أصلا؟
الظاهر هو الثاني; لأنّ إخراج الفرد في حال لا ينافي العموم اللغوي بوجه لأنّ مفاده دخول تمام الأفراد في حكم العام من غير تعرّض لحالات الافراد والدليل المخرج لا دلالة له على خروج فرد من العام رأساً حتّى يكون تخصيصاً ، بل يدلّ على خروجه في حال وهذا مخالف لظهور الإطلاق في الشمول لجميع الحالات ، وعليه فالشكّ في ثبوت حكم العام بالنسبة إلى ذلك الفرد في غير تلك الحال مرجعه إلى الشكّ في تقييد زائد على التقييد المعلوم واصالة الإطلاق ترفع هذا
( الصفحه 522 )
الشكّ فإذا قام الدليل على وجوب الوفاء بكلّ عقد كما هو مفاد قوله تعالى : (أوفوا بالعقود)وقام الدليل على عدم وجوب الوفاء بعقد في زمان كما لو انعقد الاجماع أو دليل نفي الضرر ـ فرضاً ـ على عدم وجوب الوفاء بالعقد الذي ظهر فيه الغبن إلى ساعة ـ مثلا ـ فهذا الدليل الثاني لا يكون منافياً للعموم الافرادي اللغوي الذي هو مفاد الدليل الأوّل بل يكون منافياً للإطلاق الازماني الثابت له ولا محيص إلاّ للرجوع إلى الإطلاق في الشكّ في التقييد الزائد .
والشاهد لما ذكرنا من عدم كون إخراج الفرد في بعض الأحوال تخصيصاً للعام وتصرّفاً في العموم انّه لو فرض قيام الدليل على خروج جميع الأفراد في بعض الحالات لا يتوهّم أحد ثبوت المنافاة بينه وبين الدليل الأوّل ، فلو فرض ثبوت الخيار في تمام العقود في الساعة الاُولى بعد تحقّق العقد لا يكون ذلك منافياً لعموم أوفوا بالعقود أصلا فإذا لم يكن إخراج جميع الافراد كذلك منافياً فكيف يكون إخراج فرد واحد كذلك تصرّفاً في العام ولعمري هذا واضح .
فانقدح انّه على هذا التقدير لا يكون إخراج النافلة في حال عدم الاستقرار منافياً لجواز التمسّك بالدليل لإثبات اعتبار الاستقبال فيها في حال الاستقرار لأنّ مقتضى أصالة الإطلاق ثبوت حكم العام في غير تلك الحال كما عرفت ، هذا كلّه لو كان المنفي هي النكرة وقلنا بإفادتها مع وقوعها في سياق النفي للعموم .
وامّا لو كان المنفي هو الجنس والطبيعة فامّا أن يقال بأنّ الطبيعة المنفية هي الطبيعة بلحاظ سريانهما في الافراد وجريانها في المصاديق ، وامّا أن يقال بأنّها هي نفس الطبيعة والماهية مع قطع النظر عن السريان والجريان .
فعلى الأوّل يرجع هذا الفرض إلى الفرض الأوّل وهو العموم الافرادي بلحاظ كلّ فرد; لأنّ معنى السريان هو الشمول لكلّ فرد وقيام الدليل على منع السريان في
( الصفحه 523 )
طائفة من الافراد لا يوجب إهمال الدليل بلحاظ الافراد التي لم يقم فيها دليل على منع السريان لأنّ الشكّ في الشمول لهذه الافراد شكّ في مانع مستقلّ ومقتضى الدليل هو عدمه كما لا يخفى .
وعلى الثاني يكون الموضوع صرف الطبيعة بلا تكثّر فيه ولا عموم وسريان ، فمع قيام الدليل على خروج النافلة في حال عدم الاستقرار لابدّ امّا من الالتزام بخروج هذه الحال عن مطلق الصلاة والقول بأنّ صلاة الفريضة في حال عدم الاستقرار لا يعتبر فيها الاستقبال ، وامّا من الالتزام بصيرورة ذلك الدليل قرينة على اختصاص الموضوع المنفي بخصوص صلاة الفريضة والحكم بأنّ الدليل لا يدلّ على أزيد من اعتبار الاستقلال فيها و ـ حينئذ ـ فيصحّ للمورد أن يقول : بأنّه حيث لا يصحّ الالتزام الأوّل فلابدّ من الالتزام الثاني ولكن الجواب عنه ـ حينئذ ـ أن يقال : إنّه على تقدير تسليم كون هذا التركيب ظاهراً في نفي الجنس والطبيعة ولكن لا نسلّم ظهوره في عدم كون نفي الجنس بلحاظ السريان ، بل هو الظاهر منه خصوصاً مع ملاحظة ورود الدليل المذكور في النافلة الشاهد على كون الطبيعة الملحوظة إنّما هي الطبيعة السارية لا صرف الماهية . فانقدح من جميع ما ذكرنا صحّة التمسّك بالصحيحة لمذهب المشهور .
الثالث : حديث لا تعاد باعتبار كون الموضوع فيه هو مطلق الصلاة والقبلة من الاُمور الخمسة المستثناة فيه الموجبة للإعادة .
وأورد عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) بظهوره في الفريضة التي من شأنها وجوب الإعادة عند الإخلال بشيء من أجزائها وشرائطها ويؤيّده عدّ الوقت من الخمس .
ويدفعه ما عرفت من أنّ الإعادة بما هي إعادة لا يمكن أن يتعلّق بها الحكم
( الصفحه 524 )
الوجوبي الشرعي إثباتاً أو نفياً فمرجع وجوب الإعادة إلى ثبوت خلل في المأتي به من حيث الجزء أو الشرط ، كما انّ مرجع عدم وجوبها إلى تمامية المأتي به وعدم وجود الخلل فيه ، وعليه فحديث لا تعاد لا دلالة له إلاّ على تمامية العمل من غير ناحية الإخلال بأحد الاُمور الخمسة المستثناة فيه ولا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة لكون الموضوع مطلق الصلاة وطبيعتها .
نعم يمكن الإيراد على الاستدلال به لمثل المقام بأنّه يبتني على أن يكون الحديث بصدد بيان المستثنى ككونه بصدد بيان المستثنى منه بمعنى انّه كما يكون في مقام إفادة عدم الإعادة من غير ناحية الإخلال بأحد الاُمور الخمسة كذلك يكون في مقام بيان ثبوت الإعادة من ناحية الإخلال بأحدها حتّى يجوز التمسّك بإطلاقه لثبوت الإعادة في مثل المقام لتحقّق الإخلال بالقبلة التي هي إحداها ولكن الظاهر عدم ثبوت هذا المعنى في الحديث ، هذا وقد استدلّ المشهور باُمور اُخر أيضاً لكنّها غير مهمّة .
وقد استدلّ للقول بعدم الاعتبار على ما هو ظاهر المحقّق في الشرائع وفاقاً للمحكي عن جملة من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم باُمور أيضاً .
منها : أصالة البراءة عن وجوب الاستقبال .
وأورد عيه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) بأنّها ممّا لا تتمّ لأنّ مدركها امّا حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، وامّا حديث الرفع ونظائره الأوّل غير جار في المقام لأنّ الكلام في شرطية الاستقبال في النافلة وهي لا يترتّب على تركها عقاب أصلا وكذا الثاني لأنّ حديث الرفع مسوق لرفع التضييق وهو معدوم في النوافل من الأصل .
ولكن الظاهر تمامية ما أفاده فيما إذا كان الشكّ في أصل ثبوت الاستحباب بالإضافة اخلى فعل لعدم جريان شيء من البراءة العقلية والبراءة النقلية فيه ، وامّا