( الصفحه 562 )
فالظاهر في هذه الصورة ما أفاده البعض المتقدّم من كفاية صلاة واحدة فتدبّر .
الخامس : لو ثبت عدم القبلة في بعض الجهات بالعلم أو بالبيّنة صلّى إلى المحتملات الاُخر لما عرفت من أنّ الأمر بالصلاة إلى أربع جهات بالإضافة إلى المتحيّر ليس أمراً مولوياً يكون مقتضى إطلاقه ثبوته ولو مع العلم بعدم القبلة في بعض الجهات ، بل يكون أمراً إرشادياً إلى ما هو مقتضى حكم العقل ، ومن المعلوم انحصار حكمه بما إذا كان كلّ واحدة من الجهات محتملة للقبلة فاللاّزم مع العلم بالعدم في بعض الجهات تكرار الصلاة إلى بقية الجهات لعين الملاك .
نعم لو حصل له الظنّ بالعدم في بعض الجهات فهل يجوز له الاقتصار على غيره من الجهات أم لابدّ من التكرار إلى أربع؟ والظاهر هو الثاني; لأنّ حجّية الظنّ المستفادة من دليل التحرّي مقصورة على الظنّ التفصيلي بجهة القبلة ولا ملازمة بين حجّية الظنّ التفصيلي وبين حجّية الظنّ الإجمالي . وبعبارة اُخرى المتفاهم عند العرف من دليل اعتبار الظنّ هو الظنّ بثبوت القبلة في جانب خاصّ لا الظنّ بعدمها فيه مع التردّد في سائر الجهات .
السادس : انّه يجوز التعويل على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم في الجملة ، وعن التذكرة وكشف الالتباس الإجماع عليه ولا حاجة إلى إقامة الدليل على حجّيتها مع فرض إفادتها للعلم بجهة القبلة لحجّيته من أي طريق حصل كما هو شأن القطع الطريقي ، وامّا مع عدم إفادتها سوى الظنّ بالجهة فمع عدم التمكّن من تحصيل العلم بالقبلة ولا تحصيل الظنّ الأقوى يكون الدليل على الحجّية هو الدليل الوارد في التحرّي الدالّ على اعتبار الظنّ الحاصل به فإنّها أيضاً من مصاديق التحرّي وطرقه .
وامّا مع التمكّن من تحصيل العلم أو الظنّ المذكور فالدليل على الحجّية هي
( الصفحه 563 )
السيرة القطعية العملية المستمرّة من زمن الأئمّة (عليهم السلام) وفي جميع الأعصار والأمصار بحيث لا مجال لإنكارها ولا لإنكار شرعيتها مع كونها بمرئى ومسمع من الأئمّة (عليهم السلام)ودعوى اختصاصها بصورة عدم التمكّن من تحصيل العلم مدفوعة بما نشاهده من ثبوت السيرة في صورة التمكّن من تحصيل العلم أيضاً فضلا عن التمكّن من تحصيل الظنّ فالإنصاف كما في الجواهر حجّية قبلة البلد مطلقاً .
ثمّ إنّه قد قيّد الجواز في المتن تبعاً للأصحاب بما إذا لم يعلم الخطأ فيها ومقتضاه انّه مع عدم العلم بالخطأ ولو كان هناك ظنّ غالب به يجوز التعويل وهذا ليس بواضح فإنّه لم يعلم ثبوت السيرة في مورد الظنّ الأقوى على الخلاف لو لم نقل بالعلم بعدم الثبوت ولا فرق في ذلك بين أن يكون الظنّ بالخلاف راجعاً إلى أصل جهة القبلة أو إلى التيامن والتياسر ، غاية الأمر ثبوت الفرق من جهة ندرة حصول الظنّ بالخلاف من حيث الجهة بخلاف التيامن والتياسر ولكنّه لا يقتضي الفرق في الحكم بعد حصول الظنّ فما عن الذكرى وجامع المقاصد من أنّه لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعاً; لأنّ الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع بخلاف التيامن والتياسر غير ظاهر بعد فرض الظنّ الأقوى على الخطأ في أصل الجهة ودعوى امتناع حصوله لا ترتبط بالحكم .
وبالجملة فالظاهر اختصاص الجواز بما إذا لم يكن هناك ظنّ غالب على الخطإ والغلط من دون فرق بين صور الخطأ أصلا .
( الصفحه 564 )
مسألة 3 ـ المتحيّر الذي يجب على الصلاة في أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاُولى كما انّ الأحوط أن يتمّ جهات الاُولى ثمّ يشرع في الثانية وإن كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاُولى في كلّ جهة 1 .
1 ـ المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أربع جهات ـ مثلا ـ لو كان عليه صلاتان مترتّبتان كالظهرين فلا إشكال في أنّه يجوز له الشروع في محتملات الواجب الثاني بعد استيفاء محتملات الأوّل ـ سواء كان الشروع في الثاني على طبق الشروع في الأوّل أم لا ـ كما انّه لا إشكال في عدم جواز استيفاء محتملات الثاني قبل استيفاء الأوّل ولا في عدم جواز الشروع في محتملات الثاني قبل استيفاء الأوّل على نحو يغاير الشروع في الأوّل كما هو ظاهر إنّما الإشكال في جواز الإتيان بهما مترتّباً كما إذا صلّى الظهر إلى جهة والعصر إلى تلك الجهة ثمّ صلّى الظهر إلى جهة اُخرى والعصر إليها وهكذا ، ونظيره ما إذا تردّد بين القصر والإتمام وأراد الجمع بينهما فهل يجوز له أن يصلّي الظهرين قصراً ثمّ تماماً أو بالعكس أم لا يجوز الشروع في العصر قبل الإتيان بالظهر قصراً وتماماً .
واختار المحقّق النائيني (قدس سره) عدم الجواز بناء على مبناه من ترتّب الامتثال الإجمالي على الامتثال التفصيلي وتأخّره عنه نظراً إلى أنّ في المقام جهتين : إحداهما إحراز القبلة وهو لا يمكن بنحو التفصيل على ما هو المفروض فيجتزئ من جهته بالامتثال الإجمالي ، والاُخرى إحراز الترتيب بين الصلاتين وهو بمكان من الإمكان لجواز الإتيان بجميع محتملات الواجب الأوّل ثمّ الشروع في الثاني ، وعليه يعلم حين الاشتغال بمحتملات العصر بوقوع الظهر قطعاً وحصول الترتيب جزماً ، وعدم العلم بأنّ العصر الواقعي هل هو المحتمل الأوّل أو الوسط أو الأخير إنّما هو
( الصفحه 565 )
للجهل بالقبلة لا الجهل بالترتيب ، وسقوط اعتبار الامتثال التفصيلي بالإضافة إلى شرط ـ لعدم الإمكان ـ لا يوجب سقوط اعتباره بالنسبة إلى ما يمكن من الشرائط كالترتيب في المقام فلا وجه لرفع اليد عن هذه الجهة التي لها دخل في الامتثال أصلا .
وأورد عليه سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ مضافاً إلى منع المبنى نظراً إلى أنّ الامتثالين إنّما يكونان في رتبة واحدة ولا يكون الإجمالي متأخّراً عن التفصيلي بمنع البناء نظراً إلى أنّه لا فرق بين هذه الصورة وبين ما إذا شرع في محتملات الثاني بعد استيفاء الأوّل ولا يكون الأمر في المقام دائراً بين الموافقة الإجمالية والتفصيلية وذلك لأنّ كلّ واحد من محتملات العصر لو صادف القبلة فقد أتى قبله بالظهر ويتحقّق الترتيب واقعاً وغير المصادف منها عمل لا طائل تحته كغير المصادف من الآخر ولا ترتيب بينهما .
وبالجملة الترتيب أمر إضافي يتقوّم بثلاثة اُمور : وجود الظهر ، ووجود العصر ، وتأخّر الثاني عن أوّل ولا مجال لحصول العلم التفصيلي بتحقّق هذا الأمر الإضافي بعد عدم كون العصر معلوماً إلاّ بالإجمال فلا فرق بين الصورتين .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكر انّه لا يجوز التمسّك لعدم جواز الشروع في العصر كذلك باستصحاب عدم الإتيان بالظهر الواقعي لأنّ ما يترتّب عليه إنّما هو عدم جواز الدخول في العصر الواقعي ونحن أيضاً نقول به ، ولذا لا نحكم بجواز الإتيان بجميع محتملات العصر قبل الفراغ اليقني من الظهر ولكن ندّعى انّ ما يأتى به هو العصر الواقعي لو كانت الصلاة السابقة عليه هي المأمور بها الواقعية وعلى هذا فترتّبه على الظهر ثابت في جميع محتملاته .
نعم ربّما يقال بأنّ الوجه في عدم جواز الشروع في العصر قبل استيفاء محتملات
( الصفحه 566 )
الأوّل هو انّه قد علم من الشرع ـ بمقتضى الأدلّة ـ انّ الاشتغال بالعصر إنّما يجوز بعد العلم بالفراغ من الظهر فمع الشكّ في الفراغ عنه لا يجوز الاشتغال بالأمر المترتّب عليه ودعوى انّ الاشتغال غير الجائز إنّما هو الاشتغال بالعصر الواقعي وفي هذه الصورة لا يعلم كونه هو العصر الواقعي بل كونه عصراً يلازم كون السابق ظهراً فلا وجه لعدم جواز الاشتغال به .
مدفوعة بأنّ المستفاد من الأدلّة مثل دليل العدول ونحوه انّ الشارع لم يرض بالاشتغال بصلاة بعنوان انّها الصلاة اللاّحقة إلاّ بعد العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة السابقة فمع الشكّ في الفراغ عن عهدة تكليف الظهر كيف يجوز الشروع في صلاة بعنوان انّها صلاة العصر .
هذا ولكن استفادة هذا القول من الأدلّة مشكلة فإنّ مفادها مجرّد لزوم ترتّب العصر على الظهر وتأخّرها عنها واعتباره في صحّة العصر ، وامّا عدم ارتضاء شارع بالاشتغال بصلاة بعنوان انّها يحتمل كونها الصلاة اللاّحقة قبل العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة السابقة فلم يظهر من الأدلّة والأخبار الواردة في العدول لا دلالة لها على ذلك أصلا; لأنّ مفادها لزوم العدول مع إمكانه والالتفات إلى عدم تحقّق الترتيب ، فالإنصاف انّه لا مجال لإنكار جواز الشروع في محتملات الواجب الثاني بالنحو المذكور أصلا .
بقي في مسألة اشتباه القبلة فروع ينبغي التعرّض لبعضها :
منها : لو كان من عليه صلاتان مترتّبتان كالظهرين ـ مثلا ـ غير متمكّن إلاّ من الإتيان بأربع أو ثلاث أو اثنتين فهل يجب عليه أن يصلّيها للظهر إلاّ واحدة يصلّيها للعصر أو انّه يجب عليه أن يصلّيها جميعاً للعصر وجهان مبنيان على أنّ المقدار الذي يختص بالعصر من آخر الوقت هل هو مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعية وهي