( الصفحه 567 )
أربع ركعات بالإضافة إلى الحاضر فلا يختلف باختلاف حال المكلّف من حيث العلم بالقبلة والجهل بها أو مقدار ما يجب على المكلّف إتيانه فيختلف باختلاف حاله كالقصر والإتمام فإنّ المقدار الذي يختصّ بالعصر من الوقت للمسافر هو مقدار إتيان ركعتين وللحاضر مقدار أربع ركعات .
وبعبارة اُخرى هل المراد من الوقت الاختصاصي ما تفعل فيه الفريضة بنفسها أو ما تفعل فيه الفريضة بمقدّماتها العلمية ، فعلى الأوّل لا يجوز صرف الجميع في العصر بل اللاّزم إبقاء واحدة للعصر والإتيان ببقية المحتملات للظهر أو بواحدة لها أيضاً على الخلاف المتقدّم في أنّه مع عدم إمكان إحراز القبلة بإتيان جميع المحتملات هل اللاّزم استيفاء البقية لكونها أقرب إلى الواقع أو انّه لا يجب ـ حينئذ ـ إلاّ واحدة لعدم تفاوت في مرتبة الموافقة الاحتمالية من جهة الاحتمال ، وعلى الثاني يجب صرف الجميع في العصر لو كان المقدور أربع صلوات ولو كان أقلّ منها يجب الباقي أو خصوص الواحد على الخلاف .
هذا واستظهر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) الأوّل ولكن لا تبعد دعوى الثاني وانّ اختلاف حالات المكلّف من حيث العلم والجهل بالقبلة أو بالطهارة أو بغيرهما موجب لاختلاف مقدار الوقت الاختصاصي كاختلاف المكلّفين في البطؤ ولاسرعة ونحوهما فإنّ المستفاد من دليل الاختصاص هو اختصاص المقدار من الوقت الذي لا محيص للمكلّف من أن يصرفه في الصلاة اللاّحقة فلا فرق في ذلك بين الفريضة بنفسها وبينها بمقدّماتها العلمية فتدبّر .
ومنها : ما لو تمكّن في الفرض المذكور من الإتيان بالزائدة على الأربع ولكن لم يتمكّن من الثمان بل تمكّن من الإتيان بخمس أو ست أو سبع فهل يجب عليه إيراد النقص على الاُولى وصرف الوقت في محتملات الثانية أو انّه يجب عليه رعاية
( الصفحه 568 )
محتملات الاُولى وإيراد النقص على الثانية وجهان مبنيان على الاحتمالين المذكورين في الفرع السابق وهما انّ المراد بالوقت الاختصاصي للعصر هل هو مقدار الفريضة بنفسها أو مقدارها بمقدّماتها العلمية فعلى الأوّل يجب إيراد النقص على الثانية وعلى الثاني على الأوّل .
واحتمل في العروة ثبوت التخيير بين الأمرين وأورد عليه بأنّه لا وجه لهذا الاحتمال; لأنّ الأمر دائر بين الوجهين ، امّا أن نقول باختلاف مقدار وقت صلاة العصر باختلاف حالات المكلّفين من حيث العلم بالقبلة والجهل بها ، وامّا أن نقول بعدم الاختلاف . فعلى الأوّل يتعيّن إيراد النقص على الاُولى وعلى الثاني يتعيّن إيراده على الثانية ولا يبقى وجه للتخيير بين الأمرين .
ولكنّه ربّما يقال في وجهه بناء على اختصاص مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعية بالعصر بأنّ الأمر يدور بين الوجهين أحدهما حفظ شرطية القبلة في صلاة الظهر وسقوطها بالنسبة إلى صلاة العصر والآخر عكس ذلك لأنّ ما سوى الوقت المختصّ بالعصر مشترك بينه وبين الظهر فيمكن رعاية القبلة في الاُولى بإتيان جميع محتملاتها وسقوطها في الثانية ويمكن العكس وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر فيجب الحكم بالتخيير .
ويرد لعيه انّ عدم رعاية القبلة في صلاة الظهر التي هي الصلاة المتقدّمة لابدّ وأن يكون مستنداً إلى ما يوجب سقوط شرطيتها وما يوجب ذلك ليس إلاّ العجز عنها وعدم القدرة عليها والمفروض ثبوت القدرة بالإضافة إلى صلاة الظهر بالإتيان بجميع المحتملات وكون صرف القدرة في الصلاة المتقدّمة موجباً لسلبها بالإضافة إلى اللاحقة المتأخّرة لا يسوغ صرفها فيها ولا التخيير بين الأمرين فإنّ التكليف الفعلي بالصلاة إلى القبلة الواقعية بالنسبة إلى الظهر لا يكون له مانع فلا مجال لعدم
( الصفحه 569 )
رعايتها فيها وليس ذلك لأجل ترتّب الثانية على الاُولى واشتراط وقوعها في صحّتها ، بل لأجل ثبوت التكليف الفعلي بالإضافة إلى الاُولى . ألا ترى انّه لو كان الشخص غير قادر على مراعاة القبلة ـ مثلا ـ في إحدى الصلاتين كالظهر والمغرب بمعنى انّه لا يقدر على مراعاتها في كلتيهما بل يتمكّن من حفظها في خصوص إحداهما فهل يجوز له أن يراعي القبلة في الصلاة اللاحقة دون السابقة مع أنّ المغرب لا تكون مترتّبة على الظهر ، غاية الأمر انّ الترتّب في المقام اقتضى تكليف الصلاة السابقة ولزوم رعايته أولا فالتكليف الفعلي الثابت مع فرض القدرة يجب أن يراعى بجميع الخصوصيات ولا يسوغ ترك البعض رعايته في تكليف آخر كما لا يخفى .
هذا ويمكن أن يقال في وجه تخيير العروة انّه حيث لم يثبت من الأدلّة انّ الوقت الاختصاصي للعصر هل هو مقدار صلاة الفريضة بنفسها أو مقدارها بمقدّماتها العلمية فاللاّزم هو الحكم بالتخيير لدوران الأمر بين تعين النقص على الاُولى وبين تعيّنه على الثانية فلا مجال لغير التخيير مع عدم ثبوت الرجحان لشيء من الأمرين .
ويدفعه انّه مع عدم الاستفادة من الدليل يكون مقتضى الاستصحاب هو بقاء الوقت الاشتراكي إلى أن يبقى مقدار صلاة الفريضة بنفسها فيتعيّن ـ حينئذ ـ إيراد النقص على الثانية فتدبّر .
ومنها : ما إذا كان المكلّف المتحيّر متمكّناً من الصلاة إلى الجوانب الأربعة ولم يأت بها حتى زال تمكّنه وبقي متمكّناً من إحداها فالكلام يقع تارة فيما هو وظيفته فعلا واُخرى في وجوب القضاء بعد الوقت وثالثة في تحقّق العصيان وعدمه .
امّا من الجهة الاُولى فلا ينبغي الإشكال في أنّ وظيفته الفعلية هو الإتيان بما
( الصفحه 570 )
يتمكّن منه من الصلاة إلى إحدى الجهات ومرجعه إلى سقوط شرطية القبلة في هذا الحال لما مرّ من عدم مزاحمة شرطية القبلة مع الوقت كما يعلم بالاستقراء والتتبّع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط ، بل بعض الأجزاء كسقوط السورة عند ضيق الوقت فإنّ المستفاد منها انّ الشارع قد اهتم بالوقت ولم يسقط شرطيته في صورة المزاحمة مع الشروط الاُخر وفي المقام مقتضى ذلك سقوط شرطية القبلة مع عدم التمكّن إلاّ من الواحدة لأنّالجمع بين وقوع الصلاة في الوقت واعتبار الاستقبال فيها ممتنع وأهمّيته الوقت توجب الحكم بسقوط شرطية القبلة فلا ينبغي الإشكال ـ حينئذ ـ في أنّ وظيفته الفعلية هي صلاة واحدة والقبلة ساقطة عن الشرطية .
وامّا من الجهة الثانية فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه; لأنّه معلّق على الفوت وهو غير متحقّق لأنّك عرفت انّ ضيق الوقت أوجب سقوط شرطية القبلة فالصلاة الواقعة كانت واجدة لجميع الشروط المعتبرة فيها والخصوصيات الدخيلة في صحّتها فلم يتحقّق فوت الواجب حتّى يجب قضائه وليس الحكم بوجوب الواحدة في الوقت لأجل انّها أحد المحتملات حتى يلزم الإتيان ببقية المحتملات خارج الوقت ويكون الإتيان بالمجموع موجباً للعلم بوقوع الصلاة إلى القبلة بل لما عرفت من أنّه إنّما هو لأجل سقوط شرطية القبلة مع المزاحمة مع شرطية الوقت ومع السقوط لا يبقى مجال للقضاء والإتيان ببقية المحتملات أصلا .
وامّا من الجهة الثالثة فاللظاهر ثبوت العصيان وتحقّق المخالفة العمدية وإن كان ربّما يقال بعدم تحقّق العصيان نظراً إلى أنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصلاة والتخيير بين أفرادها في أجزاء الوقت ففي حالة وجدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة المائية مصداقاً لطبيعة الصلاة التي هي المأمور بها وفي حالة فقدان الماء تكون الصلاة مع
( الصفحه 571 )
الطهارة الترابية مصداقاً لها . وفي حالة تمكّن المكلّف من الصلاة إلى القبلة الواقعية تكون الصلاة إليها مصداقاً لها وفي حالة عدم التمكّن تسقط شرطية القبلة وتكون الصلاة إلى أيّة جهة مصداقاً لها .
ولكن الظاهر ثبوت العصيان لأنّ العنوانين المتقابلين إذا كانا عرضيين كعنواني المسافر والحاضر فالحكم كما ذكر من أنّه لا يجب على المكلّف حفظ أحد العنوانين بعدم الخروج منه إلى الآخر بل يجوز التبديل دائماً سواء كان قبل تحقّق التكليف وتنجّزه أو بعده لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه .
وامّا إذا لم يكن العنوانان كذلك بل كانا طوليين فلا يجوز الانتقال من العنوان الأوّل إلى الآخر وذلك كما في مسألة وجدان الماء وفقدانه فإنّ المستفاد من دليل التيمّم انّ الانتقال إليه إنّما هو في صورة الاضطرار واللابدية ومرجعه إلى عدم كون الصلاة معه وافية بتمام المصلحة المتحقّقة في الصلاة مع الطهارة المائية وكما في المقام فإنّ سقوط شرطية القبلة في مفروض المسألة إنّما هو للعجز وعدم القدرة على رعاية القبلة الواقعية ، ومن المعلوم انّه لا يجوز التعجيز اختياراً ولا يسوغ الانتقال إلى العنوان الاضطراري ولذا حكموا بعدم جواز إراقة ماء الوضوء وكذا إبطاله وإيجاد حالة العجز فالعصيان تحقّق في مثل المقام .
ومنها : ما إذا علم المتحيّر بعد الإتيان بمحتملات ما يجب عليه تكراره واعتقاد رعاية الجميع بأنّه لم يأت بجميعها بل ترك واحداً منهما إجمالا أو تفصيلا كما إذا علم بترك الصلاة إلى جهة الأيسر ـ مثلا ـ فهل يجب عليه الإتيان بما علم انّه لم يأت به في الوقت أو بعده أو لا يجب؟ وجهان :
من جريان قاعدة الفراغ إذا شكّ بعد الوقت بالنسبة إليه لأنّه وإن كان عالماً بترك بعض المحتملات إلاّ انّه بالإضافة إلى المأمور به الواقعي الذي هي الصلاة إلى