( الصفحه 61 )
زائدة على نافلة المغرب .
ثانيهما : النهي عن التطوّع في وقت الفريضة حيث إنّه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقاً للتطوّع في وقت فريضة العشاء وهو منهي عنه فلا محالة تحسب جزء من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان .
ويدفع الأوّل انّ عدم التعرّض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة إنّما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليومية المضافة إلى الفرائض أو إلى اليوم والليل ، بل هي عبادة مستقلّة يترتّب عليها أثر مخصوص ، غاية الأمر انّ وقتها بين العشائين فلا تكون جزء للرواتب .
ويدفع الثاني ـ مضافاً إلى لزوم ملاحظة انّ النهي هل هو تحريمي أو تنزيهي وانّ المراد بالتطوّع هل هو مطلق التطوّع أو خصوص النوافل الابتدائية التي لا يكون لها عنوان خاص وانّ الوقت هل هو الوقت الاختصاصي أو الأعمّ منه ومن وقت الفضيلة بل الأجزاء ـ انّ الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدال على مشروعيتها وثبوتها في الشرع فلا فرق بينها وبين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلاً .
فانقدح انّ اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب ممّا لا سبيل إليه ويبعده أيضاً انّ ظاهر دليل الغفيلة تشريع الصلاة بالكيفية المخصوصة لا بيان الخصوصية في الصلاة المشروعة فافهم .
وربّما يقال بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتّى في مقام الامتثال والتحقّق في الخارج نظراً إلى أنّه حيث استقرّت سيرة المسلمين على الإتيان بنافلة المغرب بعد فريضته صار في ارتكازهم انّ نافلة المغرب من توابعها المتّصلة بها فالمراد من قول الإمام (عليه السلام) في رواية هشام : من صلّى بين العشائين ركعتين الإتيان بالركعتين بين
( الصفحه 62 )
المغرب ونافلته وبين العشاء فكأنّه قال من صلّى بين العشائين ركعتين غير نافلة المغرب ويترتّب على ذلك عدم إمكان التصادق ولزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجاً فلو أتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الغفيلة كما انّه لا يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بنافلة المغرب إذا ضمّ إلى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط .
ويدفعه انّ استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيق في مداليل الألفاظ وتقيّد الإطلاق في الرواية فإنّ المراد من العشائين هو نفس الفريضتين ، وعليه فالركعتان في الرواية مطلقة ولا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب فكما انّ الاتحاد لا يساعده ظاهر الدليل فكذلك المغايرة بهذه الكيفية المانعة عن التصادق في مقام الامتثال .
والظاهر انّه كما انّ أدلّة نافلة المغرب مطلقة من جهة الكيفية ولا تكون مشروطة بصورة خاصة كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب ومن جهة وقوعها في ضمنها وعدمه ، وعليه فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة ، غاية الأمر انّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد فلابد من قصدها كما انّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية إلاّ انّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفية الخاصّة المترتّب عليها أثر مخصوص لا محيص عنها فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك . وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها للزوم نية النافلة وعدم التحقّق بدونها فالفرق كما أفاده بعض الأعلام لا وجه له فتدبّر .
الجهة الرابعة : في وقت صلاة الغفيلة وفيه احتمالان :
الأوّل : انّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صليهما في وقتهما فلو أخّر
( الصفحه 63 )
العشاء إلى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها .
الثاني : انّ وقتها إلى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء وهو الذي قوّاه في المتن .
ومنشأ الاحتمالين انّ المراد من قوله (عليه السلام) في رواية هشام المتقدّمة : من صلّى بين العشائين . . . هل هي الصلاة بين الفريضتين فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلّى الفريضتين ، أو انّ المراد منه هي الصلاة بين الوقتين ولا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الاجزاء لعدم التعدّد فيه بخلاف وقت الفضيلة؟
فعلى الأوّل يستمر وقتها إلى الوقت المختصّ بفريضة العشاء لكنّه يبعده انّه لو كان المراد بالعشائين هي الفريضتين لكان الأنسب هو التعبير به بعد المغرب كما في نافلة المغرب مع انّ لازمه ـ حينئذ ـ توقّف مشروعية الغفيلة على الإتيان بالعشاء بعدها أيضاً ليتحقّق عنوان «البين» الواقع في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بناء على هذا المعنى أيضاً انّه حيث كان التفريق بين العشائين وتأخير العشاء الآخرة إلى ذهاب الشفق ممّا استقرّت عليه سيرة المسلمين في الصدر الأوّل فلذا يكون المتبادر من الرواية هو بين الفريضتين الواقعتين في وقت فضيلتهما كما هو المتداول بينهم .
وعلى الثاني يستمرّ وقتها إلى ذهاب الشفق ولا يرد عليه انّه عليه لا يظهر من الرواية لزوم الإتيان بفريضة المغرب قبلها; لأنّ ظاهرها بلحاظ جعل أوّل الوقت بعد وقت فضيلة المغرب هو فرض تحقّق المغرب في وقتها كما لا يخفى . وكيف كان فالظاهر هو هذا القول .
( الصفحه 64 )
مسألة 3 ـ يجوز إتيان النوافل الرواتب وغيرها جالساً حتى في حال الاختيار لكن الأوّلى ـ حينئذ ـ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتى في الوتر فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة 1 .
1 ـ امّا جواز الإتيان بالنوافل مطلقاً جالساً في حال الاختيار فهو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه ، وخالف في ذلك الحلّي صاحب السرائر فمنع من ذلك إلاّ في الوتيرة وعلى الراحلة مدّعياً خروجهما بالإجماع ، للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة لكن عن الذكرى : دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة .
وكيف كان فيدلّ على المشهور روايات كثيرة :
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن سهل بن اليسع انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام)عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً وليست به علّة في سفر أو حضر فقال : لا بأس به .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (في حديث) قال : إنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن حمّاد بن عثمان انّه قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : وقد اشتد عليّ القيام في الصلاة فقال : إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتمّ ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم .
ومنها : رواية اُخرى لحمّاد بن عثمان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي وهو جالس فقال : إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمّها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم .
( الصفحه 65 )
وامّا ما يدلّ على عدّ كلّ ركعتين بركعة فرواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالساً ، قال : يضعف ركعتين بركعة . ورواية علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال : يصلّي النافلة وهو جالس ، ويحسب كلّ ركعتين بركعة ، وامّا الفريضة فيحتسب كلّ ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام . وبعض الروايات الاُخر .