( الصفحه 606 )
صورة مظنّة وجود الناظر وإن لم نعلم به ، وعليه فلا مانع من إظهار الوجه والكفّين في هذه الصورة ، وامّا قوله تعالى بعد ذلك (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)فالمفروض في مورده صورة وجود الناظر والعلم به ، وعليه فالابداء المنهي عنه في هذه الصورة يكون خالياً عن الاستثناء ويعمّ الباطنة والظاهرة معاً ، فإبداء الوجه والكفّين في صورة وجود الناظر منهي عنه وإن كانتا من الزينة الظاهرة لخلوّ هذه الجملة الشريفة من الاستثناء .
والظاهر انّ الالتزام بما أفاده في بيان معنى الآية مشكل جدّاً بل ظاهر الآية يأباه لظهورها في اتحاد معنى الجملتين وعدم اختلاف موردهما والوجه في التكرار إنّما هو استثناء المحارم الذين لا يحرم للمرأة إبداء الزينة غير الظاهرة لهم وعدم استثناء الزينة الظاهرة في هذه الجملة إنّما هو للاتّكال على وضوحه بقرينة الجملة السابقة مضافاً إلى أنّ الروايات أيضاً تدلّ على أنّ الجملتين بمعنى واحد وسيأتي نقل بعضها .
وامّا الجهة الرابعة وهي انّ المراد من قوله تعالى : (ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهن) ماذا ويجري فيه احتمالان : الأوّل أن يكون المراد ضرب الرجل على الأرض ليعلم ذلك ، الثاني أن يكون المراد ضرب الرجل بعضه ببعض لهذه الغاية ، وعلى أي تقدير فقوله تعالى : (ليعلم . . .) قيد للمنهي لا للنهي والمراد من ذلك كون متعلّق النهي هو الضرب لهذا الغرض فمجرّد الضرب ولو لغرض آخر وإن ترتّب عليه الاطلاع على ما يخفين من زينتهن لا يكون منهياً عنه لأنّ الضرب للغرض المذكور مقدّمة لتحريك الرجال وجلب توجّههم إليهنّ فيترتّب عليه المفاسد ، ومن ذلك ظهر انّ المراد بالزينة في هذه الجملة هي الزينة الزائدة على الخلقة كالخلخال لأنّها هي التي يكون الضرب بالأرجل موجباً للاطّلاع عليها
( الصفحه 607 )
والعلم بها ، وامّا زينة الخلقة فلا يتوقّف ظهورها على ذلك ، وعليه فيتحقّق هنا شاهد آخر على أنّ المرادب الزينة الظاهرة في الاستثناء الواقع في صدر الآية هي الزينة الخلقية التي تكون على قسمين ظاهرة وباطنة لأنّ الزينة الزائدة التي وقع التعرّض لها في الذيل يكون إنقسامها بالاخفاء والإظهار لا بالخفاء والظهور .
فانقدح الفرق بين الصدر الذي وقع الاستعمال فيه بنحو الفعل اللاّزم والذيل الذي وقع الاستعمال فيه بنحو الفعل المتعدّي وانّ الأوّل ناظر إلى الزينة الذاتية الخلقية والثاني ناظر إلى الزينة العرضية الزائدة ، وبذلك يظهر البحث في الجهة الخامسة من الجهات المتقدّمة ، هذا كلّه بالنظر إلى نفس مفاد الآية مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها .
وامّا بلحاظ الروايات ففي تفسير نور الثقلين عن الكافي عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى : (إلاّ ما ظهر منها) قال : الزينة الظاهرة الكحل والخاتم . وحيث إنّ النظر إلى الكحل والخاتم ملازم للنظر إلى العين واليد ولا يمكن الانفكاك بينهما فتلائم الرواية مع ما ذكرنا من أنّ المراد من الزينة الظاهرة هي الوجه والكفّان .
وفيه أيضاً عنه عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله تعالى : (ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها) قال : الخام والمسكة وهي القلب . والقلب بالضم السوار والظاهر منها أيضاً موضعهما كما لا يخفى .
وفيه أيضاً عن تفسير جوامع الجامع : فالظاهرة لا يجب سترها وهي الثياب إلى قوله : وعنهم (عليهم السلام) الكفّان والأصابع .
وفيه أيضاً عن تفسير مجمع البيان : وفي تفسير علي بن إبراهيم الكفّان والأصابع .
( الصفحه 608 )
وفيه أيضاً عن تفسير علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام)في قوله : (ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكفّ والسوار والزينة ثلاث : زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج ، فامّا زينة الناس فقد ذكرناها ، وامّا زينة المحرم فوضع القلادة فما فوقها ، والدملج وما دونه والخلخال وما أسفل منه ، وامّا زينة الزوج فالجسد كلّه .
وهاهنا رواية صحيحة من حيث السند ومعضلة من حيث الدلالة رواها الفضيل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله تعالى : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) قال : نعم وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين . ونفس السؤال في الرواية دليل على أنّ مفاد هذه الجملة لا يغاير مفاد قوله تعالى قبل ذلك : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) يعني انّ هذه الجملة أيضاً مشتملة على الاستثناء وعدم التعرّض له إنّما هو للاتكال على الجملة السابقة فيدلّ على خلاف ما التزم به الفاضل الهندي المتقدّم من الفرق بين الجملتين ، كما انّ نفس السؤال عن انّ الذراعين هل تكونان من الزينة تدلّ على أنّ المراد بالزينة ليس الأمر الزائد على الخلقة بل نفس أعضاء المرأة ومن المعلوم وقوع التقرير بالإضافة إلى الأمرين .
ثمّ إنّ هذه الصحيحة ممّا استدلّ به الطرفان أي القائل باستثناء الوجه والكفّين والقائل بعدمه والوجه فيه انّه قد اختلف في معنى قوله (عليه السلام) : وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين فالمحكي عن المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول والفيض في الوافي وصاحب الحدائق والجزائري في قلائد الدرر انّها صحيحة دالّة على استثناء الوجه والكفّين وانّ المراد من قوله : ما دون الخمار هو ما تحت الخمار في مقابل ما فوق الخمار ومعنى ما دون الخمار ما كان مستوراً بالخمار وامّا قوله : وما دون السوارين
( الصفحه 609 )
فقالوا : إنّ معناه انّ ما دونهما إلى المرفق من الزينة المقصودة من الآية .
وقد يقال : إنّ المراد ممّا دون الخمار الوجه لأنّ السائل وهو الفضيل لم يكن شاكّاً ولا جاهلا بأنّ ما تحت الخمار من الزينة لوضوح كونه منها وما يمكن أن يكون السائل جاهلا بحكمه هو الوجه لاحتمال عدم وجوب ستره مضافاً إلى أنّ كلمة «دون» بمعنى ما يكون أسفل من الشيء والوجه إنّما وقع في موقع أسفل من الخمار وتحته ودونه مع أنّ الزمخشري قال في «الكشاف» انّ كلمة «دون» بمعنى أدنى من الشيء قليلا وما يكون أدنى من الخمار قليلا إنّما هو الوجه ، ولو قلنا بأنّ معنى دون الشيء ما هو أدنى منه الذي يعبّر عنه في الفارسية بـ «پست تر» يكون الوجه أيضاً كذلك . وامّا ما دون السوارين فالمراد منه ما وقع تحتهما وهو الكفّان لوقوعهما أسفل من السوارين ومحلّهما .
والتحقيق انّ السائل إنّما سأل عن الذراعين والذراع إنّما يكون مجموع ما بين المرفق إلى الكفّ أي أطراف الأصابع ، وعليه فالجواب بقوله (عليه السلام) : نعم ، ظاهر في أنّ هذا المجموع من الزينة التي يحرم إبدائها ، وعليه فلا يعلم المراد من قوله (عليه السلام) : وما دون السوارين لأنّه يبقى له بعد الحكم بكون مجموع الذراع من الزينة مجال سواء كان المراد به هو ما وقع تحت السوارين أي الكفّان أو كان المراد ما دونهما أي ما بعدهما إلى المرفق ، وعليه فالرواية من هذه الجهة مجملة لا سبيل إلى استكشاف المراد منها فلا يصحّ جعل الرواية مفسِّرة للآية الشريفة على خلاف ما استفدنا منها .
نعم لو لم يقبل الاستظهار المذكور وقلنا : بأنّ الزينة الظاهرة والمستثناة مردّدة بين الثياب كما هو المنقول عن عبدالله بن مسعود وبين ما قاله ابن عبّاس : من أنّها الكحل والخاتم والخدان والخضاب في الكفّ فيتحقّق الصغرى لمسألة اُصولية
( الصفحه 610 )
محرّرة في محلّها وهي انّه لو خصّص العام بمخصّص متّصل كان مجملا مردّداً بين المتباينين أو بين الأقلّ والأكثر يسري إجمال المخصّص إلى العام ويصير العام مجملا لا دلالة له على حكم محتملات الخاص ، وعليه فالآية كما لا دلالة لها على جواز إبداء الوجه والكفّين لا دلالة لها على حرمة ابدائهما أيضاً بنحو العموم .
فانقدح من جميع ما ذكرنا انّ الآية امّا أن تكون دالّة على جواز إبداء الوجه والكفّين لكونها من الزينة الظاهرة ، وامّا ان لا دلالة لها على حرمة إبدائهما بنحو العموم كما لا يخفى .
ومن الآيات قوله تعالى : (يا أيّها النبي فل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما)(1) . وقد ورد في شأن نزول الآية انّ الاماء في الصدر الأوّل كنّ يخرجن مكشوفة الرؤوس وكان أهل الريبة والفسوق يتعرّض لهنّ ويمازحهنّ وربّما كان يتجاوز المنافقون إلى ممازحة الحرائر فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبنا هن اماء فقطع الله عندهم وقد يقال بعدم كون الاماء مكوشفة الرؤوس في ذلك الزمان بل كان لهنّ القميص والخمار فقط .
وكيف كان فغرض الآية من الإيجاب المذكور أن يعرفن بالعمل على وفقه بكونهنّ حرائر فلا يتوجّه إليهن الايذاء والممازحة .
وامّا الجلباب ففي المفردات انّه الخمر والقمص ويظهر من بعض آخر انّه غيرهما ، قال في جامع الجوامع : الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها . وعن ابن عبّاس : الرداء