( الصفحه 56 )
أمر آخر في أصل الحكم أو في تفسير السحر فتدبّر .
الأمر الثاني : قد ورد في جملة من الروايات انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يفرق بين ركعات صلاة الليل فقد روى الحلبي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ، ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ثمّ قال : لقد كان لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة ، قلت : متى كان يقوم؟ قال : بعد ثلث الليل . قال الكليني : وفي حديث آخر : بعد نصف الليل .
ومن المعلوم انّ الرواية بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : لقد كان لكم . . . تنفي احتمال اختصاص هذه الكيفية بالنبي (صلى الله عليه وآله) ولا مانع من الالتزام بذلك بمعنى انّ أفضل الكيفيات هو التفريق بالنحو المذكور في الرواية ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من أنّ وقت فضيلتها هو السحر وأفضل منه هو آخر الليل الذي هو القريب من الفجر فإنّ ذلك إنّما هو في مورد الجمع بين الركعات بمعنى انّه إذا أراد الجمع والإتيان بها دفعة واحدة فالترتيب في الفضيلة ما ذكر ، وامّا إذا أراد التفريق فالترتيب إنّما هو بالنحو المذكور في الرواية وهو بهذا النحو أفضل من الجمع مع رعاية الفضيلة بمراتبها كما لايخفى .
( الصفحه 57 )
مسألة 2 ـ الأقوى ثبوت صلاة الغفيلة وليست من الرواتب وهي ركعتان بين صلاة
المغرب وسقوط الشفق الغربي على الأقوى ، يقرأ في الاُولى بعد الحمد : (وَذَا
النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ
الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وفي الثانية بعد الحمد : (
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة
فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين )
فإذا فرغ رفع يديه وقال : «اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ
أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا» فيدعو بما أراد ثمّ قال :
«اللّهمّ أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآل محمّد
عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي» وسأل الله حاجته أعطاه الله عزّوجلّ ما سأله إن
شاء الله 1 .
1 ـ الكلام في صلاة الغفيلة يقع في جهات :
الجهة الاُولى : في أصل ثبوتها ومشروعيتها بهذه الكيفية المعروفة المذكورة في المتن وعمدة الدليل عليها ما رواه الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من صلّى العشاءين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد وذا النون إذا ذهب مغاضباً إلى قوله : وكذلك ننجي المؤمنين ، وفي الثانية الحمد وقوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو إلى آخر الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآله لما قضيتها لي وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل .
ورواه السيّد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن علي بن
( الصفحه 58 )
يوسف عن أحمد بن سليمان الزراري عن أبي جعفر الحسني محمد بن الحسين الأشتري عن عباد بن يعقوب عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) نحوه وزاد في ذيله : فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما بين العشائين . والنقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد ويحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) والأظهر هو الثاني .
وأورد بعض الأعلام على رواية الشيخ (قدس سره)بأن أحد طريقي الشيخ إلى أصل هشام بن سالم وكتابه وإن كان صحيحاً وقابلاً للاعتماد عليه إلاّ انّه لم يعلم انّ هذه الرواية كانت موجودة في أصل هشام وكتابه بل ولم يظهر انّه رواها مسندة ولم يصل إلينا سندها أو رواها مرسلة من الابتداء ، نعم لو كان نقل الرواية في تهذيبه أو استبصاره لحكمنا بأنّها كانت موجودة فيه لأنّه ذكر في المشيخة انّه يروي فيهما عن أصل المبدو به في السند .
ويمكن دفعه ـ مضافاً إلى اعتماد المشهور على هذه الرواية استنادهم إليها الجابر لضعفهما على تقديره وإلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن بناء على إثباتها للاستحباب الشرعي ـ بأنّه مع وجود الطريق الصحيح إلى أصل هشام وكتابه كما في الفهرست وعدم إشعار في نقل الشيخ بكون الرواية منقولة عن لفظه دون أصله وعدم إشعار بإرسال الرواية هل يكون الاحتمال المذكور في كلام هذا البعض مورداً لاعتناء العقلاء وترتيب الأثر عليه خصوصاً مع الاقتصار على الرواية عن أصل المبدو به في السند في كتابي التهذيب والاستبصار المعدّين للاستنباط والوصول إلى الأحكام الإلهية وعدم كون كتاب المصباح معدّاً إلاّ لبيان المستحبّات والآداب فالإنصاف تمامية الرواية سنداً كتماميتها من حيث الدلالة ، وعليه فلا يبقى خدشة في مشروعية صلاة الغفيلة بالكيفية المعروفة .
( الصفحه 59 )
الجهة الثانية : روى الصدوق في جملة من كتبه ـ مرسلة في بعضها بالإرسال المعتبر ومسندة في أكثرها ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ انّه قال : تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة . قال : وفي خبر آخر دار السلام وهي الجنّة ، وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة . وذيل الحديث في الثواب والمعاني هكذا : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء . وعليه فينتفي احتمال كون الذيل في غيرهما من الصدوق نفسه كما لايخفى .
وفي كتاب فلاح السائل بعد نقل رواية الصدوق زاد : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)وما معنى خفيفتين؟ قال : تقرأ فيهما الحمد وحدها . والمستفاد من هذه الروايات استحباب عنوان التنفّل في ساعة الغفلة التي هي ما بين المغرب والعشاء الآخرة ولا يعتبر فيه كيفية خاصّة وكم مخصوص ، بل يتحقّق بركعتين فاقدتين للسورة أيضاً ، وعليه يقع الكلام في اتحادها مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام المتقدّمة وعدمه ، بمعنى انّه هل يكون هنا استحبابان تعلّق أحدهما بعنوان التنفل في ساعة الغفلة والآخر بالصلاة بالكيفية المعروفة أو انّه لا يكون في البين إلاّ تكليف استحبابي واحد ، غاية الأمر انّ الإتيان بها بتلك الكيفية أفضل ، والظاهر هو التعدّد وإن جاز التداخل في مقام الامتثال; لأنّ الرواية الدالّة على مطلوبية مطلق التنفل في ساعة الغفلة إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلو هذا الزمان الذي هو زمان الغفلة من التنفل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود والتخضّع والتخشّع لديه ، فالمطلوب فيه أمر عام ينطبق على القليل والكثير ولا دلالة لها على كيفية مخصوصة والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفية الخاصّة وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال فالعنوانان في عالم تعلّق الحكم متغايران
( الصفحه 60 )
وفي عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد فإذا قصد كليهما يتحقّق امتثالان وإذا أتى بالركعتين بغير تلك الكيفية لا تتحقّق صلاة الغفيلة كما انّه إن أتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلّق بالتنفل ساعة الغفلة لا يتحقّق امتثال أمره وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المقصود من الأمر المتعلّق به هو أن لا يكون ذلك الوقت خالياً من التوجّه إلى الله من دون أن يكون للمأمور به عنوان خاص مستقلّ فلا حاجة في امتثاله إلى قصد متعلّقه ، بل الظاهر هو ذلك وعليه فلا يتوقّف على قصد عنوان التنفل في ساعة الغفلة ، بل يتحقّق الامتثالان معاً بقصد صلاة الغفيلة .
الجهة الثالثة : في اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب وعدمه ونقول :
ربما يقال بالاتحاد وان الرواية المتضمّنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلّة نافلة المغرب والمقصود من قوله (عليه السلام) في هذه الرواية : من صلّى بين العشائين ركعتين . . . هو الركعتان من أربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب فكأنّه قال : من صلّى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفية يترتّب عليها أثر مخصوص وهو قضاء حاجته وإعطاء الله إيّاه ما سأل ويترتّب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة ولزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناء على ما ذكرنا سابقاً من عدم تعدّد النوافل المركّبة وترتّب الأثر على مجموعها ، كما انّه يترتّب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها .
والذي يقرب هذا القول أمران :
أحدهما : انّه ليس في الروايات المتعرّضة لتعداد النوافل اليومية من التعرّض لصلاة الغفيلة عين ولا أثر لاسيما ما يدلّ على انّ مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن إحدى وخمسين ركعة وما ورد منها حكاية لعمل النبي أو الوصي ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ حيث لا إشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة والإتيان بها